13‏/5‏/2016

هل ثُقبت دروع الدبابة T-90A وأعطبت تجهيزاتها أثناء هذا الهجوم ؟؟

هــــل ثُقبـــــت دروع الدبابــــة T-90A وأعطبــــت تجهيزاتهــــا أثنــــاء هــــذا الهجـــــوم ؟؟



هل ثقبت دروع الدبابة T-90 بعد إصابتها بمقذوف BGM-71 TOW ؟؟ وهل كان انبعاث الدخان الأبيض من الدبابة المصابة ناتج عن نظام كبح النيران كما يقول البعض ؟؟ وما هو مصير الطاقم وهل بالفعل استطاع هؤلاء الهرب والنجاة ؟؟ لماذا لم تحترق الدبابة أو تنفجر كما جرت العادة لسلفها T-72 ؟؟ هذه الأسئلة تمثل بعض ما طرح خلال الأيام المنصرمة لدى العديد من مواقع الاختصاص الروسية عند تحليل حادث الهجوم الذي تعرضت له دبابة تابعة للنظام السوري من طراز T-90A بصاروخ TOW أطلقته إحدى فصائل المعارضة ، وبلغ الأمر بصحيفة vestnik الناطقة بالروسية أن عنونت على صدر صفحتها الإلكترونية مانشيت فرعي يقول "الدبابة T-90A في سوريا تنقذ طاقمها مرة أخرى" Tank T-90A in Syria to save his crew again !! بدوره ، خبير الدروع الروسي "ألكسي هلوبوتوفا" Alexei Hlopotova برر أمر الدخان الأبيض الكثيف الصادر عن الدبابة المصابة وقال أنه ناتج عن نظام كبح النيران في الدبابة ، فما صحة هذا التبرير ؟؟ بداية يجب التوضيح أن الروس حريصون على تسويق دبابتهم الأحدث T-90 وإظهارها بالمظهر القوي والصارم والثقة العظيمة كما وصفوها great confidence ، خصوصا وأن أعين المستخدمين والزبائن المحتملين جميعها تتجه نحو مراقبة أداء هذه الدبابة في الساحة السورية (المصادر الغربية تتحدث عن خشية روسية من مواجهة الدبابة مصير مماثل لمصير الدبابة T-72 عند إشراكها في ساحة قتال فعلية ، خصوصا وأن الدبابتين تتبنيان نفس التصميم ونفس التوزيع الداخلي للذخيرة القياسية) ، لذا كانت دائما تبريرات وتفسيرات الخبراء الروس جاهزة للدفاع عن هذه الدبابة وإظهارها بمظهر القوة ، حتى ولو كانت تبريرات عبثية وسطحية تصل لحد القول أن صاروخين TOW ضربا نفس الدبابة وليس واحد فقط !! السؤال الأول الذي ربما يتبادر لذهن القارئ يتمحور حول طبيعة التأثيرات والأحداث التي تقع داخل هيكل الدبابة عند إصابتها بمقذوف شديد الانفجار مضاد للدبابات HEAT وثقب دروعها ، وكما هو الحال مع الرأس الحربي للصاروخ الأمريكي المضاد للدروع TOW . هذه التأثيرات كما يتحدث الباحثون جميعها تتطور خلال زمن لا يتجاوز بضعة أجزاء من الثانية ، وتتضمن في المجمل الآليات التالية :

# إنتاج مخروط تشظية متوسع ومتضخم expanding cone ناشئ عن أجزاء وشظايا الدرع . هذه الأجزاء تأتي في تشكيلة واسعة ومتنوعة من الغبار أو الرذاذ ، مع سرعة طيران تتراوح ما بين بضعة مئات إلى عدة آلاف أقدام بالثانية . الأجزاء والشظايا الناتجة يمكن أن تماثل وتقارن بانفجار داخلي لقنبلة يدوية ضمن تجويف أو حيز مقصورة الدبابة . 
# اعتماداً على حجم الرأس الحربي ونقطة أو موضع الهجوم (مثال على ذلك : البطن ، الجانب ، القمة) وكذلك على مادة البطانة المعدنية liner material عند الحديث عن الشحنة المشكلة (مثل النحاس ، الفولاذ ، الألمنيوم ، الخ) ، فإن وقائع ونشاط الاختراق على الهدف يكون مصحوباً عادة بمظاهر الضغط ، الحرارة ، الضوء ، والغازات ، التي تنتج جميعها تأثيرات حادة وقاسية severe effects على الأفراد المكشوفين في مقصورة الدبابة .
# الضغط الزائد والمرتفع الناتج عن العصف الداخلي يمكن أن يتفاوت في شدته ما بين 5 إلى 50 رطل لكل بوصة مربعة ، يستمر لفترة زمنية ممتدة لنحو 100 جزء من الألف من الثانية . هذا الضغط يمكن أن يؤدي إلى صدمة عنيفة يتراوح تأثيرها ما بين أضرار في طبلة الأذن drum damage إلى جروح قطعية رئيسة major injury . كذلك الرئتين وتجاويف الجسم الأخرى ، تتأثر بشكل خاص نتيجة الضغط الزائد والمفرط . 
# درجة حرارة الهواء air temperature ضمن تجويف مقصورة العربة ستواجه تغير وتبدل ملحوظ ، حيث يمكن تسجيل ارتفاع لنحو 150 درجة مئوية مقارنة بالوسط المحيط ، مع استغراقها لزمن مقدر بنحو ثلاثة دقائق للتراجع والانخفاض .
# مجريات الأحداث المذكورة في الأعلى وناتج الضغط ودرجات الحرارة المرتفعة ، ستكون معتمدة بشكل رئيس على حجم الشحنة الخارقة ومواد الدرع . كما يمكن للاختراق وثقب الدروع أن يولد ضوء حاد وكثيف intense light ، قد يتسبب في حدوث إعماء مؤقت لأفراد الطاقم أو ضرر وأذى دائم للعيون غير المحمية لشاغلي العربات (بالإضافة إلى أي ضرر طبيعي للعين قد يكون سببه الأجزاء والشظايا) .


# تجويف مقصورة الدبابة وبعد ثقب دروعها سيكون أيضاً مملوء بالغازات الدخانية البيضاء الخانقة الممزوجة بالجزيئات particulate-filled gas ، يقابله انخفاض وتناقص حاد في الأوكسجين المتوافر . الاختبارات البريطانية في هذا المجال سجلت على نحو استثنائي ظهور مقادير وأكداس كبيرة من أكسيدات النتروجين عندما شحنة مشكلة ببطانة نحاسية copper-lined تدحر درع مثالي من سبائك الألمنيوم المستخدم في بناء بعض عربات القتال التي في الخدمة الآن .

في الحقيقة التصوير الجوي لواقعة الهجوم تؤكد بما لا مجال معه للشك أن دروع الدبابة T-90A ثقبت ولولا ذلك لما أشتغل نظام كبح النيران وبدأ بتفريغ أسطوانات مادة الإطفاء !! الدبابات الروسية من فئة T-90 تستخدم نظام Rime (تعني الصقيع بالروسية) للإطفاء الآلي . فلإخماد النيران ، هناك أربعة اسطوانات لمكافحة الحرائق ، اثنتان في حجرة الطاقم واثنتان في مقصورة المحرك . النظام يستعين بعدد عشرة مجسات بصرية optical sensors من نوع EA1-1C . هذه المجسات تستخدم لتحويل إشعاع لهب الوقود وزيوت التشحيم المكتشف (زاوية الكشف حتى 90 درجة) إلى إشارة كهربائية ، وذلك خلال زمن استجابة لأقل من 2 ملي ثانية . هناك أيضاً خمسة مجسات حرارية thermal sensors من نوع TD1 وهي مصممة لتحويل درجة حرارة اللهب المكتشفة (من خلال استشعار الاختلاف في درجات الحرارة) إلى إشارة وناتج كهربائي electrical signal يشير إلى بداية حدوث نشاط الحريق . هذه المجسات تستعين في عملها بعدد 15 من المزدوجات الحرارية thermocouples . مجموعة المستشعرات توضع في كلاً من مقصورة المحرك وحجرة الطاقم ، لتعمل بعد ذلك على إفراغ نحو 90% من محتويات قناني الإطفاء خلال 150 جزء من الألف من الثانية قبل الوصول لحالة الإيقاد ، مما يساعد على منع اشتعال مخزون الوقود الداخلي أو الذخيرة (حرمان وعزل حاويات خراطيش الدافع السيلوزية cellulose casing من الأكسجين يجعلها غير قابلة للاشتعال) . إن نظام إخماد النيران معد لكي يشغل يدوياً أو آلياً من خلال الأزرار على لوحة السيطرة والتحكم في موقع القائد أو سائق الدبابة .. بالطبع سرعة تفريغ محتويات قناني الإطفاء والبالغة 150 جزء من الألف من الثانية تؤكد أن ما شاهدناه في الصور من دخان أبيض white smoke لم يكن صادراً عن منظومة الإطفاء الآلية كما يدعي الخبير الروسي ، بل هو دخان ناتج عن إعطاب جزئي لمكونات مقصورة الطاقم نتيجة نفاث الرأس الحربي للصاروخ المهاجم !! خصوصا مع إحتساب زمن إعداد وإرسال الطائرة من دون طيار التي صورت الهدف بعد مهاجمته بدقائق تتراوح ما بين 10-15 دقيقة !! الحديث الآخر عن نجاة طاقم الدبابة tank crew هو حديث أيضاً غير مدروس ولا يمكن بحال تأكيده ، فإحدى الصور تظهر 4 أفراد يقفون في موضع قريب من الهدف وقدرهم البعض على أنهم أفراد الدبابة !! وتفسير هذا الأمر يبدو غير منطقي ولا مقبول ، أولاً لأن طاقم الدبابة يتكون من ثلاثة أفراد فقط وليس أربعة ، ثانيا وقوفهم بعيدا عن الجدار الحاجز stone wall وفي موضع مكشوف يعطي انطباع أنهم مجرد أفراد من المشاة ، تصادف وجودهم في موقع الحدث وهم ليسوا من طاقم الدبابة بل ربما من المرافقين لها !! مع ذلك من المفيد التوضيح هنا أن نظام الإطفاء الآلي في الدبابة T-90A يستخدم مزيج كيميائي من مواد Halon 2402 و Halon 1301 للإطفاء والكبح الفوري . المركب Halon 2402 معروف بفعاليته الشديدة تجاه أي صنف أو نوع من النار ، لكن استنشاق كميات كبيرة منه في فضاء محصور وكما هو الحال ضمن تجويف هيكل الدبابة ، يمثل خطر عظيم على الصحة . مثال على ذلك في 8 نوفمبر العام 2008 ، عندما حادث عرضي على متن الغواصة النووية الروسية K-152 Nerpa تضمن تنشيط غير مقصود لنظام إطفاء مجهز بمركب Halon 2402 ، أدى إلى وفاة 20 شخص نتيجة الاختناق . لهذا السبب ، يشدد المذهب الروسي دائماً على وجوب الإخلاء الفوري للدبابة من شاغليها عند تشغيل وتنشيط نظام الإطفاء الآلي في مقصورة الطاقم لمنع الإختناق ، وهذا على الأرجح أحد أبرز الأسباب التي تدعو طاقم الدبابة السوري لسرعة مغادرة دبابتهم المصابة خوفا من الإختناق بداخلها مع عدم إغفال عناصر الخوف والهلع والإرتباك التي هي سمات طبيعية في النفس البشرية !!



هناك تعليقان (2):

  1. ضربة في الصميم التي 90

    ردحذف
  2. مقال في غاية الروعة والبراعة ، أستاذي أنور لقد جمعت في هذا المقال بين العلم المحكم والمستند الى تراكم معرفي كبير وبين قدرة مميزة غلى التحليل والاستنتاج ، كل ما سبق أخرجته بأفضل طريقة ممكنة ، أهنئ تفسي واخواي رواد هذي المدونة الرائعة بك سيادة العميد الركن أنور الشراد، تقبل فائق احترامي

    ردحذف