2‏/8‏/2012

دبابة T-72 .. المضامين التكنولوجية ونقد التصميم (الجزء 1)

دبابة T-72  .. المضامين التكنولوجية ونقد التصميم (الجزء 1)


خلال تجربة حرب الخليج 1991 ، اعتبرت الدبابات T-72 من أفضل الدبابات الموجودة في عهدة الجيش العراقي (في الأساس كانت هي والدبابة T-80 ومنافساتها الغربية أمثال الأمريكية M1A1 Abrams والألمانية Leopard 2 والبريطانية Challenger ، تصاميم الدبابات الأفضل خلال سنوات الحرب الباردة) ، التي يفترض أنها حجزت خصيصاً آنذاك لألوية الحرس الجمهوري Republican Guard . لقد كانت نسخة طبق الأصل لواحدة من سلسلة الدبابات T-72 الأولية ، بينما اشتملت النماذج السوفييتية اللاحقة على دروع إضافية إلى كل من البرج ومقدمة الدبابة ، وتوج ذلك بإضافة دروع تفاعلية ERA من الجيل الأول (جميع هذه الإجراءات توحي بأن السوفييت كانوا مدركين بأن مستويات الحماية الرئيسة في الدبابة كانت أكثر من مثالية) . وحتى وقت قريب من بداية وعمليات عاصفة الصحراء ، كان لا يزال ينظر إلى الدبابة T-72 على أنها أفضل آلية قتالية ، فلم يكن هناك أي دلائل أو مؤشرات على عدم كفاية خصائص البقائية والنجاتية survivability في الدبابة ، كما افترض الخبراء الغربيون بأن شكل وتصميم هذه الدبابة الرائع (الفضل بذلك يعود وبشكل أساس إلى نظام التلقيم الآلي automatic loading) سيعزز كثيراً من فرص بقاءها في ساحة المعركة ، لكن عندما جاءت حرب الخليج أثبتت هذه الافتراضات خطأها وإلى حد بعيد . فقد بينت العمليات الإحصائية للمواجهات المدرعة التي أعدها الجيش الأمريكي بعد الحرب ، أن الدبابة T-72 لم تكن (وبشكل مؤكد) نداً للقذائف الأمريكية عيار 120 ملم ، وعلى الأخص قذائف الطاقة الحركية من نوع M829A1 ، المشتملة على خوارق مصنوعة من اليورانيوم المستنزف DU . فقد تحققت معظم الإصابات من مسافات بعيدة (عادة ما تفتح الدبابة الأمريكية نيران مدافعها من مسافة 2500-3000 م أو أكثر إذا سمحت ظروف الرؤية بذلك) ، حيث غالباً ما كانت الدبابات العراقية في حالة توقف أو تخندق Trenching !! وكانت الضربات تتسبب في اختراق الدروع وإحداث دمار مأساوي ، ويتبع ذلك في العادة حدوث انفجار ثاني ناتج عن اشتعال مخزون الذخائر المكدسة في نظام التلقيم الآلي على أرضية البرج ، بحيث يؤدي ذلك إلى انفجار البرج وخلعه من مكانه كردة فعل لاحقة (رفعت الإنفجارات الفظيعة والهائلة الأبراج في أغلب الأحيان لنحو 10-12 م في الهواء ومزقت العربات لأجزاء) . وفي واحدة من الحالات الموثقة ، فإن مقذوف اليورانيوم المستنزف اخترق الساتر الترابي sand berm الذي تحتمي به الدبابة العراقية واخترق مقدمتها واتجه مباشرة خلال البدن وخرج عبر حجرة المحرك ، تاركاً جسم الدبابة خلفه بلا برج .


لقد أمكن تحقيق مستويات نجاح مقاربة مع استخدام القذائف شديدة الانفجار المضادة للدبابات HEAT نوع M830 . وفي حين فضل أطقم الدبابات الأمريكية استخدام قذائف APFSDS في الاشتباكات المضادة للدبابات وذلك للأسباب المعروفة ، إلا أنهم في العديد من الحالات ونتيجة النقص في هذا النوع من الذخائر ، أجبروا للرجوع إلى استخدام قذائف HEAT . وبصرف النظر عن الاختلافات في الخواص البالستية ، وخاصة على المسافات البعيدة ، فإنه لم يكن هناك أي اختلافات مهمة في النتائج ، إذ استطاع نفاث قذائف الطاقة الكيميائية اختراق دروع الدبابات العراقية بسهولة ، كما هو الحال مع الخوارق المصنوعة من اليورانيوم المستنزف . لقد كانت القاعدة الرئيسة في قتال الدبابة تتحدث دائماً عن "شاهد هدفك أولاً ، أطلق النار أولاً ، أحرز إصابتك أولاً" وفي هذه الجزئية استطاعت مناظير الرؤية الحرارية thermal sights في الدبابات الأمريكية M1A1 توفير أفضلية قتالية حاسمة في عملية عاصفة الصحراء ، عندما استطاعت هذه الدبابات اكتشاف ومشاغلة الدبابات العراقية قبل أن تتمكن هذه الأخيرة من رؤيتها . كما عانت الدبابات العراقية من الضرر الآخر الهام في 1991 بأنها كانت مجهزة بذخيرة دون المستوى inferior ammunition ، ومن جيل متأخر عن ذلك المستخدم من قبل الجيش السوفييتي في ذلك الوقت .


وفي حين لا تتوفر أي إحصائيات موثقة بخصوص النسبة بين عدد القذائف عيار 120 ملم التي تم إطلاقها ، وعدد الإصابات المؤكدة التي تم إحرازها ، وبين الإصابات ودرجة القتل التي تحققت ، إلا أنه يبدو أن المعادلة الكلية لاشتباكات الدبابات أبرامز مع العراقية T-72M1 كانت مقاربة جداً إلى قذيفة واحدة = إصابة واحدة = حالة قتل ، مما أبرز القصور في نظام الحجيرات أو التقسيم الداخلي للدبابة T-72 . لقد أمكن الحصول على نفس الاعتبارات والنتائج (وخصوصاً بالنظر إلى احتمالية انفجار مخزون الذخيرة) بواسطة الأنواع الأخرى للأسلحة المضادة للدبابات التي استخدمت من قبل قوات التحالف في حرب الخليج ، مثل Hellfire وMaverick، كذلك مدافع الطائرات GAU-8A عيار 30 ملم .. الخ ، ويبدو أن أياً من هذه المنظومات لم يواجه مصاعب في إنجاز مهامه المحددة (قام العراقيون بتجهيز بعض دباباتهم T-72 بأنظمة دفاعية إضافية ، من ضمنها منظومة كهروبصرية electro-optical تساعد على اعتراض القذائف المضادة للدبابات الموجهة سلكياً بالتشويش عليها وهي في طريقها للهدف . النظام تم الحصول عليه من الصين وشوهد على بعض أبراج الدبابات العراقية الملقبة بأسد بابل أثناء حرب الخليج) . ودون الدخول في تفاصيل مرعبة ، فإن من السهل تخيل ما قد يعني هذا بالنسبة لأطقم الدبابات العراقية ذوي الحظ العاثر ، حيث بدا واضحاً أنه حتى في حالة استطاعت الدبابة النجاة من الإصابة بعد وقوعها ، وهو عموماً أمر نادر الحدوث ، فإن مصير طاقمها محتوم بسبب عيوب التصميم design flaws . لقد تحدث الكثير من الجنود الأمريكيين لقادتهم عما شاهدوه من جثث للعراقيين في دباباتهم التي لم تمس مباشرة ، وقد قتلهم نظام كبح النار الداخلي Fire suppression system . حيث يبدو أن سوء أداء هذا النظام يرجع في أحد أسبابه إلى عبث العراقيين بالنظام ، بحيث استمر في عمله بعد إصابة الدبابة أكثر مما هو مسموح به ، مما ضاعف من احتمالية نجاة الدبابة ، لكنه أيضاً ساهم في القضاء على الأطقم خنقاً داخل الدبابة .


تحدث أطقم الدبابات الأمريكية الذين خاضوا تجربة حرب الخليج عن إيجابيتهم في التعرف على أهدافهم ، فلم تكن هناك أي إشارات عن وجود بعض الأهداف صعبة المنال عن غيرها . وأثبتت حالات الاشتباك المتلاحقة ، وجود تفوق تقني شامل للأداة الغربية الميدانية من حيث التصميم الكلي للدبابة . لقد فرضت القابليات التقنية واقعها ، وأدى اجتماع التكنولوجيا الغربية الحديثة فيما يتعلق بالمناظير sights وأنظمة السيطرة على النيران Fire control systems من جهة ، وكذلك القذائف الخارقة للدروع من جهة أخرى ، إلى توفير احتمالية كبيرة لتحقيق إصابات مباشرة ، بالذات ضد عدو ساذج لدرجة أنه يبقي ساكناً وجامداً في مكانه دون حراك ، معتمداً على الحماية الوهمية للساتر الترابي !! وطبقاً لذلك تم الحصول على اختراق قاتل لكل إصابة . كان التوجه التقليدي للمصممين السوفييت Soviet designers هو في إبقاء دباباتهم صغيرة ومنخفضة الارتفاع لكي تكون أصغر هدف محتمل low profile ، واضعين الأهمية القصوى على أن لا تصاب الدبابة ، وليس على احتمالية نجاتها بعد الإصابة . إن هذا التوجه لم يعد صالحاً الآن ، حيث أثبت مع ظروف الحرب محدودية نتائجه ، خصوصاً مع تطور تقنيات أنظمة الرصد والإطباق على الأهداف . لقد كان الغرب فيما مضى ، يكيل المديح والثناء لأبراج الدبابات السوفيتية ، لصغر حجمها وشكلها الدائري المنخفض منذ ظهوره على الدبابة T-62 ، حيث أنه مفضل بالمقارنة مع "القلاع" castles التي تعلو الدبابات الغربية . إلا أن حرب الخليج أوضحت وبشكل قاطع ، بأنه وعند إشراك تقنية التسليح الجديدة ، فإن هذه الإجراءات تكون ذات قيمة تكاد لا تذكر ، فوجود أبراج صغيرة لم يحمي الدبابة T-72 من الإصابات الدقيقة القاتلة ، ولا حتى شكلها البالستي منع الاختراقات الروتينية . لقد تبين أن التصميم السوفييتي لدبابة المعركة الرئيسة MBT أخفق لسببين رئيسين وهما : المراهنة على أن لا تصاب الدبابة أكثر من أن تنجو بعد هذه الإصابة ، ورفض المصممين السوفييت الإدراك بأن نجاة الطاقم crew survivability هو موضوع أكثر أهمية بكثير من نجاة العربة . لقد أدى اندماج هذين الخللين ، إلى إيجاد إطار محدد لهذه التصاميم ، مثل صينية الملقم الآلي المركزية في الدبابة T-72 ، وكذلك احتياطي الذخيرة التي تم استيعابها على أرضية البرج turret floor . هذا بدوره سمح بظهور أشكال مركبة وصغيرة للدبابات السوفييتية ، لكنه في المقابل ضمن احتمالات أكبر لإصابة مخزون الذخيرة ، مما ضاعف معه من مخاطر الاشتعال والانفجار ، والنتيجة الطبيعية هنا هي فقدان الطاقم والدبابة معاً .

هناك 13 تعليقًا:

  1. السلام عليكم..
    - في الحقيقه , وحتى نكون منصفين استاذ أنور في تقيمنا للنتيجه المفزعه والكارثيه التي حدثت للجانب العراقي في معارك الدبابه في حرب تحرير الكويت والتي تمثلت في المعادله " قذيفه واحده= اصابه واحده=حالة قتل" لايمكن تحميله فقط إلى عيوب التصميميه والبنيويه التي تعاني منها الT-72 , فمن الواضح أن العراقيين يتحملون جانب كبير مألت إليه هذه النتيجهو فالعراقيين أهملوا تزويد نسخهم الأوليه منها بالدروع الأضافيه ناهيك عن تزويدها بدروع الERA التي اصبحت جزء عضوي من عناصر الحمايه التدريعيه للدبابات السوفيتيه في نسخها الأحدث أو تزويده بالجيل الأحدث من القذائف أو حتى تطوير منظومات الرؤيه ونظام السيطره على النار الFCS عليها ونزويدها بمنظومات ذات قدرات محترمه وهو أمر لاشك متاح وممكن خصوصا بحكم الروابط التي نسجها العراق مع بعض الدول الغربيه " ابطالبا , فرنسا, على سبيل المثال لاالحصر ..

    ناهيك عن الشق البشري سواء المتعلق بكيفية توظيف العراقيين لسلاح الدروع لديهم ونظرتهم الخاطئه للدبابه بأنها سلاح مدفعيه واسناد ودعم نيراني بدل النظر إليه أحد سلاح "مناوره وصدم" و بخلاف عن الضعف الواضع في المستويات التدربيه المنخفضه لطواقم الدبابات.

    أنا هنا لاأقول بأن تلك الأجراءات السابقه- لو تمت -سوف تقلب نتيجة معارك الدبابات السابق ذكرها ..رأسا على عقب ,ولكن على الأقل تقلل من حدة الخسائر الفادحه والمذهله في آن واحد , وكذلك لايمكني القول أن العيوب التصميميه التي تعاني ال t-72 سوف يتم تفاديها فهذهفهذه الدبابه معيبه بكل ماتعنيه الكلمه..

    ردحذف
  2. بالتأكيد أخي العقرب وتعليقك جانبه الصواب .. الدبابات العراقية كانت سيئة التجهيز والبناء ، أضاف العراقيين لضعفها سوء التدبير والتنظيم ، وكانت الدبابات في الكثير من الحالات عبارة عن مدافع ذاتية الحركة .

    ردحذف
  3. مشاء الله على الشغل النظيف .. المبدعين كلهم هنا !!

    ردحذف
    الردود
    1. الموضوع يسمح بتعدد الآراء أخي الكريم .. وأتمنى أن تبدي وجهة نظرك بدون تحفظ حتى لو كانت سلبية .

      حذف
  4. لدي استفسار بسيط استاذ أنور وهو. ..لماذا لم يسعى العراق للحصول على نسخ جيده من ال T-72 من اﻷتحاد السوفيتي تحديدا بالرغم العﻻقه الوثيقه والتحالفيه طويلة
    اﻷمد بين الطرفين ؟

    ردحذف
  5. .....وهل المشكله في ذلك تعود للطرف السوفيتي الذي يرفض تزويد العراق بتلك النسخ الحديثه من ال T-72وماهي مبرارته واسبابه أن وجدت. ...حسب وجهة نظرك ، أم أن المشكله تكمن بالطرف العراقي ؟
    شكرا جزيﻻ مقدما. ...وأسف أن اثقلت عليك

    ردحذف
  6. مﻻحظه بسيطه استاذ أنور التحاور وكتابة الردود والنقاش في المدونه أصعب وأكثر تعقيدا مما هو على المنتديات.....هذا الله أعلم

    ردحذف
  7. وماذا نفعل والحال كما ترى مع المنتديات !! عموماً العراق سعى في السنوات الأخيرة من حربه مع إيران للحصول على دبابات تي 80 لكن الظروف السياسية والإقتصادية لم تخدمه .. والله يعينك على المحاورة والكتابة ، لكنه أمر فرض علينا ولا حول ولا قوة إلا بالله .

    ردحذف
  8. بصراحه استاذ أنور أبي أقولها لك. ....وﻻتزعل مني فصديقك من صدقك ﻻ من صدقك بكل صراحه أنت ورطت واشغلت نفسك بأمور اﻷداره بالمنتديات بينما المفروض أن تلتفت فقط للماده العلميه التي بين يديك ،وغيرها مالك شغل فيه أن استاذ كبير وﻻيجوز أن نحرم من علمك بسبب منازعات ومشاكل اداريه كان من اﻷفضل ان تعتذر تماما عن تولي أي مناصب أداري في هذه المنتديات...شخصيا أن توليت سابقا مناصب اداريه في تلك المنتديات ولكن بعد ذلك اعتذرت عن اﻷستمرار بها لما تسببه من مشاكل ﻻنهايه لها.......فليش ابلش عمري...

    عموما استاذ أنور لدي استفسار أخر وهو هل هناك منتدى أخر تكتب فيه حاليا بخﻻف المنتديات السابقه حتى أستطيع أن اتابعك. ...فإن وجد ياريت تخبرني عنه حتى اتابعك هناك واسجل فيه حتى استمتع بالنقاش والتحاور مع واﻷستزاده من علمك القيم....وفقك الله

    ردحذف
  9. ضع أستفساراتك أخي خالد في منتدى الساحات ، رابط سؤال وجواب في المنتدى البري وسأجيب عليها إن شاء الله .

    ردحذف
  10. برغم عيوب الدبابات الروسيه لكن هل من المعقول ان نحمل الدبابه فقط هذه الخساره تذكروا انه كان هناك سياده جويه كامله لدول التحالف فلو افترضنا ان السياده الجويه كانت للعراق فهل سنحمل الابرامز كثره الخساءر

    ردحذف
    الردود
    1. ما من شك أن الدبابة T-72 عرضت الكثير من العيوب التصميمية التي قلصت كثيراً من فرصها على البقاء في ساحة المعركة (في الأساس هي دبابة تجارية صممها السوفييت بغرض التصدير وإرضاء زبائنهم التقليديين) .. موضوع السيادة الجوية ليس هنا محله لأننا نتحدث عن نواقص تقنية وفنية في الدبابة ساهمت في سرعة إعطابها وهلاك أطقمها ، بمعنى لو إخترق مقذوف ما هيكل الأبرامز وأخترق نفس المقذوف هيكل T-72 لحصلنا على نتائج مختلفة ومتباينة !! طاقم الأبرامز وتجهيزاتها سيلحق بهم بعض الأضرار ، لكن طاقم T-72 سيسحق مع إنفجار البرج وطيرانه !! وهذا هو الفرق الذي نتحدث عنه عند المقارنة بين الدبابتين .

      حذف
  11. ي حرب 2003. سنوات من الحصار الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة قد أضعفت الجيش العراقي. سيطر العدو على الجو وهاجم الدبابات العراقية بضربات جوية. كانت مشكلة قبل فرق الأداء بين T-72M1 والعدو M1A1/2. على الرغم من العديد من القيود، قاتلت الوحدات المدرعة تي-72 التابعة للحرس الجمهوري بشكل بطولي. لقد قاتلنا المعتدي أمريكا. عاش حزب البعث العربي الاشتراكي العراق للرئيس صدام حسين!

    ردحذف