11‏/8‏/2012

القوة الجوية فوق ساحة المعركة .

القـــوة الجويـــة فـــوق ساحـــة المعركـــة ..
تجربة عاصفة الصحراء


عندما وصلت القاذفة B-52 إلى هدفها فوق العراق ، أسقط طاقمها ما بدا أنه قنبلة ضخمة زنتها 454 كلغم والتي يطلق عليها اسم CBU-105 . كانت هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا السلاح ، فبعد سقوط القنبلة بزمن محدد ، ينشطر جسمها ، لتظهر منه عشرة وحدات أصغر ، كل منها يهبط بموجب مظلة بيضاء صغيرة . وبينما هذه الوحدات تقترب من الأرض ، تنشطر هياكلها أيضاً ، ليظهر من كل واحدة أربعة ذخائر فرعية ذكية برؤوس مخترقة للدروع ، وبالنتيجة هنالك 40 انفجار انتشر على مساحة أكثر من 15 هكتار .. القنبلة العنقودية CBU-105 هي سلاح مطور خصيصاً لمهاجمة التشكيلات المدرعة في ساحة المعركة battlefield ، وذخيرته الصغيرة ، موجهة عن طريق باحث عامل بالأشعة تحت الحمراء IR ، يبحث من محركات الدبابات والآليات الأخرى ذات البقع الساخنة . وتحتوي كل واحدة من هذه الذخائر على زعانف توجيه صغيرة للتوجيه نحو أهدافها ، ومهاجمتها من الأعلى حيث أوهن التدريع .

عندما غزا العراق الكويت في 2 أغسطس من العام 1990 ، كان الجيش العراقي يمتلك أكبر قوة عسكرية مهيمنة في الخليج العربي ، وكان الجيش العراقي يومها الرابع على مستوى العالم من حيث حجمه وتسليحه . قواته النظامية تضاعفت من 180.000 رجل في بداية العام 1980 وقبل أن تبدأ الحرب العراقية الإيرانية ، وحتى 800.000 رجل في بداية العام 1990 . كان ذلك قبل أن يتخذ الرئيس العراقي الراحل قراره بغزو واحتلال دولة الكويت . كان للعراقيين القدرة على تعبئة نحو 2000.000 رجل مسلح ، أو ما يعادل 75% من الذكور الذين هم بعمر 18-34 سنة . الدبابات العراقية هي الأخرى تضاعف عددها من 2.700 وحتى 5.700 دبابة خلال السنوات من 1980-1990 . وإجمالي سلاح المدفعية ازداد خلال نفس الفترة من 2.300 وحتى 3.800 منصة مدفعية . لقد فرضت المعطيات الجديدة على مراكز القرار في قيادة القوة العسكرية الأمريكية ، دراسة قابليات المعركة الجوية/الأرضية Air Land Battle ، وإعادة التفكير في الدور الذي من الممكن أن توفره التكنولوجيا ، والأسلحة المشتركة ، والأسلحة الدقيقة .


لقد جمعت الحملة الجوية الإتلافية خلال حرب الخليج الأولى عدد 109.876 غارة خلال 43 يوم من العمليات الجوية ، وبمعدل 2.555 غارة في اليوم . أكثر من 27.000 غارة منها استهدفت منصات صواريخ Scud والمطارات ومنظومات الدفاع الجوي ومحطات الطاقة الكهربائية ومراكز الاتصال ومحطات تكرير النفط والكثير من المنشئات العسكرية الإنتاجية العراقية . وبلغ إجمالي ما تم إسقاطه من القنابل نحو 88.500 طن . إجمالي الحمولة المستهلكة من القوة الجوية خلال تلك الحرب يبلغ للمقارنة نحو 11% من تلك التي استهلكت فوق اليابان خلال الحرب العالمية الثانية (537.000 طن) ، وأقل من 4% من تلك المستهلكة فوق ألمانيا النازية (1.613,000 طن) ، وأقل من 1% من تلك الحمولة التي أسقطت في حرب جنوب شرق آسيا Southeast Asia . وتشير الدراسات الأمريكية التي أعدت بعد الحرب العالمية الثانية ، أنه كان يتطلب في الغالب تشغيل جناحين جويين كاملين يتكونان من عدد 108 قاذفة من طراز B-17 ، تطير في ستة تشكيلات قتالية يتكون كل منها من 18 طائرة ، مع طاقم من 1.080 طيار ومساعد ، وتسقط ما مجموعه 648 قنبلة (كل طائرة تحمل ستة قنابل ، زنة كل واحدة منها 1.100 رطل) لتحصيل وضمان تحقيق نسبة 96% من احتمالية إصابة قنبلتين فقط للهدف ، والذي هو عبارة عن محطة توليد كهرباء معادية power-generating plant (وهي الحد الأدنى الضروري من الذخيرة لتعطيل محطة تبلغ قياسات مساحتها 120×150 م) . في حين أحتاج الأمر خلال حرب الخليج لهجمة واحدة مع قنبلتين دقيقتي التوجيه لتحقيق نفس النتيجة .

لقد استطاعت الحملة الإستراتيجية الجوية strategic air campaign للمرة الأولى في التاريخ العسكري ، تجريد وتحريم الجانب العراقي من قدراته على النقل والإمداد لمسرح العمليات الكويتي . ففي بداية الحرب كان هناك عدد 54 طريق سكة حديد ، وطرق أخرى سريعة في نواحي متفرقة من العراق ، معظمها متصل بالجانب الجنوبي الشرقي لبغداد والبصرة ثم الكويت ، من هذه الطرق تم تدمير 41 طريق ، في حين تم تجاوز الطرق الأخرى لأسباب مختلفة . كما تم استهداف وتدمير 32 جسر عائم صنعها العراقيين للتعويض عن تلك الجسور التي دمرتها طائرات التحالف .


لقد عرضت عمليات عاصفة الصحراء Desert Storm في حرب الخليج الأولى 1991 ، ومحاولات العراقيين تحشيد قواتهم الأرضية ومواجهة قوات التحالف ، نتائج كارثية بعد تدخل سلاح الجو لقوات التحالف ، ومن أبرز هذه المواجهات ما تعرضت له القوات العراقية خلال معركة الخفجي السعودية Khafji ، وما تعرضت له قواتهم في شمال الكويت (أطلق عليه بعض المشاهدين مصطلح طريق الموت السريع highways of death) حيث عكست هذه العمليات خطورة تحشيد القوات في الهجوم أو الدفاع في مواضع مكشوفة ، واستطاعت العمليات الجوية التسبب في دمار شديد ومكلف للقوات المتحشدة . معركة الخفجي على سبيل المثال التي جرت في المرحلة من 29 يناير وحتى 1 أكتوبر من العام 1991 ، عرضت الاشتباك الأرضي الأهم خلال العمليات العسكرية والمناوشات مع القوات العراقية . بدأت الأحداث عندما حاولت الفرقة العسكرية الثالثة العراقية Iraqi 3d Division إغراء وجر القوات الأرضية الأمريكية لمعركة أرضية مبكرة باحتلال بلدة الخفجي السعودية . وعندما تطوير الهجوم ، قامت وحدات أخرى من فرقتين عسكريتين عراقيتين بالتحشد والبدء بالتحرك جنوباً لدعم وتعزيز الفرقة العراقية المعنية بالهجوم . اكتشفت طائرة JSTARS التحركات العراقية ، وأرشدت الطائرات الغربية لموقع الحشود العراقية . وقامت طائرات حربية من طراز F/A-18 تابعة للبحرية الأمريكية وطائرات F-15E وأربعة طائرات أخرى للدعم الجوي القريب من طراز A-10 بمهاجمة وبعثرة الحشود العراقية المتقدمة بشكل منتظم ، وعندما خطط العراقيين لتعزيز الهجوم ، تكبدوا المزيد من الخسائر لنحو 2000 إصابة في الأفراد ، ونحو 300 عربة مدرعة تم تدمير معظمها بفعل الضربات الجوية air attacks . نتائج هذا الهجوم الكارثي كانت هامة ، فالخسائر العراقية في المعدات خلال معركة الخفجي ، كانت تعادل نحو أربعة أضعاف تلك الخسائر التي تكبدوها خلال الحملة الجوية ، إذ فرض العمل الهجومي على العراقيين ضرورة تركيز وتعريض وحداتهم العسكرية المكشوفة لضربات القوات الجوية لطائرات التحالف ، حتى أن قائد عراقي تم أسره أخبر مستجوبيه "لقد تلقي لوائي ضربات وأضرار خلال نصف ساعة ، أكثر من تلك التي تلقاها خلال مجمل الثماني سنوات في الحرب السابقة مع إيران" .


لقد كان لمعركة الخفجي والضربات الجوية التي رافقتها ، العديد من النتائج على العمليات العراقية Iraqi operations اللاحقة في الحرب ، فلم يحاول الجيش العراقي مجدداً القيام بهجمات مكشوفة ، بالإضافة لحرصهم على بناء الخنادق والمواضع الدفاعية وحفر أكثر عمقاً لحماية وحداتهم المدرعة . التكتيكات العراقية الأخرى شملت مواكب عسكرية أصغر للحركة في المسرح الكويتي ، وتغيير مواضع القيادة العسكرية الميدانية بشكل مستمر ، وزيادة استخدام الفخاخ والخدائع في العديد من المناطق . لقد أظهرت معركة الخفجي وبما لا يدع معه مجال للشك أن حركة القوات الأرضية واسعة النطاق والحدود ، ستواجه عملياً بالتدمير المنظم من قبل سلاح الجو . وخلال جميع مراحل عمليات عاصفة الصحراء Desert Storm ، تمت مواجهة المحاولات العراقية للحركة الجماعية في أغلب الأحيان بالتدمير الشامل . وكانت البداية في 25 فبراير من العام 1991 عندما حطمت الطائرات ثابتة الجناح fixed-wing للتحالف أكثر من 1.000 هدف مدرع على مدى أربعة أيام على طريق الموت السريع في شمال دولة الكويت . وفي 26 فبراير لاحظ تشكيل من مروحيات الجيش الهجومية ، قوات وآليات عراقية تهرب للشمال ، فتم مواجهتها في اشتباكين منفصلين لأكثر من ساعة بقليل ، فجرى تدمير 33 دبابة ، وعدد 22 ناقلة جنود مدرعة ونحو 37 عربة مدرعة أخرى . وفي الحقيقة ، استطاعت القوة الجوية للتحالف تدمير معظم القوات العراقية الأرضية المتحصنة والمتخندقة ، وجعلت قدرات الجيش العراقي القتالية بشكل كبير غير مؤثرة أثناء مرحلة الحرب الأرضية . وطبقاً لتقديرات القيادة المركزية الأمريكية USCENTCOM التي نشرت آنذاك على عجالة ، فإن سلاح الجو الأمريكي استطاع تحطيم نحو 39% من سلاح الدبابات العراقي ، ونحو 32% من ناقلات الجنود المدرعة ، ونحو 47% من وحدات المدفعية العراقية خلال الحملة الجوية الإستراتيجية strategic air campaign (امتدت لستة أسابيع قبل أن تبدأ الحملة الأرضية) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق