13‏/6‏/2016

صراعات الشرق الأوسط ترجح من جديد كفة الصواريخ المضادة للدروع .

الجيـــل المتقـــدم منهـــا دخـــل بالفعـــل الخدمـــة
صراعـــات الشــرق الأوســـط ترجـــح مــن جديـــد كفـــة الصواريـــخ المضـــادة للــــدروع


مما لا شك فيه أن عمليات الحروب المعاصرة والحديثة قد توسعت ، وازدادت معها وتيرة استخدام المقذوفات الموجهة المضادة للدروع التي تطلق من الأرض والجو على حد سواء . إن هذا التوسع كان نتيجة حتمية للقفزة التقنية التي تحققت في مجال تصميم وتطوير الدوائر والرقائق الالكترونية الحديثة . وقد يتساءل البعض عن مدى الحاجة الحقيقية لهكذا منظومات دقيقة ومكلفة في آن واحد ، والجواب ببساطة أن الجيوش الحديثة والعصرية ، لم تعد تتحمل استهلاك كميات هائلة من ذخائر الأسلحة التقليدية لتدمير أهداف نقطوية معادية . كما إنها لا تستطيع توفير أعداد كبيرة من الطائرات والدبابات والمدافع وغيرها .. ولمشاغلة هدف ما ، يستطيع المقذوف الموجه مهاجمته وتدميره بدقة أكبر وبدرجة مخاطرة أقل نسبياً . وليس أكثر من دليل على صحة ذلك القول من تصوير الحالة السائدة خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عندما كان الأمر يتطلب لتدمير دبابة واحدة فقط ، قيام الطائرات بطلعات متعددة وإلقاء حوالي 800 قنبلة لإصابتها ، في حين يمكن في زمننا الحالي تدمير نفس الهدف بواسطة صاروخ واحد موجه نوع Maverick 


لقد انصب التغيير في أنظمة الجيل الجديد بالدرجة الأولى على تقنيات البواحث واللواقط seekers ، حيث أحدثت الالكترونيات الدقيقة microelectronics والرقائق الإلكترونية electronics chip ثورة في تصميم واستخدام نظم توجيه الأسلحة ، وأضافت هذه بعداً جديداً لسيناريو معركة الصواريخ والذخيرة المضادة للدبابات ، وفرض التقدم التقني قابليات تشغيلية مميزه لمنظومات هذا الجيل ، كفلت لها تحقيق نتائج أكثر قيمه مما حققته سابقاتها ، وأصبح بإمكان معظمها العمل في مختلف الظروف الجوية الصعبة ، في الوقت الذي كان فيه استخدامها في مثل هذه الظروف معقداً إن لم يكن ضرباً من المستحيل . 

لقد أدى التقدم السريع ونمو التقنيات فيما يتعلق بمنظومات الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات خلال العقود الأربعة الماضية ، إلى تغيير شامل في سيناريو الحرب ضد الدبابات antitank warfare ، وانتشرت مفاهيم أكثر وضوحاً وعمقا حول أهمية استخدام هذه الأسلحة التكتيكية ، وساهمت عدة عوامل حقيقتاً في إحداث هذه التغييرات ، أهمها المراقبة المستمرة والمتزايد increasing surveillance وقدرات اكتساب الأهداف وتمييزها وتعريفها ، وذلك باستخدام المجسات الكهروبصرية . لقد ضاعفت هذه القدرات من قابليات التصويب والاشتباك الناجحة في الليل والنهار وفي معظم الظروف المناخية لساحة المعركة . أضف لذلك تحسن قابليات الاستطلاع والمراقبة عبر الأقمار الصناعية ، بحيث أصبح بالإمكان رصد حركة التشكيلات المدرعة بسهولة نسبية عما سبق . أمر آخر أرتبط بالتقدم في علوم الالكترونيات الدقيقة microelectronics والذي سمح بأنماط بحث وتوجيه مصغرة ، بالإضافة إلى تنامي استخدام معالج الإشارات/الصور الفورية ، وكذلك أنظمة الطيران الرقمية الآلية والمجسات اللاقطة . جميع هذه التجهيزات وغيرها سكنت في فضاء صارم ومقيد stringent space دون إرباك قيود الوزن والحجم لمنظومة الصاروخ ، بهدف جعل هذا الأخير أكثر قابلية للحمل والنقل .. وفي حين كانت قذائف الجيل الأول والجيل الثاني تتحصل على الحد الأدنى نموذجياً في داخلها من الإلكترونيات لترجمة وتفسير الأوامر المستلمة من خلال سلك التوجيه والتي ترسل بعد ذلك إلى المشغلات الميكانيكية actuators ، فإن منظومات الجيل الجديد في معظمها تعمل بنمط مستقل ، لاشتمالها على معالج دقيق للتوجيه وكمبيوتر للسيطرة ، يؤديان جميع وظائف التحكم أثناء طيران الصاروخ ، باستثناء عملية الاكتساب الأولي للهدف initial acquisition الذي يؤديه المشغل ويسلمه آلياً لباحث الصاروخ .




الحاجة لتقليل زمن تعرض وانكشاف exposure time منصات إطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للدروع أو زمن التواجد في منطقة الهدف العدائية ، أدت بلا شك لظهور منظومات بقابلية "أطلق وأنسى" fire and forget ، مما ساهم بشكل أكبر في تعزيز حماية أطقم التشغيل . كما سجلت خطوات جدية وملموسة في مجال مواجهة الإجراءات المضادة الكهروِبصرية electro-optical countermeasure وقابليات الإعاقة والتشويش ، وباتت الصواريخ المضادة للدروع أكثر تحصيناً ومقاومة لأنماط هذه الوسائل .. ويرى بعض الباحثين أن أحد أهم التحديات للمجسات وأنظمة البحث الحديثة تكمن في مدى التغطية العملياتي ، والذي يأتي على الأرجح نتيجة التقييدات المناخية والامتصاص الجوي للإشارات atmospheric absorption ، مما يحتم الإمعان المسبق في اختيار أحزمة ترددات البواحث ، خصوصاً عند الحديث عن الأنواع الكهروبصرية منها electro-optical . لقد وجد الباحثين أن تصميم الباحث لابد أن يتضمن بعض المساومة والحلول الوسطية بين عدة عوامل متعارضة ، والمهم في النهاية هو تكييف المنتج لإنجاز ما يطلب منه من مهام . 

وفي الوقت الذي قللت فيه مقذوفات الجيل الثالث الموجهة المضادة للدروع من خطر النيران المعادية والمضادة على مشغليها ، إلا أنها في المقابل تعاني من معضلة الكلفة Cost-effectiveness مما يجعلها خياراً صعباً للكثيرين . ولصياغة ذلك بصورة مبسطة ، نقول إن المرء يأمل بكسب المعركة ، ولكن في نفس الوقت يجب أن يكون قادراً على تغطية نفقات ذلك المكسب . فمع ذات التقدم والتطور التقني ، فإن القابليات التشغيلية لأنظمة هذه الصواريخ ومنصات إطلاقها ، خصوصاً تلك المرتبطة والمثبتة على العربات المدرعة والمروحيات ، زادا إلى حد كبير ، وبالتالي ارتفعت أيضاً كلف نفقاتهم بشكل متزامن gone up costs . إن القيمة النسبية لمنصة إطلاق صاروخ مضاد للدروع من الجيل الحالي ، تبلغ نموذجياً أكثر من 30 ضعف قيمة الصاروخ ذاته . لذلك ، الكلفة العالية لمنصات الإطلاق firing platform بالإضافة للأطقم المدربة والقذائف المحمولة ، أوجدت الحاجة لضمان أن تكون مستويات الاستنزاف والاستهلاك attrition levels لمثل هذه المنصات مقبولة ورخيصة إلى القوات المستخدمة . لقد تطلب الأمر تحديد واختصار زمن تعرض وانكشاف منصة الإطلاق وكذلك طاقم التشغيل إلى الفترة الزمنية الضرورية الدنيا ، فقط لتسهيل اكتساب الهدف وإطلاق القذيفة عليه . هذا ما دعا الكثير من الشركات المتخصصة لاستئناف تطوير منظومات جديدة ذات قابليات متعددة للتوجيه الجزئي أو الكلي ، التي منحت في وقتنا الحاضر للعديد من منظومات الصواريخ الموجهة المضادة للدروع . 



المنظرون الميدانيون الروس يحملون رؤاهم وتعليقاتهم الخاصة بشأن الاستعانة بالمقذوفات ذاتية التوجيه autonomous homing ، فهم يعتقدون أن الغرب يستعجل عرض فوائد ومزايا advantages منظوماتهم العاملة وفق هذا النمط من التوجيه . وهم يرون أن هذه الصواريخ التي يعمل جلها وفق آلية البحث بالأشعة تحت الحمراء IR seeker واكتساب الصورة الحرارية الصادرة عن الهدف ، رغم ميزاتها العديدة ، إلا أنها محكومة بنواحي تقنية تحد وتقيد من قيمتها الحقيقية . منها أن أداء الباحث من ناحية قابلية اكتساب الهدف target acquisition لا تتجاوز حتى الآن مسافة 2.5 كيلومتر ، مما يفرض تقييدات وعقبات على مدى إطلاق النار . الأمر الآخر يتعلق بمدى موثوقية واعتمادية الباحث السلبي ، فهذا يتطلب في عمله تحقيق مقارنة وتباين أعلى لصورة الهدف وتحليل بصري optical resolution بالمقارنة لتلك المطلوبة لأنظمة التشغيل التوجيهي التقليدية . هناك أيضاً احتمال عالي لفشل وإخفاق عملية التوجيه ، بسبب إما حالة التشويش المحيطة أو في الاكتساب الطبيعي للهدف من قبل باحث الصاروخ . إن الضرر والعائق الرئيس لتبني الصواريخ الموجهة بواسطة باحثها الخاص كما يراه الروس يكمن في كلفتهم العالية ، التي تبلغ نحو ثلاثة أضعاف تلك الخاصة بأنظمة التوجيه نصف الآلية semiautomatic guidance . لذلك ، الكثير من الجيوش لا تستطيع تحمل شراء مثل هذه الأنظمة بالأعداد المطلوبة ، حيث يفضل الكثير منهم اقتناء أعداد محدودة وبالتمازج مع منظومات الجيل السابق الصاروخية الموجه المضادة للدبابات .


هناك 16 تعليقًا:

  1. السلام عليكم استاذ انور تحية طيبة وبعد
    سبق ان شرحت في مدونتك الكريمة عن الصاروخ الروسي kornet EM والذي يتمتع بخاصية اطلق وانسى عبر استخدامه لتقنية الاستحواذ الالي للهدف target acquisition سؤالي استاذنا الكريم، هل المدى الاقصى للكورنيت المذكور هو 8 كلم للصاروخ المضاد للدروع اثناء استخدامه لتقنية الاستحواذ الالي؟ كونك ذكرت ان المدى الفعال لهذه التقنية هو 2،5 كلم، ام ان مداه هو 8 كلم بتقنية SACLOS التحكم النصف الي لخط النظر و 2،5 كلم بتقنية اطلق وانسى؟ ام ماذا، وشكرا لسعة صدركم

    ردحذف
    الردود
    1. جزئية ال 2.5 كلم أخي الكريم تخص البواحث العاملة بتقنية االكشف الصوري تحت الأحمر وليس الكورنيت الموجهه ليزرياً .. عموما الرقم 2.5 كلم زاد الآن مع التقدم التقني وأبلغ نحو 4-5 كلم في بعض الأنظمة الحديثة .

      حذف
  2. سؤال اخر استاذ انور، بالطبع شاهدت الخوذة الصهيونية لكل من الامر والسائق، اقصد نظام iron vision من شركة elbit ما هو تعليقك على هذه الخوذة الشبيهة بخوذ الطيارين على طائرات الجيل الرابع؟ وهل تعتقد ان الفكرة ناضجة؟ مع الاسف ان اغلب دبابات العالم العربي لم تدخل حتى منظار الامر البانورامي واقصد مصر والمغرب والعراق والدول العربية الاخرى التي تتلقى تسليحها من روسيا

    ردحذف
    الردود
    1. ترف لا لزوم له هذا ما أراه !! هذه التجهيزات رقم أنها تضاعف من فرص كسب الهدف وبالتالي التسديد عليه ، إلا أن عامل الكلفة يحول دون إمكانية إقتنائها بالأعداد المناسبة ، ناهيك عن حساسيتها الإستثنائية للظروف البيئية التي تميز أجواء الشرق الأوسط .

      حذف
  3. أخ انور..عندي سؤال بسيط ...
    الان..أنظمة الصورايخ المضادة للدروع بتقنية البحث بالأشعة تحت الحمراء، هل يمكن أستخدامها ضد الدشم والتحصينات العسكرية؟؟؟
    وإلا فقط ضد الدبابات والمدرعات والمركبات العسكرية؟؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. نعم أخي الكريم ، هذه الأنظمة تمتلك القدرة على مهاجمة المخابيء والدشم bunkers بالإضافة للأهداف المدرعة .

      حذف
  4. السبايك الإسرائيلي Spike NLOS يصل مداه 25 كم و هو صاروخ ذو توجيه سلبي.
    ما تعليقكم استاذ أنور؟

    ردحذف
    الردود
    1. خطأ شائع يقع فيه الكثير من الأخوة !! والصحيح أن السبايك في نسخته مطولة المدى Spike NLOS أو التسمية "تموز" يمتلك نمطي توجيه ، الأول إلى خط البصر ويستعين بكاميرة تصوير حرارية ، ونمط غير مباشر للأهداف خارج خط البصر Non Line of Sight ويستخدم معه كيبل ألياف بصرية مع عدسة أمامية للتصويب .

      Spike-NLOS version very long range of around 25 km , infrared-guided or fiber optic TV.

      حذف
  5. يعني الكيبل يكون موصول بالصاروخ أم ماذا؟ معذرة لم أفهم هذه النقطة.

    ردحذف
    الردود
    1. نعم بالتأكيد عند مشاغلة أهداف خارج خط البصر .. الليفة الضوئية أو البصرية Optical fiber في أبسط وصف لها أخي الكريم ، سلك من الزجاج أو البلاستيك ، يقوم بنقل حزم من الأشعة الضوئية من أحد طرفيه إلى الطرف الآخر ، باستخدام نظرية انتشار وانعكاس الضوء الداخلي internal reflection في الوسط الزجاجي . وتصنع الليفة البصرية من خيط زجاجي يشبه الحبل المجدول ، ويتم إنتاجها بأقطار تتراوح بين عشرة أجزاء من المليون من المتر ، وحتى 150 جزء من المليون من المتر ، وتسحب هذه الألياف من الزجاج بعد تسخينه إلى درجة الانصهار ، ويلزم أن يكون الزجاج على درجة عالية جداً من النقاء ، حتى يمكن أن يعطي قناة مناسبة لمرور الضوء ، ويكسى الزجاج بعد ذلك بعدة طبقات من مواد تعمل كغلاف للألياف وتقويتها ، كما تمنع تلك المواد هروب وتسرب الضوء من الليفة وتمنع الضوء الخارجي من الدخول إليها . عمل النظام من الناحية الفنية مرتبط بتركيب كاميرا فيديو في مقدمة الصاروخ ، لمشاهدة الهدف ونقل صوره image transmission لقاعدة الإطلاق ، التي تحتوي علي شاشة عرض ، بالإضافة إلى وحدة سيطرة لتصحيح مسار الصاروخ وتوجيهه نحو الهدف . ويتم نقل المعلومات المتضمنة أوامر التوجيه إلى الصاروخ بالإضافة إلى الصورة الميدانية من الكاميرا المثبتة في مقدمة الصاروخ إلى قاعدة الإطلاق ، عن طريق سلك مصنوع من الألياف البصرية .

      حذف
    2. بالطبع آلية العمل هنا مماثلة تماماً للصاروخ الأمريكي MGM-157 EFOGM .. إذ أمتلك الصاروخ EFOGM قدرة الهجوم على أهداف ليست على خط البصر non-line of sight ، حيث جرى تزويد مقدمته بكاميرا تلفزيونية ، تقوم بنقل صورة الهدف عن طريق الألياف البصرية fiber-optic cable إلي مركز الإطلاق والمشغل ، الذي يقوم بدوره بإجراء عمليات التصحيح وإرسال الأوامر التوجيهية guidance commands حتى إصابة الهدف . فبعد استملاك الهدف واكتسابه من قبل الرامي ، يعمل النظام على تعقبه آلياً automatic tracker والإقفال على صورة الهدف حتى الاصطدام به (يطير الصاروخ على ارتفاع 300 م عن سطح الأرض) وتنقل المعلومات للأرض إلى وحدة الحاسوب التي بدورها ترسل أوامر توجيهية للصاروخ بواسطة سلك الألياف البصرية (يستطيع الرامي تعقب الصاروخ يدوياً أيضاً manual tracking عند الضرورة) ومهاجمة الهدف من الأعلى حيث المناطق الأكثر ضعفاً .

      حذف
    3. شكرا على الشرح المستفيض أخي الكريم أنور، كفيت و وفيت.

      حذف
  6. هل دبابات T 90ms المباعة للجزائر تصنيع بنسبة معينة ام تجميع فقط....ارجو الرد

    ردحذف
  7. 1 أذا أمكن أستاذ لو تنزل موضوع عن عائلة السبايك الصهيونية ..
    2 شرح لألية عمل البواحث العاملة على الجافلين والسبايك وما الاختلاف من حيث الية التقاط صورة الهدف وانماط التوجيه وطرق مشاغلة الهدف سواء الهدف على خط البصر أوأهداف ليست على خط البص ..
    3 هل هناك توجه فى الصناعات الروسية بأتباع مثل هذه البواحث ؟؟ وأنماط هذه البواحث هل تعد من الجيل الرابع أم الثالث ؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. راجع هذا الرابط أخي ..

      http://anwaralsharrad-mbt.blogspot.com/2016/06/blog-post_13.html

      حذف