12‏/6‏/2016

نيران مدافع القوس والقذائف شديدة الإنفجار .

قــادرة نظريــاً علــى تحطيــم أشــد الأهــداف قســاوة
نيـــــــــران مدافـــــــــع القـــــــــوس والقذائـــــــــف شديــــــــــدة الإنفجـــــــــار 


مدافع القوس howitzers هي أسلحة رماية قادرة على توجيه نيرانها في الزوايا والمسارات المتوسطة والمرتفعة ، وأعلى مما تتحصل عليه المدافع الأخرى . لذا هم مستخدمون في أغلب الأحيان لإطلاق النيران غير المباشرة ، وهذا ما يجعلهم أكثر فائدة في التضاريس ذات المرتفعات والمشجرة .. أثناء العمليات العسكرية ، دور مدفعية الميدان يتركز على توفير الدعم الناري القريب للأسلحة الأخرى أو مهاجمة الأهداف الأخرى الثابتة . إن الدور الأخير منجز نموذجياً بتسديد رشقات من الذخيرة شديدة الانفجار ، إما بقصد إيقاع الإصابات والخسائر البشرية في قوات العدو ، أو تحطيم مواضع استحكاماته وتجهيزاته وعرباته بتأثير أجزاء وشظايا غلاف القذيفة casing fragments والعصف الناتج .. عوائق أخرى حول كيفية استخدام السلاح في الحرب المتنقلة استوجبت تطوير طرق جديدة لنقل المدفعية إلى ساحة المعركة . وظهر شكلان مميزان نتيجة أعمال التطوير ، أولهما المدافع المقطورة/المسحوبة towed guns التي كانت مستعملة أساساً لمهام الهجوم أو الدفاع في الخطوط المعدة والمحضرة سلفاً ، وثانيهما المدافع ذاتية الحركة self-propelled guns التي صممت لمرافقة القوات المتحركة وتوفير نيران دعم مستمرة . النوع الأول أو المدفعية المسحوبة لها وسيلة نقل رئيسة ، عادة سيارة جيب أو شاحنة لتحريك ونقل القطعة وطاقمها بالإضافة لذخيرة السلاح . أما المدافع ذاتية الحركة Self-propelled فهذه تصعد بشكل دائم على عربة مجنزرة أو مدولبة مع مقصورة مصفحة تأوي الطاقم والذخيرة . هكذا هي قادرة على التحرك بسرعة من موقع إطلاق النار إلى موضع آخر ، وبالتالي تفادي نيران البطاريات المضادة .. عموماً ، العديد من الدول شرق أوسطية والبلدان الأفريقية ، بل وحتى بعض الأمم الشرقية التي كانت تتبع فيما مضى الاتحاد السوفييتي في فكرها وتسليحها ، لا تزال تفضل وضع منظومات مدافعها (خصوصاً من النوع المجرور) في مخابئ وحفر معدة مسبقاً ، بدلاً من اعتماد تكتيك "أضرب وانطلق" shoot and scoot كما تفضل الكثير من الدول الغربية مع مدافعها ذاتية الحركة من أجل تحسين وتعزيز قابلية البقاء .



بشكل عام ، منظومات مدفعية الميدان الحديثة تتكون من ثلاثة أقسام رئيسة مميزة هي : المراقب الأمامي FO ، مركز توجيه النيران FDC والمدافع ذاتها . المراقب الأمامي يتابع ويتثبت ويميز الأهداف من خلال أدواته الخاصة ، مثل مناظير الميدان أو محددات المدى الليزرية أو معينات الهدف ، ويستدعي بعد ذلك مهام الدعم الناري على جهاز الراديو الخاص به ، أو ينقل البيانات من خلال حاسوب نقال portable computer عن طريق اتصال راديوي رقمي مشفر ومحمي من التشويش باستخدام القفز الترددي الإلكتروني frequency hopping (تقنية في نظم الاتصالات اللاسلكية للحد من تأثير التداخل بين المستخدمين تقوم على إرسال إشارات راديوية من خلال قنوات تردد متعددة مع الاستعانة بسلسلة متعاقبة من الأرقام العشوائية المعروفة لكل من المرسلة والمستقبلة) . أما بالنسبة لمركز توجيه نيران البطارية FDC ، فدوره يتركز على حساب وإحصاء بيانات الذخيرة المقرر استخدامها ، شحنات الدافع ، إعدادات صمامات التفجير ، الاتجاه إلى الهدف ، وزاوية الارتفاع quadrant elevation التي سيطلق عندها النار للوصول إلى الهدف ، وعدد القذائف التي ستطلق على الهدف من كل مدفع عند تحديد موقع هذا الأخير بدقة إلى المدافع . 



مقذوفات المدفعية تحتاج لشحنات دافعة لتسييرها وإطلاقها باتجاه الهدف . ويمكن تعريف الدافع propellant على أنه مادة كيميائية تستخدم لتوليد وإنتاج غاز ضاغط الذي يستخدم بعد ذلك لتحريك ودفع المقذوف أو أي جسم آخر . شحنات الدافع لقذائف المدفعية يمكن أن تجهز وتوفر بإحدى الطريقتين : فهي إما أن تكون على هيئة أكياس خراطيش cartridge bags ، أو أن تكون معبأة في حاويات معدنية cartridge cases . تستخدم المدافع حاويات الخراطيش المعدنية التي تتضمن المقذوف ومسحوق الدافع ، وبشكل مماثل لترتيب خراطيش البنادق الحديثة . أما بالنسبة لشحنات الدافع المكيسة bagged charges ، فإنها تسمح بزيادة أو تخفيض كمية المسحوق وذلك اعتماداً على المسافة المطلوبة إلى الهدف . هي أيضا تسهل وتيسر أمر التعامل والتداول لقذائف المدفعية الأكبر حجماً والأثقل وزنا ، إلا أنها في المقابل نتطلب نوعاً مختلف تماماً من آلية العقب breech (مؤخرة المدفع حيث تدخل القذيفة) مقارنة بالنوع الأول . في ذخيرة المدفعية الغربية ، شحنة الدافع تسلم عموماً بسبعة حشوات إضافية موصولة ببعض بواسطة حبل رقيق من الأكريليك ، ومرقمة من واحد إلى سبعة . كل حشوة إضافية تكون بحجم مختلف ، وذلك لأن كل منها يحمل حجم أو مقدار مختلف مسبق التعيير من مسحوق الدافع .



تشكل القذائف التقليدية شديدة الانفجار High explosive أبرز أنواع الذخائر المستخدمة في تسليح بطاريات مدفعية الميدان وأكثرها شيوعاً . إذ توصف هذه المقذوفات ذات الطاقة الكيميائية بأنها رخيصة وسهلة التصنيع وقاسية بما فيه الكفاية لكي تطلق بالسرعات العالية جداً . هي في بنائها العام بسيطة التركيب ، حيث يشتمل جسم القذيفة الانسيابي بشكل عام على حاوية فولاذية قوية محشوة بمادة متفجرة زائداً صمام التفجير . الصمام حسب ما هو مخطط له يعمل على تفجير الشحنة الناسفة الرئيسة bursting charge التي بدورها تحطم الحاوية الفولاذية وتبعثر جدارها على هيئة أجزاء وشظايا حادة وساخنة مندفعة في سرعات مرتفعة جداً . أغلب الضرر الموجه إلى الأهداف السهلة والناعمة مثل الأفراد غير المحميين سيكون سببه شظايا القذيفة بدلاً من تأثير موجة عصف الانفجار . وتواجه ذخائر المدفعية شديدة الانفجار في الغالب عملية خلط وسوء فهم عند تناول نوعين من التعابير ، هما (1) shrapnel (2) Fragmentation . المصطلح الأخير يستخدم في أغلب الأحيان بشكل خاطئ للإشارة إلى الشظايا الناتجة عن أي سلاح متفجر . والصحيح أن تعبير shrapnel يستعمل لوصف قطع كروية الشكل من الفولاذ أو الرصاص بداخل حاوية القذيفة ، جاهزة للقذف والبعثرة عند انفجار شحنة التفجير صغيرة الحجم المثبتة عند قاعدة القذيفة . هذا النوع من الذخائر يعمل بطريقة مختلفة ومغايرة للنوع الآخر شديد الانفجار ، فغلاف حاوية القذيفة لا يتشظى أو يتجزأ مثل حاوية القذيفة شديدة الانفجار ، بل تقذف الكرات المعدنية من تجويف الحاوية وفق آلية خاصة . عموماً هذا النوع من الذخائر لم يعد مستخدماً منذ زمن بعيد . المصطلح الآخر الخاص بالقذائف شديدة الانفجار يتحدث ويصف عملية تجزؤ حاوية القذيفة وتحولها إلى شظايا متفاوتة الحجم والسرعة نتيجة انفجار شحنة التفجير الداخلية . 



واعتماداً على نوع الصمام المستعمل في القذيفة شديدة الانفجار ، فإنه يمكن تحديد هذا النوع من الصمامات لكي يكون إما من النوع التصادمي (الصمام الطرقي percussion fuse) الذي يفجر القذيفة عند الارتطام بالأرض ، أو من النوع الذي ينفجر في الهواء (صمام توقيت أو تقاربي time/proximity fuse) ، أو بعد اختراق مسافة قصيرة في الأرض (طرقي أو تأخيري percussion/delay fuse) والذي يقصد منه إما إرسال صدمة وهزة أرضية قوية إلى المواقع المغطاة ، أو لتخفيض انتشار الشظايا . آلية الصمام تحتوي عادة على وسيلة أمان واحدة أو أكثر لمنع التحفيز والانفجار غير المقصود أو المبكر للشحنة الرئيسة . وعند اشعالها شحنة المتفجرات في تجويف القذيفة ، فإن نواتج الانفجار بداية تكون على هيئة مقدار كبير من الحرارة والغاز الساخن ، تكون محررة أولياً ضمن غلاف وحاوية القذيفة . لكن مع تزايد الحرارة والنواتج الغازية gaseous products سيرتفع الضغط لدرجة لا يستطيع الغلاف احتوائها أو تحملها . عند هذه النقطة ، الغلاف سينفجر والغازات ستتوسع وتمدد بسرعة . الغلاف سيتفرع إلى قطع وأجزاء مختلفة ، التي ستدفع خارجياً بسرعات عظيمة . الغازات سريعة التوسع ستضغط الهواء المحيط وتخلق موجات تصادمية التي ستتكاثر وتتضاعف إلى الخارج في سرعة قريبة من سرعة الصوت في الهواء (340 م/ث) . 


المتفجرات المستخدمة في هذا النوع من الذخائر متنوعة ومختلفة ، وهي في وصفها العام عبارة عن مركبات كيميائية chemical compounds متقلبة وغير مستقرة ، يمكن أن تتضمن مزيج من خلائط مركبات أخرى غير مستقرة . بعضها معد ومجهز بأربطة خامدة وخاملة inert binders وذلك بهدف انجاز اختلافات في ملكيات وخواص التفجير . في الحقيقة انفجار مادة شديدة الانفجار يمكن أن يميز ويصور من قبل موجات الانفجار detonation wave التي تتحرك وتنتقل بسرعة مرتفعة جداً . فموجات الانفجار هذه عبارة عن موجات صدمية قوية جداً بضغوط مرتفعة لأكثر من 385 كيلو بار ، وذلك اعتماداً على نوع المادة المتفجرة المستخدمة وكميتها . هذه الموجات الضاغطة تتحرك خلال المادة (الوسط الذي ستتحرك خلاله هذه الموجات قد يكون غازي أو سائل أو صلب) في سرعات أعظم بكثير من سرعة انتقال موجات الصوت العادية خلال المادة نفسها . وخلال انتقالها السريع ، تتسبب هذه الموجات بشكل مفاجئ في احداث اضطرابات قوية strong disturbances ، ويمكن ملاحظة هذه التغيرات من خلال زيادة حادة في الضغط والكثافة ودرجة الحرارة . هي أيضاً تعمل على نقل وتحويل كمية كبيرة من الطاقة إلى أي شيء في طريقها ، مما يؤدي إلى ألحاق أضرار متفاوتة الدرجات في منطقة التفجير .


هناك 5 تعليقات:

  1. ما الفرق بين عقب المدافع المطلقة لخراطيش معدنية و المطلقة لخراطيش مكيسة ..؟

    ردحذف
    الردود
    1. نعم أخي الكريم صحيح .. شحنات الدافع لقذائف المدفعية يمكن أن تجهز وتوفر بإحدى الطريقتين : فهي إما أن تكون على هيئة أكياس خراطيش cartridge bags ، أو أن تكون معبأة في حاويات معدنية cartridge cases . تستخدم المدافع حاويات الخراطيش المعدنية التي تتضمن المقذوف ومسحوق الدافع بشكل مماثل لترتيب خراطيش البنادق الحديثة . هذا الاختيار يبسط آلية التحميل والتلقيم وهو أيضاً مفيد لتحقيق معدل نيران مرتفع . أما بالنسبة لشحنات الدافع المكيسة bagged charges ، فإنها تسمح بزيادة أو تخفيض كمية المسحوق وذلك اعتماداً على المسافة المطلوبة إلى الهدف . هي أيضا تسهل وتيسر أمر التعامل والتداول لقذائف المدفعية الأكبر حجماً والأثقل وزنا ، إلا أنها في المقابل نتطلب نوعاً مختلف تماماً من آلية العقب breech مقارنة بالنوع الأول .. حاويات القذائف المعدنية تحمل بادئ إشعال primer مدمج في قاعدتها لاستهلال وقدح الدافع ، وهي عموماً تزود غلقاً محكماً لمنع تسرب الغازات لخارج العقب ، وهو ما يدعى اصطلاحاً بالسد أو المنع obturation (حاوية الخرطوشة النحاسية ذات الجدار الرقيق نسبياً تتمدد سريعاً في حجرة الاحتراق لتشكل مانعاً لتسرب غازات الدافع لحظة الإطلاق) . وفي حال استخدام الشحنات المكيسة ، فإن العقب نفسه يوفر الغلق المحكم بالإضافة لإمساكه ببادئ الإشعال . وأي كان نوع الحاوية ، بادئ الإشعال عادة ما يكون من النوع الطرقي percussion ، وإن كان النوع الكهربائي مستعمل أيضاً ، بالإضافة لظهور تقنية إيقاد أحدث تستعين بشعاع الليزر laser ignition . المدافع الحديثة من عيار 155 ملم لها مخزن بادئات إشعال جرى ملاءمته إلى العقب (على سبيل المثال في المدفع البريطاني ذاتي الدفع AS-90 تم استخدام كتلة عقب جديدة سمحت بوجود عدد 18 بادئ إشعال) .

      حذف
    2. توضيح أخير .. في ذخيرة الحاويات المعدنية ، المشعل عنصر مكمل ومتمم لأداة بادئ الإشعال ، حيث يتضمن أنبوب متعدد الثقوب ، مليء بالمسحوق الأسود ومثبت بشكل دائم في حاوية الخرطوشة . أما في شحنات الدافع المكيسة ، فإن المشعل يكون في كيس مسطح دائري أحمر اللون ، مخيط إلى الزيادة الإضافية لقاعدة شحنة الدافع . وعند إشعاله من قبل بادئ الإشعال ، يرسل المشعل غازات ساخنة ملتهبة flaming gases حول الشحنة لإيقاد وإشعال مسحوق الدافع .

      حذف
  2. أخ انور..
    هل صحيح أن مدفع كروسيدر (XM2001 Crusader) استطاع أن يصل لمدى يفوق 100 كلم ؟؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. لا تستطيع أي قذيفة مدفع إنجاز هذا المدى إلا من خلال محرك مساعد !! مفهوم "القذيفة المعززة بمحرك صاروخي" Rocket Assisted Projectile يتحدث أخي الكريم عن دمج محرك صاروخي صغير يكون جزء من قاعدة المقذوف ، لتوفير دفع إضافي ومستقل . هذه الوسيلة تمنح المقذوف كلاً من السرعة الأعظم والمدى الأكبر مقارنة بالمقذوف التقليدي الذي يدفع فقط بواسطة القوة البالستية ballistic force .. مثل هذه المحركات الصاروخية تثبت عادة بشكل متشنج أو صارم إلى هيكل المقذوف ، والغاز المتطور والناشئ عن شحنة الدافع الموقدة في مؤخرة المقذوف يوفر كفاءة دفع متزايدة ومتصاعدة . إيقاد محرك الصاروخ يمكن أن ينجز ويتمم بعد ترك سبطانة المدفع من قبل نظام إيقاد مناسب التصميم ignition system متضمن في حاوية أو غلاف خاص ، أو أن عملية الإيقاد يمكن أن تنجز وتحقق بواسطة الغازات عالية السخونة الصادرة عن شحنة الاطلاق في سبطانة المدفع .

      حذف