24‏/11‏/2012

الدخان وزيادة فرص النجاة .


الدخـــــــــــان وزيـــــــــــادة فـــــــــــرص النجــــــــــــاة


إن الطرق والأساليب التقليدية لمقابلة التهديد الموجه للعربات المدرعة وطواقمها ، قد تتضمن تحسين وتطوير بناء العربة المدرعة والحفاظ على سلامة الطاقم ، وذلك باتخاذ أساليب تقليدية ، مثل التدريع أفضل والسرعة الأكثر والمرتسم الأكثر انخفاضاً ، ناهيك عن نظام سيطرة محسن للعربة نفسها ، إلا أنه هناك بالتأكيد وسائل أخرى لتدعيم عنصر الحماية ، من هذه الوسائل ، تبرز أنظمة قذف قنابل الدخان smoke grenade launchers الحديثة ، التي تقدم أساليب إضافية لزيادة إمكانية النجاة للعربة ، حيث أن انتشار الدخان بصورة جيدة ، يقلل احتمالات إصابة العربة في الأماكن الضعيفة منها ، وذلك عن طريق إخفاء حركة هذه الأهداف hide movement عن رصد ونظر العدو . ولأجل أن تكون سحابة الدخان مؤثرة وفاعلة ، فإنه يقتضي أن تكون منظومة توليدها على درجة عالية من الكفاءة ، وموضوعة بصورة جيدة وذات انتشار سريع ، بحيث تعمل على إغراق المنطقة المحيطة surrounding area بالدخان ، حتى في ظل وجود رياح خفيفة . ويعبر الخبراء العسكريون الروس عن فائدة وقيمة الدخان بهذا التعليق "الآن عندما يكون تأثير جميع الأسلحة ينمو باضطراد ، فإن إنشاء سحابات حاجبة conceal بواسطة الدخان يلعب دوراً أكثر بروزاً وأهمية في حماية القوات المدرعة المتحركة في جبهات القتال ، وإنها - أي سحابات الدخان smoke screens- تجعل الرصد والنار المصوبة والسيطرة على الوحدات التعبوية صعبة ، وتجعل من غير الممكن الاستفادة من الأشعة تحت الحمراء ، التلفزيون ، الليزر وغير ذلك من المعدات البصرية بالشكل المطلوب" . وفي الحقيقة فإن الروس يعتبرون أيضاً أن استخدام الدخان لإعماء المواضع الدفاعية defense positions ، سوف يقلل من كفاءة أسلحة المدافعين بما يقارب عشرة أضعاف . وقد أظهرت لعب الحرب التي جرت بواسطة الكمبيوتر ، هي الأخرى أن خسائر القوات الصديقة يمكن إنقاصها وتقليلها بنسبة 25% ، عند استعمال الدخان ، ويمكنها أيضاً أن تبطئ من معدل سرعة تقدم العدو بحوالي 50% .


ومع أن الدخان استخدم منذ أزمنة قديمة ، إلا أنه لم يستخدم بصورة نظامية إلا في الحرب العالمية الأولى ، عندما قضت الحاجة إلى حجب وخداع وحماية تنقلات احتياطي المشاة من رصد العدو . إن هذه المقاصد كانت أقصى ما يهدف إليه استخدام الدخان ، وبدا ذلك جلياً عندما استخدم الإنكليز سحابات الدخان في سنة 1917 ، لحجب تقدم الدبابات في معركة "سكارب" Scarb . وكانت أنواع الدخان التي بدأ استعمالها في الحرب العالمية الأولى من النوع الأسود ، وقد أثبتت أنها لا يمكن الاعتماد عليها لأنها غير مستقرة . وفي الحرب العالمية الثانية ، ومع تطور وتبدل أساليب التعبئة ، أصبح الدخان شيئاً نافعاً ، ومصدر قوة يمكن استخدامه في التعرض ، كما تبين أن الانفتاح المؤثر للدخان يعتمد على معرفة طبيعة الأرض والظروف الجغرافية واتجاه الريح وحالة الأنواء الجوية .ففي أكتوبر من العام 1943 استخدام الجيش الأحمر السوفييتي ستارة دخان smoke screen لجبهة امتدادها 30 كلم ، وذلك لعبور نهر Dnieper . كما عمدت القوات الأمريكية إلى إنشاء سحابة دخان على طرف ساحل Anzio في العام 1944 ، لمنطقة بطول 25 كلم ، لمدة شهرين كاملين ، وذلك بهدف منع الألمان من مراقبة ما يجرى في الميناء من عمليات استعداد .


ومع تطور استخدام منظومات الأسلحة المتقدمة ، بداء الدخان يلعب دوراً أكثر حيوية ، ففي شهر أكتوبر 1973 مع بداية الحرب العربية الإسرائيلية ، دمرت الصواريخ الموجهة المضادة للدروع العربية نحو 130 دبابة إسرائيلية من اللواء المدرع 190 خلال ساعتين فقط . لقد فشل الإسرائيليين في تقييمهم لقابلية الصاروخ السوفيتي AT-3 Sagger ، وكادوا أن يخسروا إلا قليلاً معركة سيناء وقناة السويس ، باستخدامهم الأساليب التعبوية القديمة . ومع ذلك فقد أدركوا بسرعة أن وجود الدخان لإعماء رماة هذه الصواريخ الموجهة هو أمراً فعال ومفيد جداً . فحالما بدأ الإسرائيليون بإسناد دروعهم بالمشاة ، وبدءوا باستخدام الدخان ، فقد استطاعوا التغلب على منظومات الصواريخ المضادة للدروع الموجهة (أن الصاروخ Sagger يمكن أن يقطع مسافة 1000 م في 6 ثوان ، في حين تستطيع منظومة الإنتاج السريع للدخان ، تأمين إنشاء الحجاب خلال ثلاثة ثوان فقط ، وعليه فإنه يمكنها أن تفصل الصلة البصرية بين الصاروخ ومطلقه ، خلال منتصف فترة الطيران . ومع ذلك فإن على قائد الدبابة أن يحرك دبابته بأسرع ما يمكن لكي يجنبها الإصابة) . لقد كرر الإسرائيليون نفس الخطاء مع غزوهم للبنان في يوليو 2006 ، عندما أهملوا الجانب التكتيكي المؤثر لاستخدام الدخان ، مما ترتب عليه خسارتهم لعشرات الدبابات من طراز Merkava .


عموماً يعتمد استخدام الدخان بشكل مؤثر ، على الفهم الصحيح للإمكانات الحالية لاشتغال المنظومات الكهرو بصرية الصديقة والمعادية في محيط الدخان . فالقوات الأمريكية والروسية على سبيل المثال ، تستخدم معدات حديثة ذات تقنية عالية ، يمكنها العمل فيما وراء القسم المرئي من الطيف الكهرو- مغناطيسي electromagnetic spectrum . هذه الأنظمة من الجيل الثاني جعلت بالإمكان إطلاق قذائف دخان ، مضادة لرصد الأشعة تحت الحمراء anti-infrared ، يمكنها عمل ستارة تعمية وتغطية ، تعيق الاستطلاع بأنظمة الرؤية الليلية/النهارية ، كما يمكنها عرقلة إمكانيات العدو لاكتساب الأهداف الصديقة بالمقذوفات الباحثة عن الأشعة تحت الحمراء أو اللاقطة للحرارة heat seeking . لقد ساهمت مثل هذه الأنظمة فعلياً في زيادة قابلية البقاء لكل من الدبابة وطاقمها . فهي تستطيع إعماء عمليات الاستطلاع المعادية ، والتراجع في حال وجود تهديد معادي مباشر ، وكذالك استعادة دبابات أو عربات مصابة في ظل وجود أخطار مهددة (مادة الدخان يتم توليفها عن طريق خلط عدة عناصر ومركبات ، مثل كلوريت البوتاسيوم potassium chlorate وثاني كربونات الصوديوم sodium bicarbonate .. وغيرها) .


دبابات المعركة الرئيسة تزود عادة بعدد 6 قاذفات دخان على كل من جانبي البرج ، يصل مداها عند الإطلاق إلى 30-50 م . وتستطيع هذه تغطية مسافة طولية أمام الدبابة يبلغ عرضها 120م مع ارتفاع للغيمة بنحو 8 م . ويتفاوت عيار هذه القاذفات بين  66و76 و88 ملم . الدبابة الأمريكية M1 Abrams على سبيل المثال ، تحمل على جانبي البرج عدد حاويتي قذائف من طراز M250 كل منها مزود بعدد 6 عبوات دخانية من عيار 66 ملم يجري إيقادها كهربائياً electrical ignition . القذائف الدخانية التي يبلغ وزن كل منها 1.41 كلغم ، من طراز M82 ، وهي مجهزة بمادة ثاني أكسيد التيتانيوم Titanium dioxide ، أو الفسفور phosphors لإخفاء وتخفيض الإشارة الحرارية thermal signature عن رصد العدو . تحتاج المقذوفات لفترة زمنية من ثانيتين فقط لإنشاء الغيمة الدخانية ، ليمتد تأثيرها الفعال لنحو 45-60 ثانية . علماً أن مدى القذف الأقصى يمكن أن يبلغ 30 م . بالإضافة لذلك تلجأ بعض دبابات العركة الرئيسة لإنشاء حاجب دخاني من خلال منظومة تشغيل المحرك engine operated system وحقن الوقود في أنبوب العادم ، حيث يمكن توليد ستارة دخانية بطول يتجاوز 200 م ، تدوم لدقائق معدودة (يعتمد الأمر على شدة الرياح) ، ويعاب على هذا النمط استهلاكه العالي للوقود ، مما يستوجب من السائق تخفيض التعجيل لمنع نفاذ الوقود .


ويستطيع الدخان أن يحبط بصورة مؤثرة ، أو يقلل من فعالية منظومات التوجيه بالليزر ، والتي يعين ويحدد فيها الهدف بصورة تقليدية بواسطة نقطة الليزر . ويتحكم بهذه المنظومات الرامي نفسه أو راصد خارجي designator . إن الباحث الموجود في مقدمة الصاروخ أو قذيفة المدفعية ، يتحسس شعاع الليزر المرتد فيوجه هذه المقذوفات نحو الهدف . ويؤثر الدخان على هذا النوع من المنظومات بوسائل عدة ، إما عن طريق اعتراض صورة الهدف لدى المشغل الذي يقوم بتشغيل محدد الأهداف الليزري ، أو عن طريق إضعاف طاقة الليزر الأساسية أو المنعكسة إلى المستوى الذي لا يتمكن فيه الباحث seeker من كشفها واستبيانها ، أو عن طريق عكس نقطة الليزر وجعلها تظهر للباحث وكأنها الهدف ، وعندئذ ينساق المقذوف إلى حافة غيمة الدخان بدلاً من التوجه للهدف الحقيقي .

هناك 6 تعليقات:

  1. هل يمكن للدبابات اطلاق flares كالطائرات لخداع الصواريخ المتتبعة للحرارة ؟

    ردحذف
    الردود
    1. هي تستخدم قنابل دخانية وتطلقها عند الحاجة لإعماء وحجب منظومات الصواريخ المضادة للدروع .

      حذف
  2. على هذا النمط اخي الكريم هل يمكن ان يتم الاعتماد على هذه الادخنه لتعمل بدلا من القذائف المتفجرة في منظومات القتل الصعب ؟

    فاذا كانت تحجب وسائل توجيه هذه الصواريخ المحمولة و و الموجهة , فيمكن لهذه السواتر ان تكون ذات فعالية اكبر من القذائف المرافقة لهذه المنظومات , و امن على الجنود المرافقين للدبابات , حتى من عمليات الاستهداف بعدها .

    TAHK

    ردحذف
    الردود
    1. لا .. لا يمكن إعتمادها لهذا الدور لأن هناك مقذوفات غير موجهة مثل مقذوفات RPG التي لا تتأثر بالدخان وسوف تتجه نحو موضع التصويب !! وهنا يأتي دو الذخيرة المتفجرة لمنظومات القتل الصعب . السؤال المهم والذي سبق وسألته أنت ، متى تعلم الدبابة بوجود هجوم معادي لإطلاق الدخان ؟؟ وهنا نقول أن الدبابة في الغالب تعمل إما بنمط آلي بوجود منظومات التحذير الليزري والتي تحذر من وجود هجوم وشيك ، أو أنها تعمل بنمط تقليدي ونقصد هنا مراقبة قائد الدبابة للمنطقة المحيطة بعربته .. بالطبع لكل وسيلة إيجابياتها وعيوبها .

      حذف
  3. اذا كانت قادرة على مقاومة الصواريخ الموجهة باليزر مثل التاو والكورنيت هل يمكن ان تنجح في ابعاد الصواريخ المنطلقة من المروحيات مثل الهيل فاير والاتكا والصواريخ التي تطلقها المقاتلات

    ردحذف
    الردود
    1. نعم أخي .. إذ يستطيع الدخان بصورة مؤثرة إحباط أو تقليل فاعلية منظومات التوجيه بالليزر ، والتي يعين ويحدد فيها الهدف بصورة تقليدية بواسطة نقطة الليزر . ويؤثر الدخان على هذا النوع من المنظومات بوسائل عدة ، إما عن طريق اعتراض صورة الهدف لدى المشغل الذي يقوم بتشغيل محدد الأهداف الليزري ، أو عن طريق إضعاف طاقة الليزر الأساسية أو المنعكسة إلى المستوى الذي لا يتمكن فيه الباحث seeker من كشفها واستبيانها ، أو عن طريق عكس نقطة الليزر وجعلها تظهر للباحث وكأنها الهدف ، وعندئذ ينساق المقذوف إلى حافة غيمة الدخان بدلاً من التوجه للهدف الحقيقي .

      حذف