1‏/8‏/2016

البدايـــــة التاريخيــــة للمدفعيــــة الصاروخيــــة .

البدايــــــــــــة التاريخيـــــــــــــة للمدفعيـــــــــــة الصاروخيـــــــــــة 
Rocket artillery

إن فكرة أنظمة المدفعية الصاروخية Rocket artillery ، أو قاذفات الصواريخ متعددة الفوهات Multiple rocket launcher ، قديمة قدم اختراع البارود ، الأمثلة الأقرب كانت قاذفات صواريخ الأسهم الصينية Chinese arrow التي استخدمت ضد المنغوليين في القرن الثالث عشر . الخطوة الرئيسة الأخرى كانت خلال الحروب النابليونية في معركة Leipzig عام 1918 ، ولكن استخدامها لم يحقق سوى نجاحات محدودة . ولم تبرهن هذه الأسلحة كفاءتها حتى القرن العشرين ، عندما استخدمت بالتزامن مع أنظمة المدفعية الأخرى .. الظهور الابتدائي والعملي للمنظومات الصاروخية متعددة الفوهات كان في الحرب العالمية الثانية ، عندما أدخل الألمان للخدمة في العام 1942 قاذفة بسيطة من عيار 210 ملم ، بخمسة أنابيب إطلاق ، ترسل قذائفها حتى مدى 8 كلم . وقد صمم هذا السلاح أساساً كمولد دخان ، وأطلق عليه أسم Nebelwerfer . كما نشر الألمان بعد ذلك عدد كبير من النظم المشابهة من عيارات مختلفة ، مثل Nebelwerfer 41 عيار 150 ملم و Nebelwerfer 42 عيار 300 ملم ، والتي تطلبت عربات أكبر لحملهم وتوجيههم . كما طور الألمان منظومات صاروخية ذاتية الحركة ، من طراز Panzerwerfer و Wurfrahmen 40 ، ثبتت على عربات مدرعة نصف مجنزرة half-track ، وأنتجوا أنواع ثقيلة من الصواريخ ، بلغ عيارها 380 ملم .
في هذه الأثناء طور السوفييت قاذفاتهم الصاروخية الخاصة ، وزودوها بزعانف خلفية للإستقرار ، حيث جرى تثبيتها على شاحنات وأطلقوا عليها إسم "كاتيوشا" Katyusha أو أورغن ستالين Stalin Organs كما أطلق عليها الألمان نسبة إلى آلة موسيقية معروفة . وفي حين أستخدم الألمان هذه المنظومات كمكمل وإضافة لمدفعيتهم التقليدية وليست كبديل ، فإن السوفييت كانوا من الأوائل الذين أدركوا أهمية هذه الأنظمة وتأثيرها الرهيب في توجيه "تأثير صدمة" shock effect على مواقع القوات المعادية . لقد أعطت قابلية الحركة لهذا السلاح (وسلاح المدفعية بشكل عام) ، القدرة على توجيه ضربات مؤثرة تجاه المواقع المعادية ثم التحرك لنقطة أخرى ، قبل التعرض لنيران البطاريات المضادة counter-battery fire . ومقارنة بالمدفعية التقليدية ، فإن قاذفات الصواريخ المتعددة قادرة على تسليم وتسديد مقدار كبير من المتفجرات المدمرة إلى منطقة محددة وبسرعة كبيرة ، وإن كان مع مستويات دقة أقل وزمن أطول لإعادة التحميل والتلقيم .
أنتج السوفييت خلال الحرب العالمية الثانية تشكيلة متنوعة من منظومات المدفعية الصاروخية وبأحجام وأقطار مختلفة ، مثل النوع BM-13 من عيار 132 ملم ، مع وزن أقصى بلغ 22 كلغم ، واستطاعت هذه الصواريخ تحقيق مدى 5.4 كلم ، حيث جرى تزويدها بزعانف صليبية cruciform fins مع رؤوس حربية متنوعة ، إما شديدة الانفجار متشظية أو ذات شحنة مشكلة shaped-charge . كما كان هناك النوع M-8 من عيار 82 ملم ، وطور السوفييت لاحقاً نوع أكبر حجماً ، هو M-31 من عيار 310 ملم . وتميزت المنظومات السوفييتية بالبساطة النسبية والاعتمادية ، فاشتمل البناء العام على رفوف متوازية parallel racks مثبت فوقها قضبان حديدية يتم وضع الصواريخ عليها . كل شاحنة كان بها ما بين 14-48 قاذفة . وأثناء الاستخدام العملياتي ، كان باستطاعة أربعة قاذفات BM-13 أن يطلق كل منها طلقة واحدة كل 7-10 ثانية ، وإيصال 4.35 من المواد شديدة الانفجار على منطقة مساحتها 4 هكتارات (تعادل 40.000 متر مربع) .
وبعد الحرب العالمية الثانية استمر السوفييت في تطوير أنظمة المدفعية الصاروخية ، وظلوا لفترة طويلة يتزعمون دول العالم في توفير وتزويد دول الكتلة الشرقية وحلفاءهم بمنظومات صاروخية رخيصة ولكنها فعالة effective . لقد لقي هذا السلاح اهتماماً ملحوظاً في الجيش السوفييتي ، وأنتج مصمموه عبر السنين عدداً متنوعاً من المنظومات الصاروخية التكتيكية متعددة الفوهات ، ذات العيارات المختلفة ، حملت جميعها مواصفات رخص الثمن وسهولة الإنتاج . لقد انسجمت هذه الأنظمة مع العقيدة السوفييتية القتالية ، التي تؤكد على مبادئ الحرب الهجومية offensive warfare والاصطدام العنيف والمفاجئ مع القوات المعادية . وطور السوفييت مع هذه الأنظمة تكتيكات استخدامها ، وحيث أن عامل الزمن مهم جداً ، فقد تم التأكيد على سرعة الحركة وسرعة التلقيم ، الذي بلغ نحو 10 دقائق لبعض المنظومات .. وبسبب طبيعتهم الرخيصة والبسيطة ، لاقت هذه الأسلحة استخداماً موسعاً في معظم الحروب التي تلت الحرب العالمية الثانية ، مثل حرب فيتنام وحرب كوريا والحروب العربية الإسرائيلية ، حتى أن العديد من دول العالم الثالث طورت منظوماتها الخاصة ، والتي كانت في معظمها اشتقاقات من أنظمة سوفييتية ، فمع كونها أقل دقة من المدفعية التقليدية ، إلا أنها كان فعالة جداً في توفير نيران قصف إشباعي saturation bombardment . وفي الجهة المقابلة ، أخفق الغرب في تقدير أهمية هذا السلاح ، واستمرت دوله في انتهاج مبدأ "الأدوار المتخصصة" specialist roles ، وتحسين منظومات مدفعيتها الثقيلة ، سواء لجهة زيادة المدى والدقة ، أو معدل الرمي الذي بلغ ثلاثة طلقات في الدقيقة ، ولم تلقى المدفعية الصاروخية الاهتمام المناسب في تسليح جيوش الدول الغربية ، إلى أن قامت الولايات المتحدة بتطوير وإنتاج قاذفة صواريخ ثورية التصميم والمفهوم ، أطلق عليها MLRS (نظام صاروخي متعدد القواذف) والتي أدخلت الخدمة عام 1983 .

هناك 6 تعليقات:

  1. الغرب اعتمد المدفعية سريعة الحركة بالتلقيم الالي دقيقة الاصابات
    مثل المدفع ارتشر
    ومن وجهة نظر عملياتية
    فان اصابة الهدف المطلوب بعدد محدود من القذائف الفعالة افضل من ضربه بعشرات الصواريخ ذات الدقة الاقل بكثير وقدرة تدميرية ايضا اقل .

    ردحذف
    الردود
    1. لقد كان السؤال الذي دائماً يطرح نفسه أمام ضباط المدفعية عند رغبتهم في معالجة هدف ما : هل يكون من الأفضل تنفيذ رماية دقيقة على الهدف للحصول على المفعول المطلوب ؟؟ أم أن الرماية الكثيفة تحقق نفس النتيجة ؟؟ في الحقيقة فإن لكل أسلوب مميزاته وسلبياته ، فالرماية الدقيقة تقتصد في استهلاك ذخيرة ، غير أنها تضيع من الوقت دقائق ربما تكون ثمينة جداً وحرجة بالنسبة للوحدات المقاتلة التي تنتظر المساندة النارية بفارغ الصبر . أما الرماية الكثيفة فهي فورية ومدمرة ، إلا أنها تستهلك كميات كبيرة من الذخيرة ، وتتطلب تسخير عدد مضاعف من وحدات المدفعية وتركيزها على هدف واحد لتحقيق غايتها ، في وقت يتطلب الموقف معالجة أكبر عدد ممكن من الأهداف في وقت واحد . لقد وجد أن الحل الأمثل يكمن في أنتاج منظومات مدفعية صاروخية Rocket artillery متعددة الفوهات ، كثيفة الرماية ، سريعة التحرك والرمي وبكلفة أدني بكثير much cheaper من كلفة المدفعية التقليدية ، التي تشمل المدافع وصيانتها .

      حذف
  2. استاذنا.....الان اصبحت دقة المدفعية الصاروخية مرتفعة جداً......هل هذا يعني ان عصر المدفعية الهاوتزر ذاتية الحركة او المجرورة قد ولي...وطالما ان المدفعية الصاروخية اكثر كثافة نيرانية واكثر قدرة علي تطهير رقعة واسعة من الارض في زمن قليل فلماذا لازالت الجيوش تشتري وتستخدم المدفعيات والهاوتزرات....؟

    ردحذف
    الردود
    1. نقاط التباين والاختلاف أخي الكريم بين المدفعية التقليدية traditional artillery ذات السبطانة الواحدة ، والمدفعية الصاروخية Rocket artillery متعددة السبطانات من حيث الاستخدام العملياتي يمكن إيجازها بالتالي :

      • منظومات المدفعية الصاروخية لا تتسبب في حدوث ارتداد عنيف عند إطلاقها كما هو الحال مع المدفعية التقليدية التي تنتج إرتداد هام وملحوظ significant recoil . ويمكن أن يتسبب إطلاق النار في قوس صغير بالنسبة للمدفعية التقليدية ذاتية الحركة ، في تحطيم وإتلاف نظام التعليق الخاص بالعربة الحاملة للنظام vehicle suspension . ولهذا هم يجب أن يثبتوا جيداً بالأرض لمواجهة قوى الارتداد ، مما يعيق قضية تبديل وتغيير مواضعهم بسهولة . وهذه النقطة تحسب لوحدات المدفعية الصاروخية التي تمتلك المزيد من قدرات الحركية وتغيير المواضع ، وهذا في الحقيقة ما يعكسه مبدأ استخدامهم "أضرب وتحرك" shoot-and-scoot ، مما يصعب كثيراً على النيران المضادة استهداف منصة الإطلاق . ومع ذلك فمن المفيد القول أن منظومات المدفعية الصاروخية تنتج الكثير من العصف الخلفي back blast أثناء الرمي ، مما يفرض معه قيود خاصة أثناء العمل ، منها وجوب إبعاد المعدات والتجهيزات الخلفية ، بل وحتى العربات المجاورة neighbouring vehicles التي من الممكن أن تتضرر كلياً بنيران العصف .
      • المدفعية الصاروخية لا تستطيع عادة مجارات الدقة accuracy ومعدل النيران الثابت الذي تتميز بهما منظومات المدفعية التقليدية . إلا أنها في المقابل قادرة على توجيه ضربات مدمرة وإيصال كميات كبيرة من المتفجرات بشكل مؤثر ، مما يعني معه زيادة تأثير الصدمة ، وإعطاء الهدف المعادي أقل وقت ممكن للاختباء . وفي الحقيقة فإن الدقة العالية للمدفعية التقليدية تعني أنها تستطيع مهاجمة قوات العدو القريبة من مواقع القوات الصديقة .
      • وحدات المدفعية الصاروخية لها إشارة كبيرة وواضحة large fire signature خلال عملية الرمي ، وهذا مدرك من حجم كتل الغبار وأثر الدخان (وهذا بالضبط ما يفرض عليها التحرك بعيداً وبسرعة بعد إطلاق مقذوفاتها) .
      • تحتاج المدفعية التقليدية لمراقب أمامي forward observer يضطلع بمهمة تصحيح وتصويب إحداثيات الرمي ، وفي المقابل لا تحتاج المنظومات الصاروخية لعمل هذا المراقب ، حيث تطغي كثافة الرمي على دقة الإصابة .
      • قذائف منظومات المدفعية التقليدية artillery shells أرخص ثمناً وأقل ضخامة من مثيلاتها الخاصة بالمدفعية الصاروخية ، ومع ذلك كان على سبطانات إطلاقها أن تكون ضخمة وطويلة لإيصال ذخائرها لأبعد مدى ممكن ، قياساً بالمدى الأبعد الذي يمكن تحقيقه بالمنظومات الصاروخية .

      حذف
  3. على الرغم من أن الحرب السورية أثبتت أهمية الكثافة النارية في المعارك..إلا أن المستقبل ليس لاصحاب الكثافة النارية إنما لأصحاب الدقة ..
    إذا استطاعت المدفعية الصاروخية أن تجاري دقة قذائف 155 الموجهه بـ GBS .. فتلك الساعة نقول ان الخيارات متعادلة ..والله اعلم..

    ردحذف