23‏/7‏/2016

متفجرات الطريق وأدوات التفجير المرتجلة IED .

متفجـــــــــرات الطريـــــــــــق وأدوات التفجيــــــــر المرتجلـــــــــــة IED

في أواخر شهر فبراير من العام 2010 ، قوات من منظمة حلف شمال الأطلسي وأخرى أفغانية كانت تعمل مع بعضها البعض خلال الهجوم الرئيس في جنوب أفغانستان والذي أطلق عليه الاسم الرمزي "عملية مشترك" Operation Moshtarak . هدف القوات المتحالفة كان ينحصر في تحرير الأجزاء الإستراتيجية من محافظة "هيلمند" Helmand من سيطرة قوات الطالبان . وخلال العمليات القتالية التي كانت تسير بشكل منتظم وجيد ، هم قرروا أخيراً إبطاء تقدمهم خوفاً من خطر أدوات التفجير المرتجلة IED . هذه الأدوات هي في الغالب محلية الصنع ، حيث تنشر وتطرح في الطرق والممرات المتوقع ارتيادها من قبل قوات العدو . هي إما أن تكون مصنوعة من المتفجرات العسكرية التقليدية ، أو من رزم قذائف المدفعية artillery rounds الملحقة بآلية تفجير عن بعد . الخطر الآخر كان موجهاً نحو الألغام الأرضية المضادة للدروع Anti-tank mines ، حيث أعداد كبيرة منها كانت قد أعدت ونصبت من قبل مسلحي الطالبان لكي تعرقل وتوقف تقدم القوات المتحالفة . 
هذه الأسلحة المؤثرة أصبحت سلاح الاختيار الأول ليس فقط لقوات الطالبان ، لكن أيضاً للعديد من التنظيمات المسلحة والتشكيلات غير النظامية في الشرق الأوسط . قدرات أدوات التفجير المرتجلة IED إختبرت أيضاً على نطاق واسع في الحرب العراقية الثانية وما تبعها ، حيث أستخدمت جماعات مسلحة عراقية خلال السنوات 2003-2011 شحنات مرتجلة في الغالب ضد عربات قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة . ومع نهاية العام 2007 هم كانوا مسئولين تقريباً عن 64% من حالات الوفيات الإئتلافية في العراق . وأظهرت دراسة فرنسية لاحقة حول الخسائر الغربية في العراق خلال الفترة من مارس 2003 إلى نوفمبر 2006 ، أن عدد حالات الوفيات المسجلة لجنود قوات الإئتلاف بقيادة الولايات المتحدة بلغت 3,070 حالة ، من هذه كان هناك عدد 1,257 حالة وفاة بسبب هذا النوع من الشحنات .. في العام 2014 عرضت إحدى الجماعات الجهادية العاملة بالعراق تصوير فيديو يظهر بوضوح هجوم عنيف تتعرض له عربة مدرعة ناقلة للجنود تابعة للجيش العراقي من نوع Badger (تعني الغرير) أثناء سيرها على الطريق العام بواسطة عبوة طريق فجرت عن بعد (العراق طلب في العام 2007 عدد 378 عربة من هذا النوع) . الهجوم تسبب في طيران العربة التي يبلغ وزنها نحو 16 طن لبضعة أمتار في الهواء قبل أن تسقط مجدداً بعنف على الأرض !! طاقم العربة والأفراد الجالسين في الداخل (العربة في المجمل قادرة على حمل مجموعة من 10 أفراد مسلحين) أصيبوا بإصابات قاتلة من شدة الإنفجار وإنقلاب العربة رأساً على عقب ، رغم أن العربة مصممة لمواجهة هذا النوع من التهديدات وفق تصميم الكبسولة capsule design المبنية على أساسه . حيث كان بالإمكان مشاهدة تبعثر الأشلاء وتناثرها بالقرب من موقع الهجوم (العربة مجهزة بذراع آلي robotic arm للتحقق عن بعد ونبش المواضع الأرضية المشبوهة) . العبوة شديدة الإنفجار التي إستخدمها المسلحون وضعت على الطريق أسفل طبقة الإسفلت ، وتسببت في حدوث حفرة كبيرة يقدر قطرها بنحو 3 متر أو أكثر ، وبعمق 90-100 سم .
بالنسبة للقوات المتمردة والميليشيات غير النظامية ، الأدوات المتفجرة المرتجلة والألغام تعتبر طريق فاعلة ومجزية ليس فقط لمهاجمة القوات الراجلة ولكن أيضاً للعربات المدرعة بكافة أصنافها . وعلى الرغم من أن العربات المصفحة بشدة يمكن أن تعرض لشاغليها حماية أكثر تجاه الأدوات المتفجرة المرتجلة والألغام الأرضية بالمقارنة إلى تلك المكشوفة أو خفيفة التصفيح ، إلا أن إصابات وجروح جدية serious injuries وربما حالات وفاة ، يمكن أن تلحق بالأطقم والأفراد الراكبين إذا انفجرت هذه الأدوات بالقرب أو أسفل عرباتهم المدرعة مباشرة . هذه الإصابات عند تعرض العربة للهجوم سببها حدثين مرتبطين بشكل وثيق مع بعضهم البعض . الأول هو الانفجار والعصف الابتدائي initial blast الذي يرفع العربة للأعلى من الطريق . أما التأثير الثاني فيجيء مما يسمى بالضرب للأسفل slam-down ، عندما تعود العربة بقسوة وعنف للارتطام بالأرض بعد الانفجار الابتدائي وطيرانها بالهواء .. في الحقيقة دراسات عديدة تناولت الموضوع وأثبتت أن أدوات التفجير المرتجلة وكذلك الألغام الأرضية المضادة للدبابات Antitank landmines هي من المسببات الرئيسة للجروح الخطيرة والقاتلة لأطقم العربات المدرعة الأخرى عند الانفجار أسفل منها مباشرة . فهذه الأدوات في معظمها تشتمل على شحنات ناسفة بأوزان من 20-50 كلغم (غالباً RDX، أما بالنسبة للألغام فيمكن أن تتراوح بين 4-5 كلغم أو ضعف ذلك الرقم . هذه الشحنات قادرة عند انفلاقها ونتيجة الضغط العالي للانفجار blast over pressure على التسبب وإحداث تأثيرات مباشرة وعاجلة لأفراد الطاقم . التأثيرات الملحقة بالعربات المدرعة تكون مضاعفة عن تلك الملحقة بدبابات المعركة الرئيسة ،  منها رمي الطاقم وبعثرتهم في الفسحة الداخلية للهيكل ، مما قد يترتب عليه كسور شديدة Closed fractures وكدمات قاسية في أجزاء متفرقة من العمود الفقاري . فإذا كانت الضربة في مقدمة العربة ، فإن المحرك قد يزاح من مكانه نهائياً ، وأرضية العربة ستتحطم وترفع العربة عن سطح الأرض وتنقلب إذا كانت في وضعية الحركة ، وسينتج عن ذلك شظايا داخلية حادة من قطع الصفائح المعدنية . الأفراد الذين لا يرتدون أحزمة المقاعد seatbelts سوف يقذفون للأعلى بقوة الانفجار ، ويصطدمون بسقف العربة ، معرضين أنفسهم للإصابات الحادة أو القاتلة في مواضع الرقبة والرأس (وربما كسور في الجمجمة cranium fractures) ، وفي النهاية نتائج ومستوى التأثير تعتمد على حجم المادة المتفجرة ونوعها وموضع إصابة العربة . فهذه الأسلحة مصممة بقصد تحقيق التدمير الهائل K-kill للهدف وقتل الطاقم وشاغلي العربة ، أكثر منها لمجرد تعطيله عن طريق تدمير جنازيره وشل حركته M-kill .
"متفجرات الطريق" أو "أدوات التفجير المرتجلة" Improvised explosive devices وإختصارها IED هي عبارة عن شحنات تفجير أو قنابل محلية الصنع يتم إنتاجها ونشرها بوسائل مغايرة للعمل العسكري التقليدي . هي قد تكون مصنعة من متفجرات عسكرية تقليدية military explosives مثل تلك الخاصة على سبيل المثال بقذائف المدفعية والهاون ، لتلحق بعد ذلك بآلية تفجير كهربائية أو ميكانيكية بغرض التحفيز على الإنفجار . أدوات التفجير المرتجلة يمكن أن تستخدم في أعمال قتالية أو خلال حروب غير تقليدية unconventional warfare من قبل مجموعات مدنية أو شبه عسكرية في مسرح العمليات . فقد تم إستخدامهم في أفغانستان من قبل مجموعات المعارضة ، وتسببوا في العام 2001 بنحو 66% من الإصابات في قوات التحالف . وطبقا لتقرير مركز البحث الأمني الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن عدد أدوات التفجير المرتجلة المستعملة في أفغانستان زاد بنسبة 400% منذ العام 2007 ، وعدد أفراد القوات التي قتلت بواسطتهم بلغت 400% ، وأولئك الذين أصيبوا بجروح بلغوا 700% ، حتى قيل أن هذا النوع من الأدوات كان السبب الأول والرئيس للوفيات بين قوات الناتو في أفغانستان . حادثة لا يمكن تجاهلها وقعت في نوفمبر العام 2007 للقوة الكندية العاملة في أفغانستان ، عندما أبلغ عن أداة تفجير مرتجلة هاجمت قرب مدينة قندهار إحدى دبابات Leopard 2A6M . الشحنة الناسفة كانت مشتملة على نحو 15 كلغم من المواد شديدة الانفجار ، مما زاد بشكل ملحوظ من قوة التأثير بالمقارنة مع الألغام التقليدية المضادة للدبابات . ثلاثة أفراد من طاقم الدبابة عانوا من كدمات ورضوض متفرقة ، في حين الفرد الرابع من الطاقم أصيب بكسر في عظمة وركه اليسرى .
أدوات التفجير المرتجلة تتميز ببساطة تركيبها ، إذ تشتمل مكوناتها في الغالب على خمسة عناصر : مفتاح التنشيط أو التشغيل activator switch ، بادئ الإشعال أو الصمام fuse ، الحاوية أو صندوق الحفظ container ، الشحنة المتفجرة explosive charge ، ومصدر كهربائي أو بطارية تشغيل battery . هذا النوع من الشحنات معد في الأساس للإستعمال تجاه الأهداف المدرعة مثل ناقلات الجنود أو دبابات المعركة الثقيلة ، حيث هي قادرة على خرق وتحطيم دروع هذه الأهداف وذلك باستخدام إما الخوارق المشكلة إنفجارياً EFP أو الشحنات شديدة الإنفجار (عصف وتشظية) . الشحنات شديدة الإنفجار قد تتضمن أجزاء وقطع مضادة للأفراد مثل المسامير أو الكرات الفولاذية أو حتى الحصى الصغيرة ، وذلك لكي تتسبب في إحداث جروح غائرة عند المسافات الأعظم مقارنة بتأثيرات موجات الضغط والعصف فقط . ويمكن إطلاق الشحنات المرتجلة بطرق وآليات مختلفة ، إذ يمكن تحفيزها على الإنفجار بواسطة جهاز للتحكم عن بعد remote control ، أو عن طريق أسلاك إعثار trip wires مشغلة من قبل الضحية . في بعض الحالات ، شحنات متعددة يتم توصيلها ببعض سلكيا ، ويتم تفعيلها وتحفيزها سوية في سلسلة متعاقبة لمهاجمة قافلة عربات منتشرة على طول طريق .. ومما يميز حقيقتاً هذا النوع من الشحنات هو إمكانية تصنيعه من قبل مصممين عديمي الخبرة inexperienced designers وبإستخدام مواد متوافرة أو يمكن الحصول عليها بسهولة نسبية . مع ذلك ، فإن تصنيعها بشكل غير متقن أو دون المستوى قد يتسبب في إخفاقها في الإنفجار ، وفي بعض الحالات إنفجارها قبل الأوان . بعض المجموعات المسلحة تعلمت إنتاج أدوات تفجير متطورة التي هي مبنية ومقتبسة من مكونات الذخيرة التقليدية ، وكذلك من مكونات بعض الأجهزة الإلكترونية الإستهلاكية القياسية ، مثل الهواتف الجوالة ، مؤقتات الغسالات timers ، أجهزة فتح الأبواب الكهربائية . أدوات التفجير المرتجلة قد تستعين بقذائف المدفعية والهاون أو الشحنات شديدة الإنفجار التقليدية كحمولة قياسية لتحقيق تأثيرها بالإضافة إلى إمكانية تطوير واستخدام تشكيلة من المتفجرات المحلية homemade explosives . المواقع المشتركة لوضع هذه القنابل على الأرض تتضمن جثث وفطائس الحيوانات ، أكوام النفايات ، الحاويات والصناديق الجانبية ، أو أنها تطمر وتدفن تحت السطح . نموذجيا ، هم معدون للإنفجار أسفل أو إلى جانب هيكل العربة للتسبب بالمقدار الأعظم من الضرر . جدير بالذكر أن حجم موجة الانفجار الناتج يعتمد من ضمن أمور أخرى على الوسط أو العمق الذي وضعت فيه الشحنة charge depth ، بالإضافة إلى شروط التربة المستخدمة soil conditions (رطبة ، قاسية ، مخلخلة/رملية) .
أخيراً نشير لأهمية إتباع وسائل الكشف البصري Visual detection والذي هو جزء مدرج وموضح في جميع العمليات القتالية . ويوصى جميع الأفراد والجنود بالكشف البصري وتتبع التضاريس الأرضية أثناء تقدمهم لرصد متفجرات الطريق والألغام ومصائد المغفلين booby traps ، خصوصاً في المناطق المشبوهة . التعليمات توجه نحو مراقبة الأجسام الجانبية المشبوهة وعلامات تصليح أو ترميم الطريق ، مثل الملء الجديد أو التبليط والترصيف ، رقع ولطخات الطريق ، الحفر والثقوب ، وهكذا . هناك أيضاً ميزات ومعالم شاذة في الأرض Odd features ليست موجودة في الطبيعة . مثل نمو نبات ذابل أو متغير اللون ، أو جرف مياه الأمطار لبعض غطاء قمة اللغم ، فتبدوا هذه القمة مثل التل المتسخ .

هناك 5 تعليقات:

  1. السلام عليكم
    اود ان اسألك تأثير قساوة مادة البطانة في عبوات الخارق المشكل انفجاريا فانا اعلم تاثير كثافة الخارق ففعالية النحاس افضل من الحديد لانه اكثر كثافة و لكن ماذا عن القساوة هل استخدام الواح من مادة الرصاص اكثر فعالية و شكرا

    ردحذف
    الردود
    1. لا يوجد إعتبار محدد لعامل القساوة أو الصلادة Hardness في تصميم مادة بطانة الشحنة المشكلة لكن يوجد أهتمام أكبر بعناصر الكثافة والشكل والسماكة . بالطبع سماكة البطانة المستخدمة تتغير بناء على كثافة المعدن المستخدم ، فإذا كانت الكثافة مرتفعة جداً ، فإن سماكة اقل مطلوبة (هذا بالنسبة للشحنات المشكلة التقليدية والعكس صحيح بالنسبة لشحنات الخارق المشكل إنفجاريا) . المقذوف المشكل انفجارياً يجب أن يكون مستقر ومتوازن وهو في وضع الطيران aerodynamically stable ، وذلك لكي يضرب الهدف ضمن احتمالية إخفاق محدودة ، أو مع زاوية انحراف صغيرة . في العمل الشامل ، ركز المطورون على أن يتحصل تشكيل EFP على زعانف مائلة canted fins بدرجة مناسبة ، لتوفير معدل دوران أعلى . فعند الرغبة في التعامل مع هدف عند مسافة 100 م ، يحتاج المقذوف للاتزان وتجاوز احتمالية الانحراف أو الانجراف drift ، حيث يمكن تكوين زعانف الاستقرار بإعادة تشكيل أو صياغة موجة الانفجار لإعاقة أو إبطاء التعجيل acceleration في نقاط معينة من البطانة بإضافة المزيد من الكتلة (يوجد هناك على الأقل دستة طرق مسجلة كبراءة اختراع لكيفية توفير الزعانف المشكلة لكتلة المقذوف) . ومع هذا الناتج ، أمكن الحصول على تحسينات أفضل في الاستقرار الديناميكي الهوائي لسلاح EFP .

      حذف
  2. مصفحات MRAP هي اختصار MINE RESISTANT AMBUSHED PROTECTED وهي تعني عربات مخصصة لمقاومة الالغام والعبوات الناسفة والكمائن .فكرة بدا تطويرها في اواخر الستينات مع حرب تحرير زيمبابوي وكانت اولى العربات leopard APC ثم تلتها جنوب افريقيا التي كان لها السبق في التطويرات وانتاج Buffel وهي اول مركبة مضادة للألغام يستخدمها الجيش في جنوب أفريقيا خلال الحرب الحدودية. تم استخدام Buffel أيضا باعتبارها مركبة قتال مدرعة، وأثبتت نفسها في هذا الدور. ثم تم استبدالها بعربة Mamba APC وهي لا تزال قيد الاستعمال في أماكن أخرى، ولا سيما سريلانكا.
    بدا الاهتمام الامريكي بمثل تلك النوعية من المصفحات بعد غزو العراق في 2003 ومع تصاعد هجمات المقاومة التي كانت تتم ضد اليات الجيش الامريكي خاصة باستهداف الهمر والمدرعات بصواريخ الار بي جي والالغام والعبوات الناسفة، ليبدا مشروع ابدال العربات من نوع الهمر باخري من نوعية MRAP وبلغت تكلفة المشروع 17.5 مليار دولار تقريبا. بعد دخول المصفحات الى الخدمة برز عدد من المشالكل، فقد صنعت امريكا اكثر من نموذج مما رتب عليها مشاكل خلال الدعم اللوجيستي على عكس ميزة توحيد النموذج، اضافتا الى ضخامة وزن المصفحات وكذلك استهلاكها للوقود
    بعد تعرض العديد من عربات ال MRAP للعديد من التفجيرات في العراق وافغانستان استطاعت مثل تلك العربات حماية طاقمها والمحافظة على حياتهم ومن هنا بدا العالم في التوجة الي انتاج مثل تلك العربات فانتجت اميركا اكثر من 10000 عربة من هذة الانواع، كما اتجهت العديد من الدول الي تطوير نسختها الخاصة من العربات.
    تادي عواد

    ردحذف
    الردود
    1. مشاركة مفيدة ومثرية أخي تادي .. مشكور على هذا الجهد الطيب .

      حذف
    2. أزال المؤلف هذا التعليق.

      حذف