26‏/7‏/2016

عملية نورماندي .. الضربة الأولى للمروحية الهجومية AH-64A Apache .

عمليــــة نورمانــــدي .. الضربــــة الأولـــى للمروحيــــة الهجوميـــة
AH-64A Apache
الدروس العملياتية الأبرز للمروحيات الهجومية هي تلك التي قدمتها طائرة AH-64A Apache خلال حرب الخليج في عملية عاصفة الصحراء العام 1991 ، عندما بدأت طلائع وحدات المروحية تصل لمسرح العمليات بتاريخ 24 نوفمبر العام 1990 . وحتى تاريخ 15 يناير 1991 كان عدد 147 مروحية أباتشي قد وصلت لقواعدها في الخليج . الصعوبات الأولى التي تمت مواجهتها تعلقت بمدى تكيف هذه المروحيات مع الأجواء والبيئة الصحراوية desert environment . لقد تسببت هذه ببعض القلق بالنسبة للمخططين العسكريين ، كما هو الحال بالنسبة للأطقم وأفراد الصيانة . لقد تسللت الرمال الدقيقة إلى تجاويف معظم أجزاء المروحية أباتشي ، بما في ذلك كابينة القيادة ووحدات الطاقة المساعدة auxiliary power units ، وهذا ما ألقى بشكوكه حول القدرات المرتقبة للمروحية في هذه الظروف . 
وفي تاريخ 17 يناير 1991 ، قامت أربعة طائرات مروحية من طراز MH-53 Pave Low تابعة لسرب العمليات الخاصة العشرون SOS ، بقيادة مجموعتين قتاليتين من ثمانية مروحيات أباتشي مجهزة بصواريخ Hellfires وقذائف Hydra 70 وخزان وقود إضافي لكل منها ، للقيام بالضربة الأولى في الحرب ، والتي أطلق عليها الاسم الرمزي "نورماندي" Normandy (الاسم الذي أطلق على عملية تحرير أوربا من الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية) . مهمة الطائرات كانت على درجة عالية من الخطورة والسرية ، وتتركز على مهاجمة وضرب منظومات التحذير المبكر الرادارية early-warning radar في المنطقة الغربية من الأراضي العراقية . وفي الساعة 0238 وبعد قطع مسافة 90 كلم ، استطاعت القوة الجوية تحديد أهدافها (الهدفان يبعد كل منهما عن الآخر مسافة 56 كلم) والتزم فريق طاقم الوحدات المهاجمة الصمت والتعتيم اللاسلكي قبل الوصول لمواقعها المحددة بنحو 10 ثوان ، وعند وصولها تولى كل فريق من أربعة مروحيات أباتشي توجيه نيرانه نحو كل هدف ، وأطلق العنان لعدد 27 صاروخ من طراز Hellfire لتصيب عدد 16 هدف من أصل 18 هدف في كل موقع ، واستطاعت المروحيات تنفيذ المهمة بنجاح وتدمير الأهداف الرادارية خلال خمسة دقائق فقط . لقد فتحت هذه العملية الجريئة ممراً بعرض 20 ميل ، مهيأة الطريق أمام طائرات التحالف للتوجه نحو أهدافها في العاصمة العراقية بغداد . وبالفعل خلال 22 دقيقة كانت أكثر من مائة طائرة نفاثة أمريكية تعبر الحدود نحو أهدافها بدون سابق إنذار للعراقيين ، وتبدأ معها عملية عاصفة الصحراء Operation Desert Storm رسمياً . ومع نهاية اليوم استطاعت فعلياً نحو 900 طائرة نفاثة للتحالف العبور لأهدافها في العراق .
استخدام مروحيات أباتشي لضرب محطات التحذير الرادارية العراقية المبكرة ، كانت واحدة من ضمن ثلاثة خطط موضوعة بتصرف مخططي القيادة المركزية الأمريكية لتنفيذ هذه المهمة الخطرة والحاسمة . كان السؤال المهم .. كيف سنُحدث ونفتح هذا الممر ؟؟ هم اقترحوا ثلاثة خيارات رئيسة لتجاوز هذه المعضلة ، أحدها باستخدام قوات العمليات الخاصة special operations forces لتدمير مواقع الرادار باستخدام صواريخ موجهة . الخيار الثاني كان باستخدام قوات العمليات الخاصة في دور تعيين الأهداف ليزرياً لصالح صواريخ Hellfire الخاصة بمروحيات أباتشي، الحل الثالث تمثل باستخدام طائرات نفاثة لإتمام هذه العملية وإطلاق قذائف جو أرض موجهة على مواقع الرادارات العراقية أو صواريخ جوالة cruise missiles . وفي النهاية تم استبعاد اثنين من هذه الخيارات ، الأول الخاص بمشاركة أفراد القوات الخاصة SOF بسبب الخوف من أسرهم ومن ثم المساومة عليهم من قبل العدو . الخيار الثاني الذي تم استبعاده هو ذلك الخاص باستخدام الطائرات المروحية ، فرغم معرفة وجزم القيادة العسكرية على قدرة هذه الأنظمة على تنفيذ المهمة إلا أن المشكلة كانت تكمن في حاجة قيادة التحالف لمعلومات وتقييم عن مدى الضرر extent of damage الذي لحق بالأهداف المضروبة ، وهذه لا يمكن الجزم بها إلا من خلال التعيين البصري لموقع الهجوم .
وهكذا فأن المروحيات وأطقمها يستطيعون إدراك حجم الخسائر التي لحقت بوحدات الإنذار المبكر العراقية من خلال مشاهداتهم الشخصية ، كما أنهم يستطيعون معاودة مشاغلة الهدف مرات ومرات حتى التأكد من النجاح الكامل . الوقود الداخلي للمروحية وهي محملة بكامل تسليحها (ثمانية صواريخ Hellfires وعدد 38 مقذوف غير موجهة و1.200 طلقة للمدفع 30 ملم) كان يمكن أن يكفيها للطيران لأكثر بقليل من ساعتين متواصلتين ، أقترح أطقم وحدات المروحيات Apaches لتجاوز هذه المشكلة إضافة خزان وقود إضافي سعة 230 غالون في منطقة التخزين الداخلية اليسرى من المروحية ، فالمخططون لم يكونوا يريدون إنشاء منطقة إعادة تزود بالوقود refueling point على غرار تلك التي أنشئت في الصحراء الإيرانية 1980 لتدشين عملية إنقاذ الرهائن والتي انتهت بالفشل الذريع . ولإفساح المجال للمزيد من الوقود كان على المروحيات تخفيض حمولتها من المقذوفات غير الموجهة لنحو 19 قذيفة فقط . وفي النهاية تم الاستقرار على رأي تثبيت خزان وقود إضافي على أحد الأجنحة الجانبية للمروحية ، والذي رفع وزن المروحية بزيادة 680 كلغم ، لكنه في المقابل سهل للطائرة إمكانية الوصول لمدى 640 كلم . عملية الانطلاق كانت من منطقة تقع بالقرب من الحدود العراقية ، يطلق عليها اسم "الجوف" Al Jouf ، ومنها في الساعة الواحدة صباح يوم 17 يناير أنطلقت المروحيات باتجاه أهدافها وهي تطير بسرعة 193 كلم/س وعلى ارتفاع 15 م عن سطح الأرض ، مع صمت إذاعي كلي وشامل . كنا نستخدم نظام الرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء FLIR وكذلك نظاراتنا للرؤية الليلة night-vision goggles حتى الوصول لمنطقة الأهداف .
وبعد تعيين الأهداف بدأ الهجوم ، وانطلقت صواريخ Hellfires نحو أهدافها المختارة ، في فوضى عارمة أصابت المكان ، إطلاق الصاروخ تلو الصاروخ والقذيفة تلو القذيفة والمدفع الرشاش 30 ملم بدأ في العمل ، وعندما وصل لمسافة دون 4.000 م بدأنا بضرب ومشاغلة أنظمة الدفاع الجوي العراقية المنتشرة بالمكان . كنا نشاهد من خلال منظومة FLIR مع بداية الهجوم ومضات الإنفجارات ، أربعة طائرات أباتشيكانت تحوم بمسافة قريبة من بعضها البعض وتعمل على إطلاق نيرانها بشكل مكثف ودقيق . بعد انتهاء المهمة حلقنا على ارتفاع 2000 م كنقطة استراحة break point عن أهدافنا المحترقة ، وبعضنا اقترب لحد 800 م منها بقصد التمعن بحجم الأضرار ، ثم استدار الجميع لرحلة العودة .

وصل عدد المروحيات الهجومية أباتشي خلال حرب المائة ساعة وتحرير دولة الكويت لإجمالي من 277 مروحية ، وأخذت هذه الطائرة على عاتقها دوراً مهماً من الحرب الخاطفة الأرضية lightning ground war (وإن كانت قد عانت من بعض المصاعب الميكانيكية في بداية الحملة) واستطاعت توفير الدعم الجوي القريب لقوات الحلفاء المتقدمة ، بالإضافة لتدمير مئات الدبابات والعربات العراقية المدرعة ، مع نسبة استعداد وجاهزية بلغت 85% خلال مراحل الحرب و19.000 ساعة طيران . لقد قامت هذه الطائرة بالإضافة لأدوارها الهجومية بعمليات استطلاع واستكشاف في عمق الأراضي العدائية ، بل وحتى بعمليات استلام واكتساب المئات من الأسرى العراقيين . وخلال جميع مراحل الحرب لم تسقط سوى مروحية Apache واحدة ، أصيبت بقذيفة RPG ضربت المحرك الأيمن من جسم الطائرة . نفذ الطاقم عملية هبوط اضطراري emergency landing تحت حماية وتغطية مروحية أخرى ، التي قامت بنقلهم للخطوط الخلفية بعد تشبثهم بحمالات الأجنحة الجانبية للمروحية .

هناك 6 تعليقات:

  1. السلام عليكم
    اود ان اسئلك اخي العزيز عن انواع البطاريات المستخدمة في الصواريخ لتزويد رؤوسها الموجهة بالطاقة ما انواعها بارك الله فيك و اسأل الله ان ينفع بعلمك أمتنا العربية و الاسلامية و شكرا

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام أخي .. في الصاروخ الأمريكي TOW على سبيل المثال البطاريات تقع في المقطع المركزي لجسم الصاروخ وهي من النوع الحراري thermal batteries . حيث يشتمل جسم الصاروخ على عدد ثلاثة بطاريات التي تنشط عند سحب زناد الإطلاق . هذه البطاريات الصلبة يطلق عليها نموذجياً solid electrolyte أو المنحلات كهربائياً (تحتوي على مادة حمضية) ، وعند ضغط الزناد من قبل الرامي ، المنحل يتعرض للذوبان والانصهار ، مما يولد معه فولطية كهربائية مناسبة للتشغيل . هذه البطاريات تستخدم عوضاً عن البطاريات التقليدية قابلة للشحن لأن عمر تخزينها أطول بكثير . التفاعل الكيميائي الذي ينتج كلاً من الحرارة والكهرباء يبدأ بتأثير شحنة كهربائية التي هي جزء من الإشارة المرسلة قبل عملية الإطلاق عندما الرامي يضغط الزناد . وخلال زمن مقدر تقريباً بنحو 0.2 ثانية ، تبدأ البطاريات في توليد وإنتاج الطاقة الكهربائية . اثنان من هذه البطاريات الموصولة على التوازي تعمل على تجهيز الطاقة الكهربائية إلى مجموعة الإلكترونيات ومصدر الأشعة تحت الحمراء IR source ، في حين تجهز البطارية الأخرى القوة أيضا إلى مجموعة الإلكترونيات ونظام التشغيل الفرعي .

      الصاروخ الروسي كونكورس يستخدم بطاريات جافة تقليدية من أجل التشغيل . فعملية الضغط على الزناد تتسبب في تنشيط البطاريات الخارجية الموجودة على الغلاف الحاوي للصاروخ ، وهي مؤلفة من بطاريتان موجودة ضمن محفظة خاصة متصلة مع فيش وصل الصاروخ بالقاعدة ، ومهمتها تأمين الفولطية الكهربائية المناسبة لإطلاق الصاروخ وتغذية قاعدة الإطلاق (صندوق التحكم وإنارة شبكة المنظار) وكذلك مستقبل الأشعة تحت الحمراء بالطاقة اللازمة . البطاريات تنشط عمل الجايرسكوب ليبدأ بعملية تسريع عجلته الدوارة driven wheel في ركيزته أو دعامته الخاصة ، بحيث يمكن خلال 0,3 ثانية تحقيق وانجاز سرعة الدوران القصوى للعجلة وحتى 10,000 دورة/دقيقة وذلك في مرحلة تسبق خروج الصاروخ من حاويته الخاصة .. بالطبع يوجد بطاريتان من نفس النوع في المقطع الأخير لجسم الصاروخ يبدأ عملها مع فتح منفذ حاوية الإطلاق الأنبوبية ، ومهمتهما الإيفاء بمتطلبات الأنظمة الكهربائية للصاروخ وتغذيتها بالطاقة اللازمة .

      حذف
    2. لا أخفي أعجابي الشديد بالاباتشي .. لكن سؤال أخ انور..
      هل هذه الطائرة تملك أنظمة قادرة على التعامل مع الصواريخ الحرارية المضادة للطائرات manpad ؟؟

      حذف
    3. نعم أخي فهد بالتأكيد ويدعى AN/AAR-57 كما يمكن تثبيت أنظمة أخرى مماثلة .. ثانياً ونتيجة كون الغازات الحارة الصادرة عن المحركات تعتبر هدفاً طبيعياً للصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء ، فإن المحركين في الآباشي مزودين بنظام إخماد للأشعة تحت الحمراء IR suppression system ، حيث يتم سحب الهواء الخارجي البارد عبر فتحات تهوية خارجية ، وينشر حول المحركين ثم يمزج ويخلط بغاز التوربين ، ومن شأن هذا أن يخفض حرارة الغازات الناشئة عن المحركات بدل إظهار البقعة الساخنة المعتادة في مثل هذه الحال .

      حذف
  2. هل الاباتشي مصفحة ؟

    ردحذف
    الردود
    1. بالتأكيد أخي .. فشفرات الدوار الرئيس تستطيع تحمل إصابة من قذيفة عيار 23 ملم ، أو طلقة خارقة للدروع عيار 12.7 ملم . أما الدوار الخلفي tail rotor فيتألف من مجموعتي صرر متأرجحة ، في كل مجموعة شفرتان متباعدتان ، بزاوية مقدارها 55 درجة ، بهدف تخفيض الضجيج والضوضاء ، وهو كالدوار الرئيس مقاوم للأضرار الناجمة عن الطلقات والشظايا . صمم هيكل المروحية Apache لتحمل أقسى الظروف الممكن مواجهتها في ساحة المعركة ، فالهيكل مصمم بحيث يستطيع مواجهة طلقات خارقة من عيار 12.7 ملم ، كما أنه مهيأ لمقاومة والصمود بوجه قذائف فردية من عيار 23 ملم . وحتى بعد إصابتها ، فالمروحية قادرة على مواصلة طيرانها لمدة 60 دقيقة ، تتمكن خلالها من العودة إلى قاعدتها . إن قدرات الاحتمالات هذه نابعة عن عدة مقاييس اعتمدت في تصميم الهيكل والأنظمة الداخلية ، ومن ذلك مثلاً مقاييس عزل وفصل المكونات الحساسة ، ومقاييس مقاومة أضرار الاصطدام التي قد تتعرض لها المروحية ، ومقاييس منع تسرب الوقود ووقاية الأنظمة الفرعية من آثار الحريق ، ومقاييس المواد التي لا تتأثر بفعل الصدمات ، وأخيراً التصفيح ، وقد جعل التصفيح في آخر القائمة ، لأنه ثقل ساكن ذو تأثير سلبي على رشاقة المروحية وأدائها ، ويأتي على حساب الحمولة الحربية . والتصفيح في المروحية مضاف في معظمه (نحو 99%) لحماية خزانات الوقود والطاقم ، فخزانات الوقود fuel tanks في المروحية ذاتية الانسداد بواسطة رغوة خاصة تقوم بسد الثقب الذي يظهر في الخزان بفعل طلقة من عيار 12.7 ملم . وفي حالة إصابة الخزان بثقب نتيجة طلقة خارقة من عيار 14.5 ملم ، فإنها تقوم بسد الثقب للحد الذي يحفظ للمروحية كمية وقود كافية للتحليق لمدة 30 دقيقة .

      حذف