13‏/1‏/2013

الاشتعال واستهلاك الوقود في محركات الديزلِ .


الاشتعـــال واستهـــلاك الوقـــود فـــي محركـــات الديـــزل


قد يتساءل البعض عن سبب تفضيل محركات الديزل على محركات البنزين للاستخدام في تسيير ودفع دبابات المعركة الرئيسة على الرغم من أن تصاميم محركات الديزل والبنزين الأساسية متماثلة ؟؟ لقد ذكرنا فيما سبق أن هناك اختلافان رئيسان بين تصميم محركات البنزين ومحركات الديزل . أولاً أن محركات البنزين تستخدم نظام الإيقاد بالشرارة spark ignition ، بينما تستعمل محركات الديزل نظام الإيقاد بالضغط compression ignition . في داخل المحرك ، الوقود يحترق لإصدار وتحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة حركية . وفي محركات البنزين تحديداً ، شمعة القدح spark plug تنتج شرارة لإشعال خليط البنزين والهواء . أما في محركات الديزل ، فإن الهواء يضغط إلى درجة حرارة عالية ، لذلك عندما غمامة أو رذاذ طفيف من الديزل يتم ضخه بواسطة الحاقن إلى الهواء المضغوط في غرفة الاحتراق ، فإن الحرارة المفرطة تتسبب في إشعال الديزل ، لهذا محرك الديزل يدعى أحياناً "محرك الإيقاد بالضغط" .الاختلاف الثاني يرتبط بحدود ومستويات نسب ضغط المحرك compression ratios . فلكي يصل الهواء ضمن حجرة الاحتراق في محرك الديزل إلى درجة حرارة كافية لحصول وتحقق آلية الإيقاد الذاتي ، فإن نسبة الضغط من الضروري أن تكون أعلى بكثير من تلك المتوافرة في محرك الإيقاد بشرارة . محركات الديزل مصممة للاشتغال في نسب الضغط الأعلى التي عادة ما تتراوح بين 16:1 إلى 24:1مع مستوى حرارة لنحو 900 درجة مئوية (درجة حرارة الإيقاد لمعظم مكونات وقود الديزل القابلة للاشتعال بسهولة هي فقط عند 250 درجة مئوية ، لذلك من السهل إدراك لماذا يحترق الوقود متى ما هو محقون بعد أن يرتفع المكبس في شوط الضغط compression stroke) ، وللمقارنة فإن محركات البنزين لها نسب ضغط أوطأ ، عادة ما بين 8:1 إلى 12:1 . وكما هو معروف فإن كفاءة المحرك تتناسب طرديا مع نسبة الضغط . ولتوضيح هذه الجزئية نقول أن نسبة الضغط في المحركات المكبسية هي النسبة بين حجم الاسطوانة وحجرة الاحتراق عندما يكون المكبس في أسفل شوطه ، وحجم حجرة الاحتراق عندما يكون المكبس في أعلى قمة شوطه . وللقارئ أن يتخيل اسطوانة وحجرة احتراقها مع المكبس وهو في أسفل شوطه محتوياً على 1000 سنتيمتر مكعب من الهواء (900 سنتيمتر مكعب في الاسطوانة زائداً 100 سنتيمتر مكعب في حجرة الاحتراق) . عندما المكبس ينتقل إلى أعلى قمة شوطه في داخل الاسطوانة ، والحجم المتبقي داخل الرأس أو حجرة الاحتراق يخفض ويقلل إلى 100 سنتيمتر مكعب ، فإن نسبة الضغط ستوصف بشكل متناسب على أنها تعادل 1000:100 ، أو بالتخفيض الجزئي 10:1هي نسبة الضغط . إن نسبة ضغط عالية مرغوبة لأنها تسمح للمحرك بانتزاع واستخراج طاقة ميكانيكية أكثر mechanical energy من كتلة معطاة من خليط الوقود الجوي وذلك بسبب كفاءتها الحرارية الأعلى .


ولكون المحركات ذات نسب الضغط الأعلى أكثر كفاءة حرارياً thermal efficiency ، فإن محركات الديزل لها عموماً كفاءة وقود أفضل من محركات البنزين . ولتشغيل عربة مماثلة في الحجم ، فإنه سيكون لمحرك الديزل أفضلية لنحو 30% أو أكثر في كفاءة الوقود مقابل محرك آخر يعمل بالبنزين . ولتبيان هذه الفكرة نقول أن محركات البنزين الحديثة لها كفاءة حرارية قصوى لنحو 25-30% عندما تستخدم على سبيل المثال لتشغيل المركبات تجارية . بمعنى أنه حتى عندما تعمل هذه المحركات عند مرحلة كفاءتها الحرارية القصوى ، فإننا نجد أن من إجمالي طاقة الحرارة الكلية المحررة والصادرة عن وقود البنزين المستهلك والمستنفذ ، فإن نحو 70-75% من هذه مطروحة rejected كحرارة دون أن تتحول إلى عمل حقيقي مفيد أو مجدي . تقريباً نصف هذه الحرارة المطروحة والمنبوذة تحمل بعيداً من قبل غازات العادم exhaust gases ، ونصفها يمر ويعبر عبر جدران الاسطوانة ، أو رأس الاسطوانة إلى نظام تبريد المحرك ، ومن ثم تعبر إلى الجو عن طريق نظام شبكة التبريد "الراديتر" radiator . أما في المحركات التي تستخدم دورة الديزل (دورة الديزل Diesel cycle هي دورة حرارية تستخدم في محركات الديزل الموقدة بالضغط ، حيث يتم إطلاق الوقود على هيئة رذاذ وبضغط عالي في الاسطوانة ، وعند هذه المرحلة يتم الإيقاد بدون شرارة) فإنها عادة ما تكون أكثر كفاءة وفاعلية ، على الرغم من أن دورة الديزل ذاتها أقل كفاءة من حيث نسب الضغط المساوية أو المضاهية ، ذلك لكون محركات الديزل تستخدم نسب ومعدلات ضغط أعلى بكثير (حرارة الضغط تستعمل لإشعال وقود الديزل بطيء الاحتراق) . تلك النسب العالية من الضغط تعوض كفاءة الدورة الداخلية الأوطأ ، بحيث تسمح لمحرك الديزل أن يكون أكثر كفاءة وفاعلية .


في الديناميكا الحرارية thermodynamics ، توصف الكفاءة الحرارية بأنها مقياس لأداة لابعدية تستخدم الطاقة الحرارية كما في محرك الاحتراق الداخلي لتوليد الطاقة الكهربائية والميكانيكية . والمصطلح يشير ببساطة إلى العلاقة بين الطاقة الكلية المحتوية والكامنة في الوقود ، وحجم الطاقة المستخدمة لأداء وانجاز عمل مفيد . ولمزيد من التوضيح حول هذه الجزئية نقول إن المحركات الحرارية تحول الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية أو عمل ، لكنهم عادة لا يستطيعون انجاز هذه المهمة بشكل مثالي ، حيث أن بعض طاقة الحرارة المدخلة سوف لن تحول إلى عمل كما هو مفترض ، لكنها سوف تبدد وتشتت كحرارة مهدرة ومهملة نحو المحيط الخارجي لبيئة التشغيل . هكذا فإن الكفاءة الحرارية لمحرك حراري هي النسبة المئوية من طاقة الحرارة heat energy التي تحول وتوجه إلى عمل منجز . وعدم الكفاءة هذه يمكن أن تنسب في بعض أسبابها إلى توفر أنواع معينة من المحركات لها حدود ومستويات منخفضة من الكفاءة بسبب عملية أو قابلية عدم الانعكاس irreversibility (لا يمكن إتمامها في الاتجاه العكسي) المتأصلة والمتلازمة لدورة المحرك المستخدم . سبب آخر يرجع للسلوك غير المتماثل للمحركات الطبيعية ، مثل الاحتكاك الميكانيكي mechanical friction والخسارة أو الفقدان خلال عمليات الاحتراق ، حيث تتسبب هذه في خسارة أكثر لعامل الكفاءة . على أية حال ودون الدخول في تفاصيل ميكانيكية ، محركات الديزل عملياً لها كفاءة أكثر لنحو 30-35% من محركات البنزين ، وذلك بسبب أن الوقود لا يقدم أو يدخل إلى حجرة الاحتراق حتى يكون مستلزم ومطلوب لعملية الاشتعال .


في الحقيقة السبب الرئيس للتوجه العام نحو محركات الديزل لتسيير ودفع دبابات المعركة الرئيسة وتفضيلها على محركات الإيقاد بالشرارة العاملة بالبنزين يرجع لقابليتهم على زيادة المدى التشغيلي والعملياتي operating range ، وذلك ناتج عن كفاءتهم الحرارية الأعظم ، وبالتالي استهلاكهم الأوطأ والأقل للوقود . بالنتيجة ، الاستهلاك الأدنى للوقود في المحركات الموقدة بشرارة ، المدارة والمشغلة بمزيج الوقود/الهواء المخفف والضعيف weak fuel-air mixtures يمكن أن يكون مخفضاً حتى 240 g/kWh (غرام لكل كيلووات بالساعة كمقدار للطاقة المولدة) ، لكنه بشكله العام يبلغ نحو 300 g/kWh . في حين أن استهلاك الوقود الأدنى لمحركات الديزل عادة لا يزيد عن 240 g/kWh ، ويمكن أن يبلغ فقط 200 g/kWh .. إن الاختلاف في استهلاك الوقود fuel consumption بين الدبابات المدفوعة بنوعي المحركات (الديزل والبنزين) عرض بشكل واضح في الاختبارات على الأراضي والتضاريس المختلفة التي نفذت مع دبابة أمريكية من طراز M48A2 مدفوعة بواسطة محرك AVI-1790 موقد بشرارة مع نظام حقن بالوقود Fuel injection (نظام تسليم الوقود الأساس في محرك الاحتراق داخلي بعد استبدال نظام الكربوريتر الأقدم خلال 80-1990) ودبابة أخرى من طراز M48A2E1 شغلت بمحرك ديزل من نوع AVDS-1790 ، حيث استهلكت محركات الدبابتين معدل من 9.2 و6.8 لتر لكل كيلومتر على التوالي (الدبابتين أعطيتا نفس حجم خزان الوقود) . هذه النتيجة عنت أن المدى التشغيلي للدبابة المدفوعة والمسيرة بمحرك ديزل كان أعظم بنسبة 35% من الدبابة المدفوعة بمحرك موقد بشرارة (محرك بنزين) . اختلافات وفروقات مماثلة عرضت وأثبتت لعملية استهلاك الوقود بين محركات موقدة بشرارة ونظيرتها محركات الديزل التي جهزت نسخ دبابة Scorpion البريطانية . متوسط استهلاك الوقود للنماذج الأولى المدفوعة بمحرك بنزين من نوع Jaguar J60 كان 0.65 لتر لكل كيلومتر ، في حين حقق محرك الديزل اللاحق لنفس الدبابة من نوع Perkins حقق متوسط استهلاك بلغ 0.49 لتر لكل كيلومتر على الطرق (استطاع توفير سرعة قصوى للدبابة حتى 80 كلم/ساعة ، وكان قادراً على توفير تعجيل من الصفر إلى 48 كلم/ساعة خلال 16 ثانية فقط) . هذه النتيجة عنت مرة أخرى أن المدى العملياتي للدبابة المدفوعة بمحرك ديزل كانت أعظم بنسبة 34% ، على الرغم من وزنه الأثقل قليلاً بالمقارنة مع نظيره محرك الإيقاد بالشرارة .

هناك 4 تعليقات:

  1. و ما هي الكفاءة التشغيلية للمحركات التوربينية في دفع الدبابات مثل دبابة M1A1 بالمقارنة بمحركات الديزل و البنزين؟

    ردحذف
    الردود
    1. الشاحن التوربيني أخي (أو النفاث كما في اللهجة العامية) ، هو عبارة عن أداة تستخدم الحث الجبري لضغط الهواء إلى محرك الاحتراق الداخلي لينتج عنه قدره حصانيه أعظم لحجم محرك معطى . فأثناء عمل محركات الاحتراق الداخلي التقليدية ، يتم سحب الهواء خلال أحد الأشواط عن طريق خفض المكبس وتوسيع الحجم المتاح داخل الأسطوانة مما يخلق منطقه ضغط منخفض low-pressure area . مقدار الهواء المستنشق والداخل في الأسطوانة حقيقة لا يكتمل ضغطه إلى مستوى مرتفع لقصر الوقت ، مما يخفض عملياً من الكفاءة الحجمية volumetric efficiency للماكينة التي تعمل بدورة مكونة من أربعة مراحل أو أشواط ، وهنا يأتي دور الشاحن التوربيني في تحسين كفاءة المحرك الحجمية بزيادة كثافة وضغط الهواء المستقطب إلى الاسطوانة في كل شوط سحب . هذه التقنية رفعت من أداء محركات الديزل ، فالميزة الرئيسة التي تحسب للشاحن التوربيني تشمل زيادة كفاءة الوقود fuel efficiency ، أو بمعنى أدق تحويل الطاقة الكيميائية الكامنة في محتوى مادة الوقود إلى طاقة أو عمل حركي .

      حذف
    2. أولا، أشكرك على الرد :) و ثانيا، أنا لا أقصد الشاحن التوربيني الذي يتم تركيبه على محركات الاحتراق الداخلي التقليدية لزيادة قدرة المحرك, أنا أقصد المحركات النفاثة التوربينية "Jet Engines" ،كالتي تستخدم في دفع الطائرات, فمثلا دبابة M1A1 abrams تستخدم محرك من طراز Honeywell AGT1500C* و الذي عُدل للطراز PLT27 بوزن أخف لدفع الطائرات!**, بالمقارنة بالنوعين الذين أسردتهما سلفا في مقالتك الرائعة، ما جدوى استخدام هذا النوع في دفع العربات القتالية والمجنزرات؟ وهل تم استخدامه سابقا في هذا المجال؟

      * و ** من ويكيبيديا

      حذف
    3. في البداية أعتذر عن سوء الفهم .. في الحقيقة أخي الكريم دراسة تطبيق التوربينات الغازية إلى الدبابات بدأت بحدود العام 1944 في ألمانيا ، حيث شغلت التوربينة الغازية الأولى في العالم طائرة Heinkel He 178 التي طارت في العام 1939 وبلغت سرعتها القصوى 598 كلم/س . العمل الألماني لم يتقدم كثيراً بعد التصميم الأولي للتوربين الغازي الذي قدرت قوة خرجه بنحو 1000 حصان ، وتوقف العمل بالمشروع مع نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا العام 1945 . الاستخدام الأول لمحركات التوربينة الغازية على العربات المدرعة كان أيضاً خلال الحرب العالمية الثانية ، عندما قام قسم التطوير في الجيش الألماني Heereswaffenamt (اختصار هيئة مدفعية الجيش) بدراسة عدد من محركات التوربينة الغازية لاستعمالها على الدبابات في منتصف العام 1944 . النوع الأول من المحركات حمل التعيين GT 101 (GT اختصار Gas Turbine) واكتمل تصميمه الأساس في شهر نوفمبر العام 1944 ويثبت على الدبابة الألمانية Panther ، لينتج بعدها عدة تصاميم طيلة مدة البرنامج ، بضمن ذلك GT 102 وGT 103 لكن أياً منها لم يستخدم بشكل عملياتي operationally .

      أما عن المزايا ، فيمكن القول أن محركات التوربينات الغازية تتمتع بعدة فوائد ومزايا على نظيرتها محركات الديزل ، هذه تتضمن (1) بداية تشغيل أسهل كثيراً في درجات الحرارة المنخفضة (2) نسبة عالية من القوة للوزن (3) عزم دوران مرتفع (4) صيانة أسهل وأجزاء محرك أقل (5) انعدام الحساسية تجاه تقديرات أو تصنيفات معدلات الأوكتين "octane" أو "السيتيتن" cetane في الوقود (6) استهلاك أوطأ بكثير من زيوت التشحيم (7) عملياً لا يوجد انبعاثات دخانية مرئية أو مرصودة (8) تشغيل عملياتي أهدأ ، والذي لا يخفض الإشارة الصوتية للدبابات المشغلة بواسطتهم فقط لكنه أيضا يقلل من عوامل الإجهاد والإرهاق بالنسبة للأطقم .

      حذف