30‏/1‏/2013

نعيق الغراب .. التجربة القتالية الأولى في أفغانستان .


نعيــق الغــراب .. التجربــة القتاليــة الأولــى فــي أفغانستـــان

 

شهدت الحرب السوفييتية في أفغانستان أول استخدام عملياتي لطائرة Su-25 التي لقبها السوفييت بإسم Grach وتعني "الغراب" Rook ، وذلك عندما أنتقل أول سرب جوي في تاريخ 19 يوليو من العام 1981 لقاعدة "شنداند" Shindand في غرب أفغانستان . انحصرت مهمة هذه الطائرات في توجيه الضربات الجوية للمواقع العسكرية الجبلية والمواقع الأخرى المسيطر عليها من قبل المجاهدين الأفغان ، حيث سلحت الطائرات Su-25 بالإضافة لتجهيزها الرئيس ، بحاويات مقذوفات غير موجهة من طراز UB-32A وB-8M1 ، التي زودت الطائرة بقابلية توجيه رشقات نارية مؤثرة لأهدافها أشبه بأداء بطاريات المدفعية . ويؤكد السوفييت أن طائرتهم العتيدة Su-25 أطلقت خلال أشواط ومراحل الحرب الأفغانية ما مجموعه 139 صاروخ موجهة guided missiles من مختلف الأنواع ضد مواقع المجاهدين الأفغان ، وأن معدل الغارات السنوية التي أدتها هذه الطائرات بلغ 360 غارة ، مما جعلها الأعلى مقارنة بأي طائرة سوفييتية أخرى شاركت في العمليات . وعند نهاية الحرب كان هناك نحو 50 طائرة Su-25 منتشرة في قواعد جوية أفغانية نفذت ما مجموعه 60.000 غارة ، ولم يفقد خلال كامل العمليات القتالية لهذه الطائرة على مدى سنوات الحرب التي شاركت بها (بين العام 1980 وشهر فبراير 1989) سوى 23 طائرة فقط . كما فقد عدد إضافي وجرى تحطيمه وهو على الأرض بقذائف الهاون والهجمات الصاروخية للمجاهدين ، كما حدث في يونيو 1988 عندما هاجمت قوات المجاهدين بالمدفعية الصاروخية مطار كابول ودمرت ثمانية طائرات Su-25 . خسارة ثلاثة وعشرون طائرة Su-25 في أفغانستان مثلت نحو 10% من جميع خسائر الطائرات ثابتة الجناح السوفيتية في أفغانستان . المعدل كان خسارة واحدة لكل 2,800 ساعة قتالية ، حيث قدر الملاحظين أن الطائرة كانت تحتاج لحوالي 80 ضربة لإسقاطها ، بينما طائرات الهجوم الأخرى أمثال Su-17 وMiG-21 يمكن أن تسقَط مع فقط 15-20 ضربة مباشرة . وبالقياس مع معايير حرب فيتنام ، فإن نسبة الخسارة هذه ما كانت مرتفعة جداً ، لكن بالنسبة للسوفييت كان هذا رقم خطير .


لقد وفرت لنا الحرب السوفيتية في أفغانستان الكثير من المعلومات حول التكتيكات السوفيتية لاستخدام قوتهم العسكرية . لقد سمحت هذه الحرب لمخططي الجيش السوفييتي تعلم العديد من الدروس والخبرات وتطبيق التكتيكات المختلفة ، وكذلك اختبار وتجربة العديد من الأسلحة . من أهم هذه الأسلحة والتكتيكات التي اختبرها السوفيت في أفغانستان كانت تلك المتعلقة بسلاحهم الجوي . ومع أن المروحيات كان العنصر الأساس لقوة سلاحهم الجوي في أفغانستان ، إلا أن السوفيت حرصوا على نشر واختبار قاذفاتهم المقاتلة fighter-bombers أوليا في عملياتهم الجوية على أفغانستان العام 1979 . لقد استخدمت هذه الطائرات في أدوار جو-أرض للقصف الشامل وبث الذعر وتدمير الأرض بقصد إرهاب أو تدمير الروح القتالية للمجاهدين . لقد أجريت هذه العمليات بالتنسيق والدعم المشترك للمروحيات الهجومية ، وفي الحقيقة بدا لهم الأمر فرصة لاختبار طائراتهم وتكتيكاتهم .


في بداية الحرب اعتمدت القوات السوفيتية على المقاتلة MiG-21 Fishbed ، حيث جهزت المقاتلة من ضمن تسليحها بمدفع ذو سبطانتين من عيار 23 ملم ، مع مخزن ذخيرة من 200 طلقة . كما زودت الطائرة بأربعة حاويات قذائف غير موجهه rocket packs من عيار 57 ملم ، وأربعة قنابل حرة السقوط ، اثنتان بوزن 500 كلغم والأخرى زنة 250 كلغم ، أو حمل أربعة صواريخ جو-أرض من عيار 240 ملم في تشكيل مهمة هجوم أرضي مثالية . الاستخدام التكتيكي لهذه الطائرة كان يعتمد على الاستخدام الزوجي pairs لها في الهجوم ، مع قيام كل منها بالهجوم على انفراد ، حيث تقوم كل طائرة بالتناوب في إطلاق صواريخها وقنابلها ، وبعد تحرير أسلحتها ، تعمد إلى إطلاق ثلاث مجموعات كل منها يتكون من أربعة شعلات خداعة حرارية decoy flares ثم ترتفع بعيداً ، الهدف بالتأكيد كان تجاوز وتفادي مخاطر الصواريخ الكتفية أمثال SA-7 وRedeye وStinger التي كان يستخدمها المجاهدين الأفغان . ومع ذلك أثبتت الطائرة MiG-21 فشلها في أفغانستان ، ولم تحقق ما كان يصبوا إليه السوفيت ، فصواريخ الطائرة أطلقت في أغلب الأحيان من مسافة 2000 م ، مما تسبب في عدم دقة ضرباتها ، أو محدودية تأثيرها ، كما أن العديد من القنابل التي أطلقتها MiG-21 ، أخفقت في الانفجار عند اصطدامها بالأرض ، بالإضافة إلى فشل العديد من القنابل العنقودية في الانتشار والتبعثر deploy and scatter . كما لوحظ أن التضاريس الجبلية الأفغانية (ارتفاعها قد يبلغ 10000ـ20000 قدم) التي كان يختبئ ويستتر بها أفراد المقاومة الأفغانية ، جعلت من الضربات الجوية غير مؤثرة وأقل فاعلية . وساهمت أسباب أخرى في فشل أداء ومحدودية تأثير المقاتلة MiG-21 ، منها كونها بالأصل طائرة قتال جوي ومناسبة لعمليات جو-جو ، ثانياً احتراف المقاومة الأفغانية لفن التملص والمراوغة عند شعورهم بقرب الضربة الجوية السوفييتية ، ثالثاً التضاريس الجبلية mountainous terrain ساهمت في توفير مواقع آمنة للمجاهدين ، قياساً بالمواقع الأرضية سهلة الرصد والوصول . واجهت MiG-21 مع سرعتها العالية صعوبة في عمليات الالتفاف والانعطاف خلال الوديان شديدة العمق والانحدار ، مما دفع الطيارين السوفييت للضغط على طائراتهم لتحصيل أعلى قدرات مناورة ممكنة . كما افتقرت المقاتلة السوفييتية لقدرات العمل الليلي أو في كافة الظروف الجوية .


لجأ السوفيت بعد ذلك وبسبب سوء أداء طائرة MiG-21 ، إلى طائرة الدعم الجوي القريب Su-25 Frog-foot المصممة لنفس استخدامات الطائرة الأمريكية A-10 ، حيث تميزت هذه الطائرة بقدرتها وقابليتها الممتازة على المناورة maneuver ability ، الذي مكنها الطيران وتوجيه الضربات في الوديان الصغيرة والممرات الجبلية التي كانت صعبة الوصول لطائرات الهجوم ثابتة الجناح الأخرى . واشتغلت Su-25 عادة في تشكيل زوجي pairs ، ففي حين تتولى طائرة واحدة الهجوم على الهدف ، فإن الطائرة الثانية كانت توفر غطاء أعلى ، وتحذر من التهديدات المحتملة ، مثل النيران المضادة للطائرات أو الصواريخ المطلقة من الكتف المضادة للطائرات . التشكيل المقاتل الآخر كَان يضم أربعة طائرة Su-25 . هذا التشكيل عمل كأزواج مقاتلة أحدهما للهجوم والثاني للدعم . كما عملت الطائرة في كثير من الأحيان بالتنسيق مع المروحية الهجومية Mil Mi-24 لتزويد قوة نيران ثقيلة ومعالجة الأهداف التي كان ليس بمقدور المروحيات معالجتها بمفردها ، وحققت معظم هجماتها بالقنابل الصماء dumb bombs والمقذوفات غير الموجهة . وفي آخر مراحل الحرب استخدمت صواريخ AS-14 Kedge الموجهة ليزرياً . كما جهزت الطائرة في أحيان كثيرة بحاويات مدافع خارجية ثنائية ، من عيار 23 ملم مع 260 طلقة لكل حاوية ، هذه الحاويات GSh-23 كانت منصوبة وهي تميل لأسفل الهيكل الطائرة لنحو 30 درجة ، كما كان يمكن تثبيتها للخلف من جسم الطائرة ، لتوفير حماية وتغطية نارية للطائرة Su-25 عند مغادرتها موقع الهجوم . في الحقيقة هذا الإجراء كان في كثير من الأحيان يعيق ويمنع المجاهدين من إطلاق النار على مؤخرة الطائرة ويجبرهم على الاختباء لفترة من الزمن (أشارت بعض التقارير لقيام السوفييت بوضع حاويتي المدافع بشكل متعاكس ، بحيث يرمي أحدهم للأمام والآخر للخلف) .


الاستخدام الأول بالأعداد الكبيرة للطائرة Su-25 حدث في أبريل العام 1984 ، عندما أطلقت القوات السوفييتة هجوم أرضي كبير باتجاه وادي بانشير Panjshir valley ، الموقع المدافع عنه ببضعة عشرات من الرشاشات الثقيلة . لقد كان هذا الموقع على درجة كبيرة من الأهمية الإستراتيجية ، حيث مثل خط المرور الرئيس لشاحنات الإمدادات من الإتحاد السوفيتي إلى العاصمة الأفغانية كابول Kabul . في أبريل من العام 1986 ، أثناء حملة Zhawar التي هدف السوفييت منها تحطيم قاعدة إمدادات المجاهدين الأفغان مع الحدود الباكستانية ، استخدمت طائرات Su-25 خلالها لأول مرة القنابل الموجهة ليزرياً ، حيث وجهت هذه الأسلحة وكذلك القنابل العنقودية نحو مواقع الثوار المحصنة في الكهوف . ومع تزايد وتوسع عمليات استخدام الطائرة ، دخلت أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف ، مثل الأمريكي Redeye لساحة المواجهة ، وعاني السوفيت من بعض الخسائر . ففي العام 1984 فقدت طائرتي Su-25 عندما استخدم المجاهدون الصاروخ Redeye . لاحقاً ، في أكتوبر 1986 ، الدفعة الأولى التي ضمت نحو 200 صاروخ "ستينغر" FIM-92 Stinger المضادة للطائرات سلمت للمقاتلين الأفغان . النظام ستينغر كان سلاح أكثر قتلاً من سابقه Redeye ، فباحثه كان حساس بما فيه الكفاية للتصويب على الهدف في مدى أوسع من الزوايا . رأسه الحربي كان أكثر فعالية وهو يميل للانفجار بشكل أقرب إلى الطائرة المهاجمة ، مما يزيد ويضاعف من تأثيره . باحث الصاروخ كان لديه أيضاً نظام ترشيح فعال لمنع خداع القذيفة بأنواع الشعلات المتوهجة ، التي قلصت في المقابل من قدرات النظام الروسي المشابه SA-7 Grail .. لقد لاحظ السوفيت أن المحركات الموضوعة بالقرب من بعضها البعض في Su-25 كانت تتسبب بخسارة الطائرة بكاملها عند إصابة واشتعال احدها ، وفي إحدى مراحل الحرب ، فقد السوفيت أربعة طائرات Su-25 خلال يومين فقط مع مقتل طياريها . لقد دفع هذا الأمر مصممي شركة سوخوي لدراسة قدرات الطائرة من جديد ، وإدخال عدة تعديلات لتحسين قابلية بقاء الطائرة ، خصوصاً عندما اكتشفوا أن صاروخ ستينغربعد إصابته لأحد المحركات ، فأنه يشعل خزان الوقود الموجود جهة اليمين ، فوق عادم النفاث ، مما يسبب باشتعاله وتدمير كلا المحركين . لذلك قرر مهندسو الطائرة ، وضع صفيحة فولاذية تحت خلية الوقود لتوفير حماية إضافية . التعديل الأخر كان تثبيت صفيحة فولاذية بين المحركات ، لحماية المحرك من الاحتراق بعد إصابة الآخر . وعلى الرغم من تضاعف الإصابات الخطيرة للطائرات Su-25 في المعركة نتيجة الصواريخ الكتفية المضادة للطائرات أو النيران الأرضية ، إلا أن العديد منها استطاع العودة بمحرك شغال واحد ، أو حتى مع الكثير من الثقوب التي غطت أجنحتها وهيكلها .

هناك تعليق واحد:

  1. فعلا فعلا موضوع روعه تسلم اناملك على هل موضوع المفيد

    اتمنى الموضوع المقبل يكون فيه اشياء تخص الجيش الاردني

    تحياتي

    ردحذف