25‏/11‏/2015

معركة السلطان يعقوب وقصة الإختبارات السوفييتية للقذيفة M111 Hetz >

معركــة السلطــان يعقــوب وقصــة الإختبــارات السوفييتيــة للقذيفــة M111 Hetz


في 10 يونيو من العام 1982 ، أثناء عملية سلام الجليل Peace for Galilee ، أطلقت القوات الإسرائيلية هجوماً ضد القوات السورية يعتقد بأنه هيأ لهجوم مضاد على طول الطريق السريع الإستراتيجي . عندها قامت عناصر من كتيبة الدبابات الإسرائيلية 362d بالدخول لبلدة لبنانية تسمى "سلطان يعقوب" Sultan Yakoub ، فعملت القوات السورية الكامنة بالبلدة على مشاغلة الدبابات الإسرائيلية المتقدمة من طراز Magach-3 (تطوير إسرائيلي للدبابة الأمريكية M48A3) واشتبكت معها في معركة عنيفة . لقد كانت نيران المقاومة المضادة كثيفة جداً ، حتى أن العناصر المتقدمة الرئيسة لكتيبة الدبابات الإسرائيلية كانت مشتتة وتمت أحاطتها surrounded عملياً بالقوات السورية الأكثر تنظيما . القتال استمر طوال ساعات الليل مع القوات الإسرائيلية ، التي تعرضت للقصف بنيران فعالة ومنسقة مباشرة وغير مباشرة ، ناهيك عن الدعم الجوي القريب بطائرات MiG-21 . إضافة إلى ذلك ، استعان السوريين بعدة فرق لصيد الدبابات antitank teams التي استخدمت مقذوفات الدفع الصاروخي RPG ، وكذاك صواريخ ميلان Milan الفرنسية الموجهة المضادة للدبابات .. أخيراً ، في صباح يوم 11 يونيو وبعد قتال حاد ، أدرك الإسرائيليون فرصتهم للانسحاب من ساحة المعركة وبدءوا بالتحرك والهروب السريع . واستطاعت بقايا الكتيبة الإسرائيلية التسلل والعودة للخطوط الإسرائيلية التي كانت تبعد عنها مسافة خمسة كيلومترات . وتذكر بعض المصادر ، أنه مع زوال دخان وغبار المعركة ، تبين أن القوات الإسرائيلية تركت خلفها على الأقل ثمانية دبابات Magach-3 (تم أسرها أو تحطيمها) في ساحة المعركة . بعد ذلك ببضعة ساعات ، المراسلون الغربيون الذين كانوا يغطون العمليات القتالية من الأراضي السورية ، تحدثوا عن أمر مهم ومثير أمكنهم رؤيته آنذاك في العاصمة السورية دمشق ، فلم يهدر السوريون وقتهم وقاموا بعرض واستعراض أحد دبابات Magach-3 الإسرائيلية المستولى عليها في شوارع عاصمتهم سويتاً مع طاقمها المأسور captured crew . وعلى الرغم من أن أعداد الدبابة Magach-3 المستولى عليها في معركة السلطان يعقوب لا يزال مجهول ، فإن ثلاثة من الدبابات الإسرائيلية جرى تفسير وتوضيح وجهتها النهائية ، ومن هنا حقيقتاً بدأت القصة .

أحد هذه الدبابات الثلاثة عرضت أمام الزوار في متحف تشرين العسكري في دمشق Teshren museum
 ، واحدة أخرى عرضت علناً في المتحف التاريخي العسكري الروسي للعربات المدرعة والأسلحة في "كوبينكا" Kubinka ، أما الدبابة الثالثة فقد سلمت في الحقيقة مع دبابة أخرى إلى السوفييت في العام 1982-1983 ، وقد قيل أنها تعرضت للتحطيم والتدمير أثناء اختبارات إطلاق نار حية fire testing سرية أجريت من قبل السوفييت . فقد كانت مثل هذه الاختبارات إجراءاً قياسياً للمعدات المأسورة والمكتسبة ، حيث كان السوفييت يجرون اختباراتهم في موقع كوبينكا منذ العام 1936 . ومع الاهتمام السوفييتي بهذه التجارب ، فقد كان الجميع مدرك حقيقة كون الدبابات Magach-3 لا تمثل أحدث ما هو متوفر في ذلك الوقت ، ولم تكن حتى الدبابات الإسرائيلية الأكثر حداثة المستخدمة خلال عملية سلام الجليل . مع ذلك ، الكسب السوفييتي الأكيد والربح الأكثر أهمية بكثير من عينات الدبابات ذاتها ، كانت مفاجأة السوفييت بحصولهم على ذخيرة الدبابات الإسرائيلية عيار 105 ملم وهي سليمة في داخلها عندما وصلت كوبينكا !! لقد صدم السوفييت واندهشوا بشكل حرفي للكلمة عند اكتشافهم أن الشحنة المستلمة من سوريا كانت تتضمن مقداراً غير محدد من ذخيرة القذائف الحديثة وقتها من نوع M111 Hetz الخارقة للدروع المستقرة بزعانف APFSDS . في العام 1982 ، بدا من الأهمية العظمى استغلال واختبار هذه الذخيرة من قبل السوفييت ، خصوصاً مع ماكينة دعايتهم الخاصة التي زودت إدعاءات مثيرة نقلاً عن أطقم الدبابات السورية المنتصرة وهم يعانقون hugging دروع دباباتهم السوفييتية حديثة التصميم من طراز T-72 التي نجت من نيران مقذوفات الدبابات الإسرائيلية نوع "ميركافا" Merkava على ما يقال وذخيرتها الجديدة M111 .

الحصول على قذائف الطاقة الحركية من عيار 105 ملم كان فرصة غير متوقعة للسوفييت للسماح لهم ليس فقط لاختبار أداء الذخيرة M111 ضد دباباتهم الخاصة ، لكن لتقرير وتحديد تأثيرها أيضاً تجاه دروع الدبابات التي كانوا يصدرونها بشكل نشيط إلى العديد من حلفائهم حول العالم ، بضمن ذلك الدول الصديقة في الشرق الأوسط . القذيفة M111 Hetz طورت وأنتجت من قبل الصناعات العسكرية الإسرائيلية IMI في منتصف السبعينات لصالح الدبابات M48/M60 . هذه الذخيرة ذات الخرطوشة النحاسية أو الفولاذية من عائلة مقذوفات الطاقة الحركية الخارقة للدروع المثبتة بزعانف النابذة للكعب المجهزة بخطاط APFSDS-T ، حيث أطلق عليها مع بداية ظهورها اسم "القذيفة السهم" arrow shell . هي طورت أصلاً لكي تطلق من المدافع المحلزنة L7 و M68، وبسبب فاعليتها آنذاك وسرعة فوهتها العالية التي بلغت 1,455 م/ث ، حصلت بعض الدول كسويسرا وألمانيا على رخصة إنتاجها وعرفت باسم DM 23 (تصنيعها من قبل شركة Diehl في العام 1978) .

أجرى السوفييت اختباراتهم السرية على الذخيرة M111 على ما ذكرته بعض التقارير في موقع كوبينكا العام 1982 ، وتضمنت الاختبارات إطلاق قذائف حيه على دبابة سوفييتية من طراز T-72A (النسخة T-72A التي قدمت العام 1979 كانت في الحقيقة تطوير جديد للسوفييت وكانت مميزة لدى منظمة حلف شمال الأطلسي تحت اسم M1981/3) . وطبقاً للمصادر الروسية الموثقة ، فقد أكدت هذه الاختبارات قدرة خارق القذيفة M111 على اختراق وثقب صفائح التدريع الخاصة بمنحدر هيكل الدبابة الأمامي glacis armor من مسافة 2000 م ، لكن ليس دروع مقدمة برج الدبابة T-72A . التقديرات المختلفة حول الجزء الأعلى لمقدمة الهيكل في الدبابة T-72A كان تتحدث عن مكافئ لنحو 360-420 ملم من الفولاذ المتجانس تجاه المقذوفات الثاقبة ، ونحو 490-500 ملم تجاه ذخيرة الشحنة المشكلة .. لقد صدم هذا الأداء المتفوق superior performance الخبراء السوفييت ، خصوصاً وأنهم كانوا واثقين لحد اليقين أن الدروع الأمامية لدبابات T-72A في كلاً من منطقتي البرج ومنحدر الهيكل كانت محصنة تجاه الذخيرة الغربية الشائعة آنذاك من عيار 105 ملم ، لكن القذيفة الإسرائيلية M111 أثبتت وهم وخطأ هذا الاعتقاد . لقد أدرك السوفييت أهمية التحرك سريعاً لمواجهة النتائج الجديدة ، فإذا تسربت القابليات الحقيقية لقذائف M111 إلى حلفائهم ، خصوصاً البلدان شرق أوسطية المعادية لإسرائيل ، فإن إمكانيات التصدير وأهمية الدبابة T-72 بجميع مغايراتها ستكون محل شك وارتياب . فسعى السوفييت بجدية بعد هذه الاختبارات لتطوير عنصر الحماية السلبي لدباباتهم . الحل السوفيتي شمل في أحد أوجهه إعادة تصميم الصفائح المنحدرة الأمامية لهيكل دبابة المعركة الرئيسة T-72A بشكل محدد على أمل هزيمة ودحر الذخيرة M111 . فحتى تاريخ الاختبارات في كوبينكا ، كانت سلسلة الدبابات T-72 محمية في مقدمة هياكلها من قبل ترتيب يضم ثلاثة طبقات تصفيح منحدرة بزاوية 68 درجة في مقطعها الأعلى و60 درجة في مقطعها السفلي (هذا الترتيب في زمنه كان مثالي ومتفوق على الآخرين من حيث المفهوم) حيث سعى المصممين السوفييت منذ البداية إلى تصعيد زاوية الانحدار وزيادتها بقصد تعزيز احتمالات انزلاق أو ارتداد مقذوفات APDS الغربية عن مقدمة هيكل الدبابة . السوفييت قرروا الإبقاء على هذا التصميم ، لكن مع زيادة عدد صفوف أو طبقات الوقاية في أعلى مقدمة الهيكل من ثلاثة إلى خمسة طبقات five-layer array . حيث شمل الترتيب الجديد طبقتان خارجيتان من الفولاذ عالي التصليد ، طبقتان متوسطتان من اللدائن المسلحة بألياف الزجاج ، وطبقة أخيرة واحدة من الفولاذ عالي التصليد . زيادة إلى ذلك ، في شهر يوليو العام 1983 أضاف المصممين السوفييت صفيحة فولاذية عالية التصليد HHS بسماكة 16 ملم إلى الطبقة الخارجية للمنحدر الأمامي glacis ، وفرت حماية منظورة لخط البصر حتى 43 ملم . الدبابة T-72A المحدثة حملت بعد هذه الإضافات التعيين الرسمي T-72M1 وقدمت العام 1983 ، وكانت مغاير التصدير الأول بالدرع المركب composite armour الذي يتضمن طبقة مركزية من القضبان أو حواجز الرمل Sand-bars التي حصرت بإحكام في تجاويف برج الدبابة .

على الجانب الآخر ومن سخرية القدر ، الإسرائيليون عزموا بعد أن بلغتهم نتائج الاختبارات السوفييتية ، الاحتفال بنجاح أداء قذيفتهم M111 Hetz ، وقرروا تسويقها عالمياً كقاتلة مجربة ومبرهنة لدبابة T-72 . وأظهر الجيش الألماني اهتماما بالقذيفة الإسرائيلية الجديدة وقرر تبنيها لصالح قواته المدرعة في العام 1983 تحت مسمى DM-23 (لسوء حظ الإسرائيليين والبلدان الأخرى التي تبنت الذخيرة M111 ، فإن السنوات التي تلت نجاح القذيفة الجديدة شهدت أيضاً انتشار الدبابة السوفييتية T-72M1 المحمية بدروع مصممة خصيصاً لمواجهة ودحر القذيفة الإسرائيلية) . عموماً نجاح وصمود دروع هذه الدبابة لم يدم طويلاً ، فقابليات القذائف الغربية الخارقة للدروع ، وكما هو حال منظومات الأسلحة الأخرى التي طورت خلال زمن الحرب الباردة ، تعاظمت كثيراً وتزايدت قدراتها على اختراق وثقب صفائح التدريع ، لتعيد من جديد سباق الصراع بين الرمح والدرع لمربعه الأول .

هناك 4 تعليقات:

  1. ربما تكون معركة السلطان يعقوب أخر معركة للجيش السوري ضد الإسرائيليين,,

    ردحذف
  2. ما الفرق الهجوم المضاد والهجوم المعاكس والهجوم الايذائي؟

    ردحذف
  3. الهجوم المضاد Counterattack هو نفسه الهجوم المعاكس وتعريفه في الويكيبيديا أنه تكتيك عسكري تستخدمه القوات المدافعة عن طريق دفع كل أو بعض قواتها لمهاجمة قوات العدو التي تهاجم قطاعتها، الهدف الأساسي من الهجوم المضادة هو احباط هجوم العدو أو استعادة الأراضي التي كانت قد خسرتها في ميدان المعركة.. أما التعبير الآخر فلم أسمع به من قبل .. تحياتي .

    ردحذف