9‏/9‏/2012

الدعم الناري المدفعي في التضاريس الحضرية .

الدعم الناري المدفعي في التضاريس الحضرية


المهمة الرئيسة والأكثر صعوبة بالنسبة للمدفعية ، هو الاضطلاع بدور مؤثر وحاسم ضد الدفاعات المعادية المضادة للدبابات وتوفير الدعم الناري الفعال . ففي البيئات المفتوحة يمكن للمدفعية أن توجه نيرانها ضد الخطوط الأمامية للدفاع ، بحيث تدمر الأسلحة المضادة للدروع المكشوفة أو المتخندقة ، أما في البيئات الحضرية والممدنة urbanized terrain فإن معظم الأسلحة المضادة للدروع تكون مخفية بشكل جيد تحت الأرض ، أو في المباني والإنشاءات الهيكلية المنتشرة في المدينة ، ولهذا يصعب تعيين الأهداف ، فمعظم الأهداف تمت تغطيتها من قبل العدو ، كما أن الممرات وطرق الحركة تم إخفاءها بعناية . فالعدو متحصن فوق قمة السقوف والأسطح للمباني المنتشرة ، وقد يستخدم مجاري الصرف الصحي أو الأنفاق للتنقل بين مواضعه (هنا يبرز دور وأهمية المراقبين الأماميين forward observer للاستطلاع وتحري مواضع الكمائن المحتملة) . ولذلك ينبغي تحديد واختيار نمط النيران المناسب لكل مهمة ، سواء المباشرة منها Direct Fire ، أو غير المباشرة Indirect Fire ، وكذلك اختيار الذخيرة الملائمة لمواجهة هذا التحدي .


ويمكن للمدفعية ابتداء أن تتمركز خارج أو في أطراف المدينة ، لتبدأ في دعم الهجوم المتقدم بنيرانها الكثيفة ، حيث يرتبط دور المدفعية في عمليات الدعم الهجومي Offensive Support بشكل عام ، بالمحافظة على زخم الهجوم والمحافظة على تحركات القوات الصديقة ، واستخدام نيران المدفعية لتمزيق وتشتيت دفاعات العدو المنظمة ، وكذلك توجيه نيران مركزة لعزل منطقة الهدف ، ودعم تقدم وهجوم الوحدات الصديقة assault support ، ودعم عمليات التطهير اللاحقة للمناطق التي تم الاستحواذ عليها ، وكذلك عزل وحرمان العدو من طرق وممرات التقرب للمواقع الصديقة . وينبغي الإشارة هنا لأهمية استخدام القذائف شديدة الانفجار بصمامات التأخير delay fuzes ، بهدف تطهير أسقف المباني بشظايا الانفجارات الجوية من القناصة وحاملي القذائف الكتفية المضادة للدروع (ينعدم تأثيرها عند اللجوء للأدوار السفلى) . أما في أدوار الدعم الدفاعي Defensive Support فإن المدفعية تعمل كامل جهدها في عرقلة وإبطاء تقدم الوحدات المعادية المدرعة أو من المشاة ، وتسلم هذه النيران عند أقصى مدى ممكن بهدف فصل وعزل الدروع والدبابات المعادية عن المشاة الداعمين لتحركها ، وإعاقة استخدام وسائل الاتصالات ووسائل النقل ، ومن ثم توجيه مركز الهجوم المعادي نحو مناطق القتل killing zones الصديقة والحليفة .


في التضاريس والبيئات الحضرية ، توفر المباني والإنشاءات مواضع غطاء و إخفاء ممتازة عن نظر ورصد العدو ، في ذات الوقت تعمل هذه على تقييد وتحديد قدرات القوات الصديقة على المراقبة (كما هو الحال مع المباني المرتفعة التي تعيق تسليم النيران غير المباشرة) . وتُعرض الأهداف في هذه التضاريس بشكل قصير وسريع ، وفي أغلب الأحيان بالقرب من مواقع القوات الصديقة ، مما يصعب معه من عملية اكتساب الأهداف . وهذا حقيقتاً ما حدا بالكثيرين للقول أن توظيف مدفعية الميدان في أنماط النيران المباشرة وغير المباشرة ، خلال القتال في التضاريس الحضرية يرتبط بعدة معوقات يجب النظر إليها قبل تقرير شكل الدعم الناري المطلوب ، ففي نمط الرمي غير المباشر تكون هذه النيران غير فعالة تجاه الأهداف المدرعة بسبب تراكيب البناء والجدران والإنشاءات ، فتميل القذائف للاصطدام بالأسقف والأدوار العليا بدل الارتطام بأهدافها المدرعة على الأرض ، مما يعني الحاجة لإنفاق حجم كبير من الذخيرة لإصابة هدف واحد . كما تتسبب المباني المرتفعة في خلق وإحداث منطقة ميتة dead space ، والتي تعني المنطقة التي لا تستطيع بها النيران غير المباشرة الوصول لمستوى الشارع ومشاغلة الأهداف منخفضة الارتفاع ، كالدبابات والعربات المدرعة الأخرى ، بسبب المباني المرتفعة ، وزاوية سقوط القذيفة projectile angle fall ، ولذلك تعتبر هذه المنطقة ملجأ آمن للعدو . وعادة ما تعادل المنطقة الميتة لرمي قذيفة مدفع قوسي عيار 155 ملم بزاوية منخفضة ، نحو خمسة مرات أكثر من ارتفاع المبنى الذي يجلس خلفه الهدف .


أما في نمط الرمي المباشر Direct Fire ، فيجب أن نعلم حقيقة أن المدفعية ذاتية الحركة Self-propelled لا تمتلك الحماية المدرعة الثقيلة كتلك التي تمتلكها الدبابات ، لكنهم يستطيعون العمل في البيئات والتضاريس الحضرية متى ما تم تأمينهم بشكل كافي بواسطة المشاة . ولذلك ينبغي أن تكون الاستعانة بالمدفعية في دور تأمين الدعم الناري المباشر direct-fire support بناء على دراسة وتحليل الحاجات الملحة للنيران الثقيلة . وعلى الأغلب في المعركة الحضرية urban combat ، تستطيع المدفعية في هذا النمط من النيران ، تعزيز ودعم reinforce مدافع الدبابات تجاه الأهداف الصلبة والقوية والأهداف المدرعة المعادية ، حيث تستطيع القذائف شديدة الانفجار توفير نيران ذات تأثير مدمر devastating affect واختراق أكثر من 90 سم من الأهداف الخراسانية والإنشائية من مسافة 2.200 م ، وبالتأكيد فإن تأثير الشظايا سيكون عنيفاً على الأهداف المدرعة ، خصوصاً الأجزاء خفيفة التدريع .


تجربة المعارك الحضرية الروسية في الشيشان عامي 94-1995 ، أظهرت أن نيران المدفعية المباشرة Direct-fire قد تكون أداة مفيدة في هذا النوع من أنماط القتال ، فعندما اقتحمت القوات الروسية العاصمة غروزني Grozny اكتشف الروس صعوبة استخدام المدفعية في نمط غير المباشر ، بسبب تواجد المباني العالية ونقص الأفراد المتخصصين في توجيه النيران ، هم واجهوا أيضاً صعوبات تقنية في أسلحتهم الرئيسة كالعربات المدرعة والدبابات ، التي عجزت عن التعامل مع فرق القناصة ومطلق قذائف RPG من الطوابق العليا للأبنية ، وهكذا استخدم الروس المدفعية القوسية Howitzer وراجمات الصورايخ ومدافع الهاون الآلية عيار 82 ملم في توجيه نيران أسلحتهم ، وفي أحيان كثيرة من مديات لا تتجاوز 150-200 م .

ورغم أن الجيش الروسي امتلك ذخيرة مدفعية دقيقة التوجيه ، يمكنها تسديد ضربات جراحية دقيقة ، أمثال القذيفة الموجهة ليزريا Krasnapol وقذائف الهاون الموجهة نوع Smelchak ، إلا أنها لم تستخدم ، وذلك لاقتناع القيادات الروسية العليا بعدم جدوى استقدام ذخيرة باهظة الثمن لكي تهدر wasted في الشيشان . كما أن القادة الذين لجئوا إلي تكتيكات نيران الدعم المباشر من مديات لا تتجاوز 200 م ، أفادوا أن الدقة المطلوبة لهذه المديات يمكن بلوغها بقذائف المدفعية التقليدية ، دون الحاجة لقذائف موجهة .


وفي الوقت الذي أصبح فيه سلاح المدفعية يمثل هذه الدقة العالية ، فقد طورت في الجانب المضاد ، أنواع من الرادارات الحديثة ، سوف تؤدي إلى الحد من خطورة هذا السلاح ، تجاه القوات المدرعة وتلك المرافق لها . وترسل هذه الرادارات الراصدة حزماُ من الأشعة المستوية ، لزاوايا مختلفة من هوائيات البث فيها ، وحين تقطع قذيفة معادية تلك الأشعة ، تتولد مجموعة من إحداثيات تحديد المكان ، تندفع إلى كمبيوتر الرادار الذي يقوم بحساب المسار الباليستي للقذيفة (يشير مصطلح ballistics لأسلوب وسلوك القذيفة projectile behavior خلال مرحلة الطيران) ويحدد مركز الإطلاق بالضبط ، ويتم الحصول على هذه المعلومات في بضع ثوان ، حتى قبل تسقط القذيفة الأولى ، خصوصاُ إذا كان بعد المدفع المهاجم 8000 م أو أكثر من ذلك . لقد فرضت هذه التكنولوجيا ، على سلاح المدفعية أتباع تكتيك (الإطلاق المتحرك) لأن كل قذيفة تطلق تنبؤ بمكان المدفع ، فيصبح بعد ذلك البقاء في مركز الإطلاق ، لأكثر من ثوان معدودة محفوفاُ بالخطر ، ومن هنا كان من الضروري أن تكون كافة بطاريات مدافع المستقبل ، ذاتية الحركة (بحيث تتوفر لها إمكانية الحركة لمسافة 12 م في بضع ثوان بعد كل عملية إطلاق) .

8‏/9‏/2012

الصواريـــخ المضـــادة للـــدروع .. الجيل الثالث .

               الصواريـــــــخ المضـــــــادة للـــــــدروع .. منظومات الجيل الثالث


غالباً ما يطلق على منظومات الصواريخ المضادة للدروع من الجيل الثالث اسم "أطلق وأنسى" Fire and Forget ، وهذا يعني لا حاجة للتفكير في شيء بعد القيام بعملية الرمي لأن التوجيه ومن ثم الإصابة ستكون محققة بحيث يكون للمشغل بعدها حرية التراجع retreat . لكن هذه القيمة حقيقتا لا تتصف بالشمولية بالنسبة لجميع قذائف هذا الجيل ، فلا يزال العديد منها يعتمد على مهارة المشغل وتأكيده على متابعة الهدف وحتى إصابته ، وكما هو الحال مع المنظومات ذات التوجيه نصف النشيط semiactive homing . لقد انصب التغيير في أنظمة الجيل الثالث بالدرجة الأولى على تقنيات البحث واللواقط seekers ، حيث أحدثت الالكترونيات الدقيقة microelectronics والرقائق الإلكترونية electronics chip ، ثورة في تصميم واستخدام نظم توجيه الأسلحة ، وأضافت هذه بعداً جديداً لسيناريو معركة الصواريخ والذخيرة المضادة للدبابات ، وفرض التقدم التقني قابليات تشغيلية مميزه لمنظومات هذا الجيل ، كفلت لها تحقيق نتائج أكثر قيمه مما حققته سابقاتها ، حتى قال أحدهم "إن المعركة بين جهابذة مصممي الدبابات ومصممي قاتليها ، دخلت جولة أخرى جديدة" . وأصبح بإمكان معظمها العمل في مختلف الظروف الجوية الصعبة ، في الوقت الذي كان فيه استخدامها في مثل هذه الظروف معقداً إن لم يكن ضرباً من المستحيل .


لقد أدى التقدم السريع ونمو التقنيات فيما يتعلق بمنظومات الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات خلال العقود الأربعة الماضية ، إلى تغيير شامل في سيناريو الحرب ضد الدبابات antitank warfare ، وانتشرت مفاهيم أكثر وضوحاً وعمقا حول أهمية استخدام هذه الأسلحة التكتيكية ، وساهمت عدة عوامل حقيقتاً في إحداث هذه التغييرات ، أهمها :

(a) المراقبة المستمرة والمتزايد increasing surveillance وقدرات اكتساب الأهداف وتمييزها وتعريفها ، وذلك باستخدام المجسات الكهروبصرية ، ضاعفت من قابليات التصويب والاشتباك الناجحة في الليل والنهار وفي معظم الظروف المناخية لساحة المعركة . أضف لذلك تحسن قابليات الاستطلاع والمراقبة عبر الأقمار الصناعية ، بحيث أصبح بالإمكان رصد حركة التشكيلات المدرعة بسهولة نسبية عما سبق .

(b) التقدم في علم الالكترونيات الدقيقة microelectronics سمح بأنماط بحث وتوجيه مصغرة ، بالإضافة إلى تنامي استخدام معالج الإشارات/الصور الفورية ، وكذلك أنظمة الطيران الرقمية الآلية والمجسات اللاقطة . جميع هذه التجهيزات وغيرها سكنت في فضاء صارم ومقيد stringent space دون إرباك قيود الوزن والحجم لمنظومة الصاروخ ، بهدف جعله أكثر قابلية للحمل والنقل . وفي حين كانت قذائف الجيل الأول والجيل الثاني كانت تتحصل على الحد الأدنى نموذجياً في داخلها من الإلكترونيات لترجمة وتفسير الأوامر المستلمة من خلال سلك التوجيه والتي ترسل بعد ذلك إلى المشغلات الميكانيكية actuators ، فإن منظومات الجيل الثالث في معظمها تعمل بنمط مستقل ، لاشتمالها على معالج دقيق للتوجيه وكمبيوتر للسيطرة ، يؤديان جميع وظائف التحكم أثناء طيران الصاروخ ، باستثناء عملية الاكتساب الأولي للهدف initial acquisition الذي يؤديه المشغل ويسلمه آلياً لباحث الصاروخ .

(c) الحاجة لتقليل زمن التعرض والانكشاف exposure time لمنصات إطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للدروع ، أو وقت التواجد في منطقة الهدف العدائية ، أدى لظهور منظومات بقابلية "أطلق وأنسى" fire and forget ، مما ساهم بشكل أكبر في تعزيز حماية أطقم الاستهداف . كما سجلت خطوات جدية وملموسة في مجال مواجهة الإجراءات المضادة الكهروِ-بصرية electro-optical countermeasure وقابليات الإعاقة والتشويش ، وباتت الصواريخ المضادة للدروع أكثر تحصيناً ومقاومة لأنماط هذه الوسائل .


وفي الوقت الذي قللت فيه مقذوفات الجيل الثالث الموجهة المضادة للدروع من خطر النيران المعادية والمضادة على مشغليها ، فإنها في المقابل تعاني من معضلة الكلفة Cost-effectiveness مما يجعلها خياراً صعباً للكثيرين . ولصياغة ذلك بصورة مبسطة ، نقول إن المرء يأمل بكسب المعركة ، ولكن في نفس الوقت يجب أن يكون قادراً على تغطية نفقات ذلك المكسب . فمع ذات التقدم والتطور التقني ، فإن القابليات التشغيلية لأنظمة هذه الصواريخ ومنصات إطلاقها ، خصوصاً تلك المرتبطة والمثبتة على العربات المدرعة والمروحيات ، زادا إلى حد كبير ، وبالتالي ارتفعت أيضاً كلف نفقاتهم بشكل متزامن gone up costs . إن القيمة النسبية لمنصة إطلاق صاروخ مضاد للدروع من الجيل الحالي ، تبلغ نموذجياً أكثر من 30 ضعف قيمة الصاروخ ذاته . لذلك ، الكلفة العالية لمنصات الإطلاق firing platform بالإضافة للأطقم المدربة والقذائف المحمولة ، أوجدت الحاجة لضمان أن تكون مستويات الاستنزاف والاستهلاك attrition levels لمثل هذه المنصات مقبولة ورخيصة إلى القوات المستخدمة . لقد تطلب الأمر تحديد واختصار زمن تعرض وانكشاف منصة الإطلاق وكذلك طاقم التشغيل إلى الفترة الزمنية الضرورية الدنيا ، فقط لتسهيل اكتساب الهدف وإطلاق القذيفة عليه . هذا ما دعا الكثير من الشركات المتخصصة لاستئناف تطوير منظومات جديدة ذات قابليات متعددة للتوجيه الجزئي أو الكلي ، التي منحت في وقتنا الحاضر للعديد من منظومات الصواريخ الموجهة المضادة للدروع .


المنظرون الميدانيون الروس يحملون رؤاهم وتعليقاتهم الخاصة بشأن الاستعانة بالمقذوفات ذاتية التوجيه autonomous homing ، فهم يعتقدون أن الغرب يستعجل عرض فوائد ومزايا advantages منظوماتهم العاملة وفق هذا النمط من التوجيه . وهم يرون أن هذه الصواريخ التي يعمل جلها وفق آلية البحث بالأشعة تحت الحمراء IR seeker واكتساب الصورة الحرارية الصادرة عن الهدف ، رغم ميزاتها العديدة ، إلا أنها محكومة بنواحي تقنية تحد وتقيد من قيمتها الحقيقية . منها أن أداء الباحث من ناحية قابلية اكتساب الهدف target acquisition لا تتجاوز حتى الآن مسافة 2.5 كيلومتر ، مما يفرض تقييدات وعقبات على مدى إطلاق النار . الأمر الآخر يتعلق بمدى موثوقية واعتمادية الباحث السلبي ، فهذا يتطلب في عمله تحقيق مقارنة وتباين أعلى لصورة الهدف وتحليل بصري optical resolution بالمقارنة لتلك المطلوبة لأنظمة التشغيل التوجيهي التقليدية . هناك أيضاً احتمال عالي لفشل وإخفاق عملية التوجيه ، بسبب إما حالة التشويش المحيطة أو في الاكتساب الطبيعي للهدف من قبل باحث الصاروخ . إن الضرر والعائق الرئيس لتبني الصواريخ الموجهة بواسطة باحثها الخاص كما يراه الروس يكمن في كلفتهم العالية ، التي تبلغ نحو ثلاثة أضعاف تلك الخاصة بأنظمة التوجيه نصف الآلية semiautomatic guidance . لذلك ، الكثير من الجيوش لا تستطيع تحمل شراء مثل هذه الأنظمة بالأعداد المطلوبة ، حيث يفضل الكثير منهم اقتناء أعداد محدودة وبالتمازج مع منظومات الجيل السابق الصاروخية الموجه المضادة للدبابات .

6‏/9‏/2012

التدريـــــع الطبقــــــــي المركـــــب Chobham .

التدريـــــع الطبقــــــــي المركـــــب
"شوبهام" Chobham


لعل أحد ابرز الانجازات في ميدان حماية الدروع هو تطوير الدروع المركبة Composite armour ، المعروفة ابتداء باسم "شوبهام" Chobham. اكتمل تطوير هذا التركيب البريطاني في مؤسسة التطوير وبحث العربات القتالية FVRDE في منتصف الستينات ، وأطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى المكان الذي أنتج فيه ، وهو قرية صغيرة قرب لندن يوجد فيها المركز المذكور . لقد أشتمل التدريع المذكور على تشكيلة من المواد المختلفة تتراوح بين السبائك المعدنية إلى المواد الخزفية ، رتبت هذه على هيئة مصفوفة قرص العسل وغلفت في صندوق الدرع الفولاذي .اسم شوبهام منذ ذلك الحين أصبح التعبير العام المشترك لدرع الدبابة الطبقي/الخزفي ، الذي يقدم حماية أعظم كثيراً تجاه أسلحة الشحنة المشكلة ، بالمقارنة مع صفائح التدريع الفولاذي التقليدي . أحيطت تفاصيل تصميم التدريع المركب شوبهام بالغموض الكامل ، لكن المفاهيم العامة المنطقية كانت معروضة للعلن ، فتحدثت هذه عن استبدال مفهوم الصفيحة الفولاذية السميكة المفردة ، بطبقات متعددة أكثر من الفولاذ والألمنيوم والتيتانيوم والخزف ومن مواد أخرى مختلفة . صممت كل طبقة من هذه لأداء وظيفة محددة تجاه طاقة الهجوم القادم . لذلك جرى تصنيف التدريع على أنه "مركب" composite . وقد أحيط هذا الابتكار عند الإعلان عنه بكثير من الكتمان والسرية ، حتى أعلن وزير الدفاع البريطاني في 17 يونيو من العام 1976 عن إنجاز هام ، هو بمثابة أعظم الانجازات أهمية منذ دخول سلاح الدبابة إلى الخدمة خلال الحرب العالمية الأولى .



قاد فريق بريطاني بقيادة الدكتور Gilbert Harvey مشروع البحث والتطوير لهذا النوع من الدروع في بداية الستينات . الدكتور هارفي عمل في مختبر عسكري سري خارج لندن ، قرب قرية شوبهام حيث الدرع استلم كنيته ، وظهر أول الإنتاج العام 1965 (الاسم الرمزي الرسمي المستعمل من قبل الجيش البريطاني والأمريكي كان Burlington) .. وخلال سنوات العمل والبحث ، جرى تعزيز هذا الدرع وتحسين المركب الداخليالخزفي Ceramic Composite المتصف بصلادته المفرطة لهزيمة ودحر هجوم مقذوفات الطاقة الكيميائية . الدكتور هارفي اكتشف بأن الرؤوس الحربية ذات الشحنة المشكلة لسلاح البازوكا وغيرها من الأسلحة المماثلة السوفيتية أو الألمانية ، لا تستطيع اختراق التشكيلة المتعاقبة للمواد المغلفة ضمن هذا النوع الجديد من الدروع .لقد عرضت مركبات خزفية أمثال أكسيد الألمنيوم الملبد أو أكسيد الألمنيوم alumina Al2O3 الذي يمتلك قابلية شد تبلغ 200-270 ميغا نيوتن لكل متر مربع وحجم كثافة لنحو 3.800-3.900 غرام/سم3 ، مقاومة أعظم تجاه اختراق نفاث الشحنات المشكلة مقارنة بالصفائح الفولاذية . ثم تمت إضافة مصفوفة "قرص العسل" honeycomb المدعمة بقراميد الخزف والمركبات اللدنة لتعزيز أداء المصفوفة . وتأخر التطبيق والاستخدام البريطاني للتدريع شوبهام كثيراً بفشل عدة مشاريع دبابات متقدمة ، أبرزها مشروع الدبابة البريطانية الألمانية المشتركة ، ثم برنامج دبابة المعركة الرئيسة البريطانية MBT-80 . أختبر التدريع أولاً على النسخة التجريبية FV4211 وذلك في العام 1971 ، أما تطبيقه العملياتي الأول ، فكان على نموذج الدبابة FV4030/3 الملقبة Shir 2 ، وهي نسخة مقتبسة من الدبابة البريطانية "شيفتين" Chieftain طورت لصالح إيران في أواخر السبعينات .



على الرغم من أن التفاصيل الدقيقة لبناء الدروع شوبهام تبقي من الأسرار العسكرية ، إلا أن بناء التدريع المركب يشتمل بشكله العام على ثلاثة محطات دفاعية ، تختلف في تفاصيلها :

· محطة الدفاع الأولى : الغرض من طبقة الدفاع والحماية الأولي ، إبطاء وتشويه وتخشين وحرف/تغيير اتجاه مقذوف الطاقة الحركية القادم ، أو امتصاص جزء من طاقة نفاث الشحنة الجوفاء . هذه الطبقة المقساة تتكون عادة من صفيحة ثخينة نسبياً ، في وضع مائل sloping plate ، بحيث تزيد هذه من المسافة العرضية الواجب على الرأس الحربية المعادية قطعها لثقب الصفيحة . تصنع الصفيحة الأولى من مواد عالية الكثافة ، وغالباً من الفولاذ المصلد أو اليورانيوم المستنزف أو من سبائك التنغستن . لقد وجد أن القضيب الطويل للخارق penetrator الذي يمتلك على الأرجح طولاً نموذجياً لنحو 30 مرة أو أكثر من قطره ، سيتمكن من اختراق سطح الصفيحة ، بإيداع مقدار كبير من الطاقة الحركية في منطقة مركزة ، سواء أكانت هذه من الفولاذ أو التنغستن أو ما عدا ذلك . إلا أن أي انحراف deviation لمحور قضيب الخارق عن اتجاه طيرانه لأكثر من بضعة درجات ، يمكن أن يؤثر على عملية الاختراق بشكل عكسي ، حيث يمكن للقضيب القادم إذا تحقق الانحراف ، أن ينحني أو ينكسر وبالتالي يفقد معظم تأثيره .

· محطة الدفاع الثانية : هذه الطبقة أكبر سمكا من سابقتها ، وتعني أكثر بتحطيم الخارق بالإضافة لاستيعاب وامتصاص تأثير طاقة الارتطام عالي السرعة (في الوقت ذاته الذي يكون فيه المقذوف تحت تأثير التباطؤ والتشويه) . إن القصد من وجود هذه المحطة ، هو توفير حماية أكثر من المقذوفات المتغلغلة والنافذة عن صفيحة الحماية الأولي ، حيث تقوم بتحطيم كتلتها ، وتوزيع وتشتيت التأثير على كافة أنحاء الطبقة . ويعتقد أن ترتيب هذه الطبقة يرتكز على بناء قرص العسل honey comb ، وهي عبارة عن صفيحة فولاذية مليئة بالثقوب والفتحات سداسية الأضلاع . هذه الطبقة بكاملها مكسوة بمركب خزفي (كربيد البورون أو كربيد السيلكون أو غيرها) ، حيث تحقن المادة الخزفية في فتحات قرص العسل ، بهدف تحطيم أو على الأقل تخشين مقدمة الخارق . ويعتقد أن مضمون هذه المحطة يشتمل أيضاً من ضمن ترتيباته على طبقة مطاطية rubber layer ، تعمل عند إصابتها ، على الانتفاخ والتمدد ، في حال كون الهجوم من قبل نفاث شحنة مشكلة ، بحيث تمتص هذه الطبقة جزء مهم من طاقة النفاث .

· محطة الدفاع الثالثة : هذه الطبقة رقيقة نسبياً ، وهي عبارة عن لوح شديد الصلابة مصنوع من التيتانيوم أو التنغستن ، بالإضافة إلى مركبات أخرى ، الهدف من هذه الطبقة تزويد حماية بالستية ممتازة ومنع اختراق هيكل أو برج المركبة . يلحق هذه الطبقة عادة من الداخل وكتجهيز قياسي ، بطانة مانعة للشظايا spall liners (عادة تشتمل على نسيج الكيفلار Kevlar) . فعندما يخفق مقذوف مضاد للدروع في اختراق كامل محطات الحماية ، فإنه يمكن أن يمزق صفيحة الدرع الداخلية ، نتيجة الضغط الشديد أو الموجات التصادمية . ذلك يمكن أن يؤدي لإنتاج قطع صغيرة أو شظايا ، تندفع بسرعة عالية باتجاه مقصورة الطاقم . البطانة المانعة للشظايا يمكن أن تصنع من الكيفلار أو من ألياف البلاستيك الأخرى لإيقاف تأثير هذه الشظايا ، وحماية الطاقم والتجهيزات الداخلية . لقد أثبتت الاختبارات أن بطانة من هذه التراكيب سماكتها 20 ملم ، تستطيع امتصاص نحو 97% من الشظايا المندفعة للداخل .


ويكمن السر في النتائج المثيرة لهذه الدروع المتقدمة والمتطورة المستخدمة في تصفيح العديد من الدبابة الغربية ، هو في تركيبها الذي لا يقتصر على طبقات من مواد مختلفة ، أو مواد خزفية ، ألياف نسيجية ، معادن خفيفة ممزوجة ، فولاذ أو مركبات ذات كثافة وصلادة عالية .. يفصل بينها فراغات ، بل إنها أيضا تشتمل على مقاطع سهلة التكسر والانسحاق ، وأخرى قابلة للتشوه deformation section . هذه العناصر والتي من الصعب رؤيتها ، يمكن تشبيهها بقطعة من الورق المقوى المجعدة ، والتي تهدف إلى امتصاص الصدمات الناتجة عن خوارق قذائف الطاقة الحركية KE وبالتحديد امتصاص طاقتها عن طريق تشتيتها فوق كامل سطح لوحة الإسناد الخلفية . ومع أن دروع الدبابة تمتص تلقائياً كامل الطاقة الحركية لهذه الصدمة (ما لم يرتد الخارق) ، فإن معظمها يتبدد أثناء تشوه العناصر القابلة للتكسر ، وما تبقى من الطاقة يتحول إلى الجزء الداخلي من العربة لمدة طويلة نسبياً من الزمن ، وفوق مساحة كبيرة من السطح . ولحد ما فإن هذه العملية ليست مختلفة عن السيارات الحديثة والمتطورة ، حيث يدرك القارئ كيف تقوم هذه المواد بامتصاص معظم الطاقة في حالة اصطدام السيارة وهي مسرعة جداً وإنقاذ حياة الركاب .


24‏/8‏/2012

الخارق المشكل انفجارياً .

الخــــــارق المشكـــــل انفجاريــــــاً EFP 


هناك نوع من أنواع الرؤوس الحربية تستخدمه بعض الصواريخ والذخائر الفرعية المضادة للدروع ، يطلق عليه اسم explosively formed penetrator وهو اختصار الخارق المشكل انفجارياً EFP . كما يطلق عليه أسماء أخرى مثل الشظية المشكلة ذاتياً self-forging fragment .. وفي جميع الحالات فإن الاسم يعكس حقيقة تكوين هذه الرأس الحربي ، فهو شكل من أشكال الشحنات المشكلة ، طور أثناء الحرب العالمية الثانية بهدف زيادة التأثير التدميري على الهدف من مسافة مباعدة قصوى . هذا التأثير درس واختبر من قبل مهندس المتفجرات الهنغاري "جوزيف ميزناي" Jozsef Misznay ، وخبير المقذوفات الألماني المهندس "هوبرت سكاردين" Hubert Schardin الذين أرادا أولياً تطوير لغم مضاد للدبابات أكثر فاعلية لقوات ألمانيا النازية . كما اختبرت قدرات الشحنة التدميرية حديثاً في العراق وأفغانستان على الكثير من أسلحة الطرق . إذ كشفت إحصائيات ساحة المعركة الأمريكية لشهر يوليو 2007 بأن شحنات EFP كان لديها كفاءة قاتلة تجاه الأهداف المدرعة لنحو 23% ، بينما الأنواع الأخرى من قنابل الطرق كان لديها كفاءة أقل لنحو 4% فقط . لقد لوحظ من خلال التجربة والتكرار أن مخروط الزاوية الأكبر والأكثر اتساعاً وأشكال البطانات الأخرى مثل الطبقية dishes أو الصفيحية plates ، لا تتدفق على هيئة نفاث ، لكنها بدلاً من ذلك تعطي قذيفة مشكلة إنفجارياً عالية السرعة . ومع أن قابلية اختراقها للأهداف أقل بكثير من تلك المحصلة عن طريق النفاث ، إلا أن قطر الثقب الناتج هنا سيكون أكبر اتساعاً مع المزيد من عامل التشظية في الدرع الداخلي والضغط الإضافي over-pressure (شحنات EFP غير متأثرة نسبياً بقراميد دروع الجيل الأول التفاعلية المتفجرة ، وتستطيع تجاوزها) .


يشتمل بناء السلاح EFP بشكله العام على اسطوانة معدنية دائرية محشوة بمادة متفجرة مناسبة ، يلحق بها تجويف ضحل في إحدى نهايتها الطرفية ، مجهز ببطانة معدنية رقيقة مقعرة dished concave liner . السلاح مصمم عملياً لاختراق الدروع من مسافة مباعدة أكثر طولاً great standoffs مما يتوافر للشحنات المشكلة التقليدية ، وذلك عن طريق إعادة ترتيب زاوية المخروط التقليدية وجعلها أكثر اتساعاً أو على شكل صحن أو طبق غير عميق shallow dish . ففي حين تبلغ مسافة المباعدة في الشحنات المشكلة التقليدية عدة سنتيمترات مع قابلية اختراق لنحو 4-10 مرات من قطر الشحنة ، فإنها في شحنات EFP يمكن أن تبلغ بضعة عشرات الأمتار مع قابلية اختراق لنحو 0.4-0.8 مرات من قطر الشحنة المستخدمة . لقد أظهرت اختبارات حديثة أن سبيكة التنغستن/النحاس يمكن أن تزيد عمق الاختراق لهدف فولاذي متجانس من قبل عامل 1.3 مع زاوية مخروط للبطانة يتراوح بين 140 إلى 160 درجة . الاختبارات أظهرت أيضاً أن زاوية بطانة دون 140 درجة ستميل أكثر نحو التشكل بهيئة مخروط ، مما يترتب عليه خلل في تشكيل الكتلة المطلوبة (بشكل عام ، شحنات EFP تتطلب بطانة مقعرة غير عميقة ، نموذجياً أقل من 0.25 من قطرها ، في حين تتطلب بطانة الشحنة المشكلة التقليدية ذات النفاث مخروط الذي عمق تجويف المبطن فيه أعظم من 0.4 من قطرها) . وعند إيقاد وتحفيز المادة المتفجرة في مؤخرة الاسطوانة ، فإن موجة الانفجار تتحرك نحو البطانة المعدنية لتنهار وتتشوه ، لكن بدل أن تتحول لتدفق أو نفاث jet كما في الشحنة المشكلة التقليدية ذات البطانة المخروطية ، فإنها تتحول إلى كتلة مقذوف مضغوط compact slug عالي السرعة ، وبفكره مشابهه لعمل خارق الطاقة الحركية ، بحيث تتحرك هذه بسرعة عالية جداً ، مقدرة بنحو 1500-2000 م/ث أو أكثر من ذلك (نتائج انهيار المبطن تعتمد في أحد أوجهها الرئيسة على شكل البطانة المستخدمة) لتسدد طاقة ميكانيكية عالية لجسم الهدف . مع وجوب ملاحظة أن سرعة المقذوف تعتمد على نسبة سماكة طبقة المتفجرات إلى البطانة المعدنية (سماكة البطانة عادة في هذا النوع من الشحنات تكون أكبر من تلك المستخدمة مع الشحنات المشكلة التقليدية ذات الناتج النفاثي) .


المقذوف المشكل انفجارياً يجب أن يكون مستقر ومتوازن وهو في وضع الطيران aerodynamically stable ، وذلك لكي يضرب الهدف ضمن احتمالية إخفاق محدودة ، أو مع زاوية انحراف صغيرة . في العمل الشامل ، ركز المطورون على أن يتحصل تشكيل EFP على زعانف مائلة canted fins بدرجة مناسبة ، لتوفير معدل دوران أعلى . فعند الرغبة في التعامل مع هدف عند مسافة 100 م ، يحتاج المقذوف للاتزان وتجاوز احتمالية الانحراف أو الانجراف drift ، حيث يمكن تكوين زعانف الاستقرار بإعادة تشكيل أو صياغة موجة الانفجار لإعاقة أو إبطاء التعجيل acceleration في نقاط معينة من البطانة بإضافة المزيد من الكتلة (يوجد هناك على الأقل دستة طرق مسجلة كبراءة اختراع لكيفية توفير الزعانف المشكلة لكتلة المقذوف) . ومع هذا الناتج ، أمكن الحصول على تحسينات أفضل في الاستقرار الديناميكي الهوائي لسلاح EFP .

23‏/8‏/2012

أهمية العقبات والحواجز المانعة .

أهميــــــة العقبــــــات والحواجــــــز المانعــــــة


الصورة الأولية لأكثر العقبات obstacles والقدرة الظاهرة والاستثنائية لدبابات المعركة الحديثة لقَهرها وتجاوزها ، تعطي "انطباع مظلل وخادع" misleading impression أن هذه الموانع والعقبات المضادة للدبابات لم تعد ذات قيمة عظيمة . فعلى مدى التاريخ ، العقبات سواء الطبيعية منها أو الصناعية ، استمرت في لعب دورها الرئيس لأي خطة مضادة للدبابات . وبشكل عام هناك متطلبان أساسيان لنجاح أي من هذه العقبات : هي يجب أن تكون جزء من خطة متكاملة ، وكذلك هي يجب أن تغطى بنيران المراقبة المنظورة .العقبات الطبيعية Natural obstacles تتضمن مجاري الأنهار ، القنوات والأنفاق ، الغابات الكثيفة والبحيرات والمباني ، لكن عملياً جميع هذه العقبات تتطلب نوع من التحسين والتطوير الاصطناعي لتعزيز قابليتها المضادة للدبابات . ويذكر لنا التاريخ خطورة الثقة الزائدة التي يمكن أن تنشأ عن المناعة الظاهرة apparent impregnability للعقبات كما صور الأمر في حرب أكتوبر العام 1973 . حيث امتدت حدود إسرائيل الغربية على قناة السويس , التي شكلت مانع طبيعي بالتأثير العظيم . مع ذلك ، بدا الإسرائيليون غير راضين عن مستوى الحماية هذا ، فعمدوا على أية حال لتعزيز جانبهم من القناة مع حائط أو جدار رملي sand wall بارتفاع 15-21 م وبعرض كبير جدا ً ، مع زاوية انحدار لنحو 45-65 درجة . طول الجدار العازل بلغ نحو 160 كيلومتراً على طول قناة السويس ، باستثناء البحيرة المرة (حيث كان عبور القناة مستبعد بسبب عرض البحيرة) . الجدار الرملي والذي وصف من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان بأنه "أحد أفضل الخنادق المضادة للدبابات في العالم" والدفاعات المشيدة في الموقع سميت في مجموعها بخط بارليف Bar-Lev Line وكانت رائعة التصميم في الحقيقة ، لكنها لسوء الحظ أثارت إعجاب الإسرائيليين أكثر مما أثارت خصومهم المصريين . عندما أقترح ضابط مصري برتبة رائد في سلاح الهندسة المصري استخدام خراطيم المياه ذات الضغط المرتفع high pressure hoses لجرف رمال الجدار الرملي ، مما حقق وأنجز كلتا المفاجآت الإستراتيجية والتكتيكية . الجدار الرملي ودعاماته الخرسانية كانت كفيلة كما قرر مصمموه منع وإعاقة أي وحدات مسلحة أو برمائية من الإنزال على الضفة الشرقية لقناة السويس بدون تحضيرات هندسية مسبقة . وقدر المخططون الإسرائيليون بأنه يتطلب من المصريين على الأقل 24 ساعة ، ومن المحتمل 48 ساعة كاملة لاختراق وعمل ثغرة في حائط الرمل وتأسيس جسر عبر القناة .. وهكذا ساهمت الإتكالية الإسرائيلية والاعتماد على مميزات الجدار ، في تقنين عوامل وأدوات التغطية النارية في الوقت الحرج والحاسم لهذا الموقع الدفاعي تجاه هجوم المشاة المصري في يوم السادس من أكتوبر العام 1973 . واستطاع سلاح المهندسين المصري سوية مع استخدام الأدوات التقنية البسيطة على نحو بارع ، استطاع تمهيد الطريق أمام الفرق المدرعة المصرية للعبور الآمن والتقدم في صحراء سيناء Sinai Desert .


تصور هذه الحادثة نواحي القوة والضعف في "عقلية وذهنية العائق" barrier mentality ، خصوصاً في المعركة المضادة للدبابات . النوع الصحيح والمناسب للموانع والعقبات يجب أن يكون فعال ، لكن كما عرض من قبل المصريين ، ليس كل ترتيب يمكن أن يكون فعال ومؤثر كلياً . فالمانع أو الحاجز يجب أن يراقب ويحمى كأي موقع دفاعي آخر وبجميع الوسائل المتاحة . إن إنشاء وتكوين العقبات الاصطناعية والمفتعلة artificial obstacles كجزء من خطة الدفاع المضادة للدبابات هي الشغل الشاغل لجميع أفراد سلاح الهندسة في الجيوش النظامية ، في الوقت الذي حتى العقبات الطبيعية natural obstacles تحتاج إلى شكل من أشكال التحسين والتطوير لزيادة تأثيرهم . إن الشكل الأكثر بدائية من العوائق والعقبات هو الخندق المضاد للدبابات anti-tank ditch ، لكن هذا الشكل البسيط جداً من العوائق يبدو حالياً مرفوض ومستبعد كأحد أسلحة الحرب الحديثة من قبل العديد من جيوش العالم المتقدمة . الإسرائيليون على أية حال ، استخدموا الخنادق المضادة للدبابات بالتأثير الأعظم على مرتفعات الجولان Golan Heights في حرب أكتوبر 1973 . هم حفروا خندق طويل لمسافة نحو 55 كلم ، بعرض 10-12 م وعمق 4 م عبر الهضبة المفتوحة التي تمتد من الجبل الشيخ Mount Hermon في الشمال إلى منطقة الرفيد‎ في الجنوب . وعلى الرغم من بساطة المفهوم ، إلا أن الخندق أثبت جدواه ، واضطرت الدبابات السورية المهاجمة للاستعانة بالعمليات الخاصة لإنجاز عملية عبور الخندق واستخدام الجسور المحمولة متعددة الطبقات bridge-layers . نحو 1,700 دبابة سورية هاجمت القوة المدرعة الإسرائيلية المدافعة عن الجولان والمجهزة بعدد 175 دبابة Centurion وM48 (هذه القوة كانت ضرورية للاحتفاظ بخط الدفاع حتى وصول الاحتياطيات) . وعلى الرغم من ضراوة الهجوم ومباغتته الإسرائيليون ، إلا أن هؤلاء ضلوا ثابتين في العديد من المواقع ، كما عبر السوريون الخندق بالتأكيد في العديد من الأماكن ، لكن الكلفة والخسائر في الدبابات والأطقم وربما الأهم من ذلك "الوقت" time ، حتى كانت النهاية بنتائج مدمرة . وفي الوقت الحالي يتم تجهيز وتأمين سلاح المهندسين engineer corps بالكثير من المعدات لمساعدتهم في تهيِئة وإنشاء العقبات . مثل هذه المعدات تتضمن الجرارات مدرعة armoured tractors ، الحفارات كبيرة الحجم عالية التحمل heavy-duty diggers ، ويمكن اللجوء وسحب العديد من العربات الثقيلة مباشرة من قطاع البناء المدني .

21‏/8‏/2012

الإستقرار الساكن للمقذوفات .


هذا النوع من نمط الاتزان يطلق عليه "الاستقرار الساكن" static stability ، حيث تستخدم وسيلة الاستقرار الزعنفي Fin Stabilisation في الكثير من مقذوفات الأسلحة ، مثل قنابل الطائرات والهاون ومقذوفات المدفعية ، والأهم من ذلك مقذوفات الطاقة الحركية للدبابات ، نوع APFSDS (اختصار خارقة للدروع مثبتة بزعانف نابذة للكعب) .. ويعتقد البعض أن الغرض من هذه الزعانف هو تحقيق معدل دوران منتظم لضمان أستقرار المقذوف ، إلا أن هذه الجزئية قد لا تعكس حقيقة وواقع أو حتى دقة في الفهم .

معضلة ضمان أن المقذوف سيجتاز مراحل طيران عدة طوال فترة مسيره ، كانت مع الإنسان منذ الأزمنة الأولى . الأسهم Arrows والرماح javelins كانت من المحتمل المقذوفات الممتدة الأولى في المدى التي أستخدمها الإنسان ، ثم أدرك مع الممارسة أن تزويدها بكتلة أمامية في مقدمتها وزعانف ذيليه tail fins تمنحها الاستقرار المطلوب لإيصالها لأهدافها بدقة محسنة .. في سهم النبلة يكون G هو مركز كتلة السهم (كما هو موضح في الرسم أعلاه) فإذا انحرف عمود السهم وبدأ في التحرك بشكل مائل ، فإنه ونتيجة المنطقة السطحية الخلفية الأكبر ، يبدأ ضغط الهواء في التصرف والتأثير خلال النقطة P في مؤخرة السهم عند زعانف الاتزان ، حيث يتحول مركز الضغط centre of pressure لمنطقة سطوح الذيل ، وتتأرجح قصبة أو عمود السهم حول النقط G ويبدأ في موازنة مساره من جديد . فطالما أن مركز الضغط يتمحور خلف مركز ثقل الجاذبية gravity centre ، فإن المقذوف سيحاول قيادة وتطيير ورفع المقدمة أولاً . إن الزعانف تكون ملائمة ومتوافقة أكثر مع المنطقة الخلفية للمقذوف ، لزيادة المنطقة السطحية خلف مركز الكتلة ، وبهذه الطريقة يتم تقديم النقطة P خلف النقطة G لتوفير طيران متوازن للمقذوف .

الصورة للأسفل تعرض مقذوف APFSDS ويلاحظ زعانف الاتزان التي تعمل وفق نفس مبدأ الفكره المعروضة أعلاه .


18‏/8‏/2012

صفائح التدريع .. عرقلة أم امتصاص .

صفائـــــح التدريـــــع .. عرقلـــــة أم امتصـــــاص


بشكل عام تتوفر الدروع الحديثة ضمن نمطين مميزين ، فأما أن تكون هذه الدروع سلبية بليدة Passive armor ، أو أن تكون نشيطة فاعلة active armor . الدروع السلبية تعمل على إيقاف المقذوف المعادي بالاعتماد على الملكيات والخصائص المادية لمكونات الدرع وحدها ، حيث تصنع هذه المواد من تشكيلة مدهشة من المواد الغريبة ونصف الغريبة . هي قاسية جداً ، حيث تقوم فكرة عملها على امتصاص الضربات واستيعاب طاقتها. وعلى النقيض من ذلك فإن فكرة عمل الدروع النشيطة (تعرف كذلك باسم الدروع التفاعلية ، الدروع الذكية ، الدروع الكهربائية ...) تقوم على التفاعل والاشتباك مع المقذوف قبل وصوله لصفيحة التدريع الرئيسة للهدف ، بهدف عرقلة وتعطيل تقدمه عن طريق حرفه أو تحطيمه . وهكذا فإن مواد الدروع بشكلها العام يمكن تقسيمها لنموذجين مختلفين من حيث أسلوب التعامل مع تهديدات طاقة المقذوف ، فهذه إما أن تكون "معرقلة" disruptive أو "ممتصة" absorbing . حيث تميل المواد المعرقلة لأن تكون مصنعة من مواد عالية القوة مثل الفولاذ عالي التصليد high-hardness والمواد الخزفية . إن الغرض من هذه المواد في التدريع متعدد الطبقات هو تمزيق أو تشظية المقذوف القادم وكذلك إبطاء سرعته وإضعافها . وبكلمات أخرى ، تشتيت وتبديد الطاقة الحركية للمقذوف بواسطة مادة الدرع ، من خلال تحطيمه وإعادة توجيه طاقة الأجزاء والشظايا الناتجة بعيداً عن التركيب المحمي . من ناحية أخرى ، تعمل المواد الممتصة على استيعاب الطاقة الحركية للمقذوف من خلال المقدار الكبير من التشويه اللدائني ، وتحويلها لشكل أدنى من أشكال الطاقة مثل الحرارة . وتعمل المواد المقساة والمواد المركبة كأدوات امتصاص جيدة لطاقة المقذوفات الحركية ، رغم أن لها قدرة تمزيقية أيضاً . وضمن هذه التصنيف يمكن القول أن صفائح الفولاذ المقسى والمصلد في الطبقة الخارجية من منظومة التدريع وكذلك الوحدات الخزفية أو ألياف الزجاج ، تعتبر عامل عرقلة لأي تهديد قادم من الخارج ، في حين تعمل طبقة المطاط التي تليها وكذلك بطانة التشظية spall liner كعامل امتصاص ، حيث تعمل هذه على تخفيض تأثيرات التشظية بعد ثقب صفائح الدرع (يتضمن تركيبها نسيج أو ألياف صناعية معززة بمركبات أخرى ، بما في ذلك ألياف البوليثيلين polyethylene) .


وهكذا يحرص المهندسون عند تصميم وتوزيع دروع دباباتهم وعرباتهم المدرعة ، على مواجهة شكلين مختلفين من أشكال التهديدات المحتملة ، قذائف الطاقة الحركية Kinetic Energy وقذائف الطاقة الكيميائية Chemical Energy . من ناحية تهديدات مقذوفات الطاقة الحركية ، فإنها تستخدم طاقة الاصطدام المرتفعة لتحقيق النفاذ ، والنوع الوحيد تقريباً الذي له القدرة على اختراق قوس برج الدبابة الأمامي الثقيل ، هو الخارق للدروع المثبت بزعانف النابذ للقبقاب APFSDS ، حيث يصمم المقذوف عموماً لتركيز مستوى مرتفع جداً من الطاقة الحركية على مقطع عرضي صغير لأقل ما يمكن على سطح الهدف لكي يتحقق الاختراق الأعمق . ولأن الطاقة الحركية للمقذوف تتعلق بشكل مباشر بكتلته ، فإن مصممو السلاح يجاهدون لزيادة الكثافة المقطعية sectional density للمقذوف ، التي تعرف بأنها كتلة المقذوف إلى منطقته العرضية (كقاعدة عامة ، المقذوف الأعلى في كثافته المقطعية ، الأعظم في قدرته على تحقيق اختراقات أعمق) . فمع انتقال وتحرك المقذوف بسرعات مرتفعة جداً ومفرطة hypervelocity ، فإن قوة مادة الدرع عند الارتطام تصبح مهملة ، حيث أن كلتا المقذوف والدرع سيذوبان ويتصرفان مثل السوائل ، وتصبح فقط كثافة المنطقة أو الكثافة السطحية Surface density هي العامل الأهم (المصطلح يشير لكل وحدة منطقة في كتلة جسم ما موزعة على السطح ، وهذه مصورة بالكيلوغرامات لكل متر مربع ، حيث يمكن إيجاد الكثافة السطحية بأخذ كتلة جسم وتقسيمه على منطقته) . في هذه الحالة المحددة ، المقذوف بعد اصطدامه بجسم الهدف سيواصل عملية الاختراق حتى يتوقف عن تحويل زخمه واندفاعه الحركي إلى مادة الهدف . في هذه الحالة المثالية يكون فقط ، الزخم ، مقطع المنطقة العرضي ، الكثافة ، والسماكة المنظورة هي العوامل ذات الصلة والمرتبطة بموضوع تتميم حالة الاختراق ..


وللتبسيط نقول أنه عند حدوث التماس المادي بين الخارق عالي السرعة وكتلة الهدف ، فإن الطاقة الحركية للقضيب ستحول كطاقة اصطدام إلى الهدف impact energy . وستتولد موجات اهتزازية/صدمية في الهدف وكذلك موجات صدمية انعكاسية reflected shock wave ستتولد على امتداد قضيب الخارق . كلا القضيب والهدف سيواجهان ويتحملان مستويات الضغط المرتفع في منطقة الاصطدام ، كما ستتولد موجات خلخله Rarefaction waves على جوانب منطقة الاصطدام . وبينما تتعرض المادة عالية القسوة للفك والتحرر خلال حركة تقدم قضيب الخارق ، فإن تدفق لدن plastic flow يمكن أن يحدث وأيضاً فشل أو إخفاق هيكلي للمادة كما عرضت النتائج . وبعد الاصطدام ، يمكن تمييز حفرة أو منطقة التأثير المشكلة (موضع اصطدام وارتطام الخارق) بواسطة حافتها البارزة ومركزها المخروطي المرتفع . في الحرب العالمية الثانية كانت القذائف المثالية الثاقبة للدروع على هيئة رصاصة bullet-shaped ، وكان لديها سرعة أوطأ بكثير مما تتحصل عليه القذائف في زمننا الحالي ، بحيث أن ارتطامها بالدرع لم يكن يؤدي لإنجاز حالة الذوبان للقذيفة والدرع . في هذه الظروف ، قوة مادة التدريع وصلادتها تصبح العامل الأهم ذو الصلة . فإذا كان المقذوف خفيف وبطيء نسبياً ، فإن قوة التدريع قَد تتسبب في تحصيل أضرار ربما لا تتجاوز حد التشويه المرن elastic deformation أو التشويه اللحظي ، بحيث تهزم القذيفة وتدحر دون أضرار فاعلة على كتلة الهدف .

17‏/8‏/2012

تقسيمات ومبادئ عمل الأسلحة الكتفية .

تقسيمات ومبادئ عمل الأسلحة الكتفية المضادة للدروع


يمكن تقسيم الأسلحة المضادة للدروع الكتفية إلى نوعين مختلفين من حيث إمكانية الاستخدام . النوع الأول ذو الطلقة الواحدة ، أمثال القاذفات LAW وAT4 و RPG-18، وهذه تكون غير قابلة للاستخدام disposable بعد الرمية الأولى ، أي تنتفي الحاجة منها بمجرد إطلاق المقذوف ، وهذا النوع لا يصلح إلا للذخائر التي شحن فيها أصلا . وقد صنعت تلك القواذف كليا أو جزئيا من الألياف الزجاجية Fiberglass الذي لا يصلح للاستعمال المتكرر ، وميزتها الأساسية خفة وزنها . وقد يتساءل البعض عن سبب كون معظم الأسلحة الكتفية المطروحة أو تلك قيد التطوير ، من النوع الذي "ترمى بعيدا" Throw-away بعد إطلاقها (على الأقل في الجانب الغربي) ، ما دام تموين العتاد بالنسبة للأسلحة المضادة للدروع التي تستخدم لأكثر من مرة واحدة لا يعد من الناحية الإدارية أكثر تعقيداً وصعوبة من تموين أسلحة كاملة (القاذف والمقذوف) تستخدم لمرة واحدة . إن التبرير المنطقي الوحيد لذلك ، هو إمكانية استعمال أسلحة الرمية الواحدة الكتفية من قبل جميع الجنود ، أي إعطاؤهم الفرصة الجيدة لمقاتلة دروع العدو ، ثم العودة إلى واجباتهم وأسلحتهم الأصلية . ويعزز من هذه الفكرة ، أن نتذكر الدور الدفاعي للأسلحة المضادة للدروع هذه ، لاسيما في تعزيز تسليح فرق صيد الدبابات ، أو مجموعات القتال الصغيرة .


أما النوع الثاني ، فهو المعد للاستخدام المتكرر من نفس السبطانة reusable launchers (تصنع عادة من سبيكة فولاذية شديدة الصلابة ، أو من خليط الألياف الزجاجية مع بطانة فولاذية مقساة ، قادرة على تحمل ضغوط الاستخدام المتتالي) مع ذخائر متنوعة لأهداف مختلفة . وأنابيب الإطلاق المتعدد ، يمكن معها استخدام أجهزة تصويب بصرية دقيقة وأخرى ليلية night vision ، كما أن بعضها يحمل أجهزة تصويب آلية صغيرة لعمليات السيطرة على النيران . وتكمن الفكرة من وراء تطوير هذا النوع من القاذفات ، هو في أنك لو أردت مهاجمة مخبأ معادي بدرزينة مقذوفات ، فإنك يجب أن تحمل درزينة قاذفات الرمية الواحدة !! في حين لو كنت تحمل قاذفة واحدة متعددة الاستعمال ، فإنك لن تحتاج لأكثر من كيس مملوء بالرؤوس الحربية . من أنجح القواذف الكتفية ذات الاستخدام المتعدد السوفييتي RPG-7 ، هذا السلاح نال شهرة واسعة نتيجة استخدامه في معظم صراعات القرن الماضي ، ابتداء من الحرب الفيتنامية وحتى الآن . كما يوجد هناك القاذف الصاروخي السويدي M2/3 الذي يشتمل على ميكانيكية للإطلاق وجهاز تصويب بصري تلسكوبي ، وأنواع مختلفة من القذائف ، كشديدة الانفجار والدخانية والمضادة للأفراد . القواذف متكررة الاستخدام عادة ما تستخدم من قبل فريق عمل يضم الرامي ، الذي يتولى التصويب وإطلاق النار ، وفرد آخر لحمل الذخيرة الإضافية وإعادة تحميل السلاح .


بالإضافة للعربات المدرعة ، هذه الأسلحة مفيدة لمهاجمة النقاط الصلبة المحصنة ، كأكياس الرمال والحواجز والأهداف الخرسانية ، ويجب الحذر عند استخدامها من موجة اللفح الخلفي الذي يسببه انطلاق المقذوف ، وربما تكون هذه قاتلة بالنسبة لشخص يقف خلف السلاح أثناء الإطلاق ، ولذلك بعض هذه الأسلحة لا يصلح استخدامه من داخل المباني أو الغرف المغلقة (وإلا سيرتد اللفح والعصف الخلفي نحو الرامي) ، والبعض الآخر مثل Armburst يمكن استخدامه بفضل نظام إطلاقه المتطور القائم على مبدأ الكتلة الموازنة Counter Mass. وتعمل المقذوفات الكتفية أو أسلحة LAW بشكل عام وفق ثلاثة مبادئ رئيسة هي :

المبداء الصاروخي Rocket : تعمل معظم الأسلحة المضادة للدبابات الكتفية ، وفق المبدأ الصاروخي والدفع النفاث jet propulsion ، حيث أن الضغط الخفيف نسبيا الذي يتولد نتيجة اشتعال الشحنة الدافعة الصلبة solid propellant ، يسمح باستخدام قاذف أنبوبي بسيط للغاية وخفيف الوزن من الألياف الزجاجية ، مع خاصية عدم الارتداد Recoilless . ومع ذلك لا يخلو هذا النظام من بعض المعوقات ، إذ يصعب إخفاء الآثار الجانبية الناتجة عن عملية الإطلاق ، مثل الدخان والغبار والعصف الخلفي Back blast ، كما لابد من اشتعال كامل الشحنة الدافعة قبل خروج المقذوف من الفوهة الأمامية واشتعال المحرك الصاروخي Rocket motor بعد ذلك ، لتجنب إصابة الرامي بأي أذى أو حروق . وتحدد هذه المتطلبات قطر وطول الأنبوب القاذف ، كما وقد تحدد أيضا على المدى البعيد متطلبات أخرى مثل قطر الرأس الحربي ، الذي يتحكم بدوره بقطر القاذف ، طالما أن المقذوف سيوضع داخل الأنبوب القاذف . إلا أن التوسع غير المحدود في أقطار الرؤوس الحربية التي هي في الخدمة حاليا ، سيفرض بدوره زيادة مماثلة في أقطار القاذفات ، وبالتالي إعادة النظر في التصميم الكلي لمنظومة السلاح ، أو البحث في تصميم سلاح كتفي جديد مضاد للدروع . من الأسلحة المصممة وفق المبدأ الصاروخي ، القاذف الأمريكي M72 ، الفرنسي Apilas ، البريطاني LAW-80، وغيرهم الكثير ..


مبدأ عدم الارتداد Recoilless : تعمل بعض الأسلحة الغربية التي ترمي من الكتف ، وفق هذا المبدأ ، مثل الإيطالي Folgore ، والسويدي Carl Gustav. وتعتمد آلية الإطلاق في هذا النظام ، على نوع من التعادل أو التعويض ، إذ وفى اللحظة التي يترك فيها المقذوف الفوهة الأمامية للسلاح ، تندفع كمية من غازات الدفع من النهاية الخلفية لصمام التنفيس rear venting ، وهذه مساوية ومعادلة لنفس القوة والزخم المخصص لدفع المقذوف للأمام . إن الضغط العالي الذي يتولد لحظة الإطلاق ، سيكون من الشدة بحيث يتطلب أن يكون القاذف شديد الصلابة ، ومن الصلب المقاوم جدا ، وليس من الألياف الزجاجية ، مثلما هو الحال مع الكثير من الأسلحة المضادة للدروع الكتفية ، خصوصاً عقب السلاح breech (هي لا تواصل الاحتراق بعد خروجها من سبطانة السلاح كما هو الحال مع المقذوفات الصاروخية) ، مما يفرض زيادة في الوزن ومحدودية في الحركة ، كما أن كلفة إنتاج مثل هذه السبطانة ، والتي تصنع على أساس إعادة استخدامها مرة أخرى ، ستكون مرتفعة جداً ، وبشكل عام فإن القواذف العاملة بمبدأ Recoilless تحتاج لصيانة مكثفة .

لقد أمكن تذليل معضلة الوزن في القاذف Carl Gustav على سبيل المثال ، بتطبيق ما يعرف بنظام المستويين (العالي-المنخفض High-Low) حيث توضع الشحنة الدافعة في حاوية من سبيكة ألمنيوم ، وهي حاوية قابلة للاحتراق كليا ، وترتبط الشحنة مع المقذوف بموصل رخو قابل للقطع ، موضوع داخل السبطانة ، وعند الإطلاق ، فإن الغاز عالي الضغط المتفاعل داخل الحاوية القابلة للاحتراق ، سيتمدد إلى داخل الأنبوب القاذف بعد تقلص شدة الضغط فقط . يعاب على الأسلحة التي تستخدم هذا المبدأ في الرمي ، اللفح أو العصف الخلفي Back blast ، الذي يحدث أثناء الإطلاق ، ويفرض هذا عدم استخدام السلاح في المناطق المغلقة والمحصورة confined spaces كالخنادق والغرف والأبنية ، وبالتأكيد فإن ذلك يحد كثيرا من استخدامات السلاح ويقلل من مرونة استخدامه .


مبدأ ديفز (الكتلة الموازنة Counter Mass) : طور هذا النظام من قبل المهندس الأمريكي Davis في العام 1941 ، وقد طور هذه الفكرة بهدف إطلاق المقذوفات من داخل الطائرات المقاتلة ، ويتم التعويض عن العزم المفقود نتيجة خروج المقذوف والغاز من أنبوب القاذف ، بالطرد العكسي لكتلة الموازنة Counter Mass من الفوهة الخلفية ، وبفكرة مشابهه لفكرة عمل الأسلحة عديمة الارتداد recoilless . إن نظام الكتلة الموازنة يقدم إمكانيات أكبر لمصممي الأسلحة الكتفية المضادة للدروع ، إذ يمكن زيادة عيار الرأس الحربي ، دون أية تحويرات كبيرة على التصميم الأساس للسلاح ، وبتغيير وزن الكتلة الموازنة ، يمكن تغيير العزم ، حيث يترك المقذوف والكتلة الموازنة أنبوب القاذف من الفوهة ، والفتحة الخلفية على التوالي . إن مبدأ الكتلة الموازنة وحيد في كونه يسمح بإطلاق آمن للأسلحة المضادة للدروع من داخل الغرف والخنادق والميادين المغلقة ، وهذا يتطلب أن يكون الرأس الحربي خارج الفسحة (خارج فتحة الرمي أو الشباك) لمنع مخاطر اللفح والعصف الناتجة عن دافع المقذوف . ويعمل كل من سلاحي Jupiter و Armbrust المتشابهين إلى حد بعيد ، وفق نظام الكتلة الموازنة Counter Mass المحور . وعند الإطلاق يندفع مكبسان Pistons بفعل وقوة الغاز الدافع ، ويتولى المكبسان دفع المقذوف من الفوهة الأمامية ، ودفع الكتلة الموازنة من الفتحة الخلفية ، وحركة المكبسين محدودة ولا يسمح لهما بالاندفاع خارج الأنبوب القاذف ، إذ يتوقفان بعد انزلاقهما لمسافة معينة ومحددة مسبقا (هناك شقان يمسكان بالمكبسين لمنع اندفاعهما) وبذا يشكلان منظومة غلق تامة ومحكمة .

ومع أن لهذا التصميم ميزة مهمة للغاية ، في أنه يشكل حجما أصغر قياسا بالأسلحة المشابهة الأخرى ، إلا أنه هو الآخر له بعض المعوقات . فبعد إطلاق المقذوف ، تتبقى كمية من الغاز عالي الضغط محصورة داخل الأنبوب القاذف ، مما يستلزم التخلص منه ورميه بعيدا . ولهذا السبب لا يمكن العمل بنظام Davis مع الأسلحة المضادة للدروع الكتفية التي يرمى بها أكثر من مرة . المعضلة الأخرى ، هي ماذا سيحدث إذا أصيب أحد المكبسين أو كلاهما بأية أضرار ، طالما يتعذر فحص أو تفتيش السلاح من الداخل ، ثم ماذا سيحدث إذا أصيب الأنبوب نفسه بأية أضرار من الداخل أو الخارج ، كالتآكل أو الكسر ، أو أية أعراض فنية أخرى . ومع أن خفض أبعاد الحجم يعد بحد ذاته ميزه مهمة للغاية ، إلا أن المعوقات التي لوحظت ، دفعت بالكثير من الشركات المنتجة للأسلحة المضادة للدروع الكتفية ، للتخلي عن فكرة تطوير أسلحة تعمل بنظام الكتلة الموازنة .

16‏/8‏/2012

ذخيرة الطاقة الحركية الروسية APFSDS .

ذخيــرة الطاقــة الحركيــة الروسيــة APFSDS


ارتبطت محدودية أداء مدافع الدبابات الروسية 2A46 فيما مضى ، من ضمن أمور أخرى بسوء تصنيع ذخيرتها ، وتحديداً قذائف APFSDS (اختصار خارقة للدروع مثبتة بزعانف نابذة للكعب) . ولا يزال هناك بعض الموانع والمعوقات التقنية technical hurdles أمام التجديد ، ربما كان أبرزها حجم وأبعاد منظومة الملقم الآلي autoloader التي تجهز الدبابات الروسية الحديثة أمثال T-80 وT-90 ، إذ تقف هذه حجر عثرة أمام تقديم حلول جذرية للمشكلة ، وتفعيل معادلة الطول/القطر اللازمة لزيادة الطاقة المنقولة بواسطة خوارق الطاقة الحركية . من ناحية أخرى ، ارتبطت محدودية الأداء في مراحلها الأولى من الإنتاج ، بضعف المواد المستخدمة في تصنيع هذا النوع من الذخائر ، فالسوفييت عندما اعتمدوا الذخيرة APFSDS للاستخدام ، خصيصاً مع دباباتهم متوسطة الحجم T-62 ، كان ذلك بغرض الاستفادة من سرعتها العالية ونيرانها المباشرة بعيدة المدى لتحقيق ضربات مؤثرة . فقد سلحت هذه الدبابة التي دخلت الخدمة في بداية الستينات ، بمدفع أملس الجوف عيار 115 ملم من طراز U-5TS(2A20) ، كان قادراً في وقتها على إطلاق قذائف طاقة حركية مثل القذيفة BM-6 ، بسرعة فوهة أعلى من تلك التي تحققها المدافع الغربية من عيار 90 ملم و105 ملم . إلا أن السوفييت لجئوا لسبائك الفولاذ في تصنيع خوارق مقذوفاتهم ذات الطاقة الحركية بدلاً من التنغستن tungsten ، وذلك على ما يبدو نتيجة حاجتهم لكميات كبيرة من هذه المادة مكلفة الإنتاج (أنتجوا من النوع T-62 فقط ، نحو 20.000 دبابة) ، وهكذا لعبت اعتبارات التصنيع دوراً مهماً في إنتاج ذخائرهم . وحتى عندما بدءوا تطوير مقذوفات المدفع 2A46 من عيار 125 ملم ، فإنهم استهلوا عملهم على الخوارق المصنعة من سبائك الفولاذ ، كما في القذيفة 3BM9 التي قدمت في العام 1962 . فالفولاذ متوفر بكثرة ويسهل تصنيعه ، كما أنه يتميز بصلابة عالية ، مما هيأه أكثر للعمل كخارق penetrator لمقذوفات الطاقة الحركية . وعلى الرغم من انخفاض فاعلية تأثيره واختراقاته على الأهداف المقساة والمصلبة ، مقارنة بالمعادن الأخرى الأكثر كثافة ، إلا أن فاعلية إطلاقاته في السرعات العالية في ذلك الوقت كانت مقبولة نسبياً . إن مقذوفات أمثال 3BM9 و3BM12 أثبتت عند اختبارها في الغرب أفضلية عند إطلاقها حتى مسافة 1900 م ، حيث امتلكت هذه خصائص طيران أفضل على سبيل المثال من تلك التي تمتلكها قذيفة الطاقة الحركية الألمانية DM-13 . إلا أنه لوحظ أن هذه المقذوفات بعد قطعها مسافة 1800-1900 م ، تميل للهبوط بحدة مع تزايد مقاومة الهواء air resistance ، ويبدأ المقذوف بالانحدار أسرع مما هو متحصل مع خارق القذيفة الألمانية DM-13 . وسبب هذا في أحد أوجهه على ما يبدو ، يعود إلى أن المصممون السوفييت توقعوا مديات اشتباك عند هذه الحدود في أي نزاع محتمل ضمن ساحات أوربا الوسطى . ولمراقَبة اتجاه طيران المقذوف ، فقد جهزت مؤخرته بخطاط راسم tracer ، الذي يشتعل تلقائياً في تجويف السبطانة أثناء الإطلاق . احتراق مادة الخطاط لنحو 2-3 ثانية يترك أثر مرئي من النار الحمراء على طول مسار المقذوف .


لضمان تحقيق سرعة الفوهة العالية ، حرص السوفييت على اختيار تصميم للقبقاب يتصف بخفة الوزن ، أطلق عليه "القبقاب الحلقي" ring sabot والذي يضع قرصاً محصوراً حول مركز الخارق عند المقدمة . يستعين هذا النوع من القباقيب بمجموعة زعانف اتزان خلفية rear fins التي تأخذ نفس قطر السبطانة (عادة تتكون هذه المجموعة من خمسة أنصال) للمساعدة على تمركز وثبات الخارق في قلب السبطانة . ويشكل القبقاب ذو الثلاثة مقاطع ، حلقه دائرية وحيدة رقيقة تحيط بقضيب الخارق ، كما تمنع هذه هروب غازات الدافع وتعمل على تثبيت مركز مقدمة الخارق في السبطانة . تنفصل أجزاء هذا القبقاب وتسقط على الأرض بسبب قوة الطرد المركزية centrifugal force الناتجة عن دوران حلقة الارتكاز الرئيسة ، بحيث تتفرق عند ± 2 درجات من اتجاه الطيران على مسافة من 150-1000 م . ومع أن وزن هذا القبقاب أخف كثيراً من نموذج "البكرة" spool قيد الاستخدام الآن مع خوارق الطاقة الحركية في الغرب ، حيث استطاعت مقذوفات APFSDS المبكرة للمدفع 125 ملم ، تحقيق سرعة فوهة عالية جداً ، بلغت نحو 1800 م/ث ، إلا أن استخدام هذا التصميم عنى أن زعانف الذيل وكذلك القبقاب ، كان لا بد أن تكون على اتصال وتماس مع حيطان جوف السبطانة ، لإبقاء القذيفة مصطفة بشكل صحيح وملائم طالما هي لا تزال في داخل السبطانة . لقد تسببت هذه الزعانف الكبيرة ، كما في المقذوفات 3BM-15 و3BM17 و3BM22 .. وغيرها من النماذج اللاحقة ، في إحداث قدر كبير من المقاومة والإعاقة البالستية ballistic drag ، للحد الذي تبدأ معه مقذوفات APFSDS بالتباطيء والهبوط بشدة خلال مراحل طيرانها الطرفية ، رغم سرعة فوهة الإطلاق العالية (بشكل عام تبلغ معدلات خسارة السرعة velocity loss بالنسبة لمقذوفات الطاقة الحركية ما بين 60-140 م/ث لكل كيلومتر ، وذلك حسب تصميم الخارق وسرعة الفوهة) مما خفض معه من قدرات اختراقها penetration ، خصوصاً على المدى البعيد .


العامل الآخر الذي أثر حقيقتاً على فاعلية تأثير قذائف APFSDS الروسية هو طبيعة التصميم . فهذه الذخائر مصممة من جزأين غير متصلين ، حيث يخزن المقذوف وشحنة الدافع الرئيسة بشكل مفصول عن الآخر ، ويتم شحنهما في عقب السلاح الواحد بعد الآخر من قبل منظومة تلقيم آلية autoloader . الجزء الأول للذخيرة ، هو عبارة عن حاوية اسطوانية التي تدخل ابتداء لعقب السلاح وهي تحمل شحنة الدافع الإضافية . مادة الدافع عبارة عن مسحوق أنبوبي وضع بانتظام حول جسم المقذوف وبين أنصال زعانف الاتزان . أسفل هذه الاسطوانة يوجد فتحة مركزية ، جرى سدها وختمها مع نسيج قماشي عازل. هذا التصميم عني بأن قضيب خارق الطاقة الحركية للمقذوف ، مرتبط بطول حاويات الخزن stowage cells في الملقم الآلي . في الدبابة T-72 على سبيل المثال ، نجد أن أبواب رافعة الذخيرة مهيأة للسماح بمرور مقذوف بطول 677 ملم فقط خلالها ، وهكذا لو قررنا على سبيل المثال استخدام القذيفة الأمريكية M829A1 مع الملقم الآلي للدبابة الروسية ، فإن مقطع الخارق الذي يبلغ طوله 780 ملم من إجمالي طول القذيفة البالغ 98.4 سم ، لا يمكن ببساطة موائمته مع هذا النظام (تطلب الأمر بعض التحسين في ملقم الدبابة T-90 لاستقبال مقذوفات بطول 750-770 ملم ، مما أتاح استخدام الخارق الأطول للمقذوف 3BM42M) . ويرى الخبراء أن هذه النقيصة تكمن في أساس تصميم الدبابة وليس في ذات المدفع ، وهذا يمثل جزء من الثمن الذي دفعه الروس مقابل دمج وضغط الملقم الآلي في هيكل الدبابة .

15‏/8‏/2012

نظام السيطرة على النيران في الدبابة M1 Abrams .

نظــام السيطــرة علـى النيــران في الدبابــة M1 Abrams


امتلاك السلاح الأقوى والذخيرة ربما الأخطر في العالم ، لا يعني الكثير حقيقتاً بدون قدرة طاقم الدبابة عملياً على اكتساب acquire ، وتعقب track ، ومشاغلة engage أهداف العدو تحت ظروف المعركة المختلفة وضمن مدى الأسلحة الرئيسة . لإنجاز هذه المهام مجتمعة ، تجهز دبابات المعركة من الجيل الحالي بأنظمة حديثة للسيطرة على النيران FCS . فمن الناحية التاريخية ، المهمة الأساس لدبابات المعركة الرئيسة أن توفر نظام أسلحة متنقل مع قابلية صدمة عظمى . وفي العديد من حروب والمعارك اللاحقة التي تلت الحرب العالمية الثانية ، عندما كلا الجانبين في النزاعات المختلفة امتلك عربات شديدة التدريع ، وأصبح الاشتباك ومواجهة الدبابات مع بعضها البعض tank vs. tank engagement أمراً لا مفر منه . في مثل هذه الاشتباكات ، المفتاح الأول إلى النجاح كان أن تقتل هدفك (الخصم) قَبل أن يقتلك . لذا بدا أن بعض المواصفات القياسية كان لابد من توافرها لدى دبابة المعركة الرئيسة ، مثل (1) قابلية التعقب الكاملة fully tracked (2) الصورة الجانبية/الظليه المنخفضة low-profile (3) الحماية المدرعة للحد الأقصى المتاح (4) القوة النارية الفاعلة مع قابلية الرمي أثناء الحركة shoot-on-the-move (5) درجة عالية من قدرة المناورة maneuver-ability وخفة الحركة التكتيكية (6) طاقم بتجهيزات متكاملة تتيح مشاغلة طيف متنوع وواسع من أهداف العدو الأرضية ، والأهداف الأخرى النقطوية pointtargets .


في الدبابة الأمريكية M1 Abrams يظهر الغرض الرئيس من توفير هكذا أنظمة في تمكين طاقم الدبابة من التهديف والتصويب بدقة وإطلاق نيران السلاح الرئيس والرشاشة المحورية ، حيث تعمل سوية مكونات سبعة أنظمة فرعية لإنجاز هذا الغرض ، هي (1) منظومة الرؤية البصرية sighting system(2) محدد المدى الليزري laser range-finder(3) نظام التصوير الحراري thermal imaging(4) نظام الحاسوب البالستي computer(5)نظام مراجعة الفوهة muzzle reference(6 ) نظام قيادة وتدوير البرج/المدفع gun/turret drive(7) نظام الاستقرار وتوجيه السلاح لخط البصر stabilization) . حيث يجمع النظام بياناته من عدد من مصادر الإدخال والمجسات بهدف معالجة بعض العناصر الهامة المرتبطة بعامل الدقة ، مثل مدى هدف ، السرعة النسبية ، الظروف البيئية ، نوع الذخيرة ، حالة ووضع الدبابة سواء كانت متحركة أم ثابتة ، زاوية التسديد ، الخ . النظام يعالج هذه المعطيات بموجب مجموعة تعليمات التي تحول وتنقل إلى حاسوبه البالستي ، بحيث يتولى هذا الأخير إصدار الأوامر لأجهزة وأدوات الإنتاج والتفعيل ، التي تباعاً تحرك البرج أو المدفع إلى موقع الرمي الصحيح للقذيفة proper position التي يفترض بها إصابة الهدف المعين عندما تكون مطلقة . إن مفهوم التوجيه الآلي في نظام السيطرة على النيران يشير لمغزى تصويب السلاح الرئيس باتجاه هدف أمامي متحرك ، بمعني التماس زاوية التوجيه lead angle المثلى لسبطانة المدفع حيث يمكن لمقذوفه بلوغ الهدف وإصابته أينما كان . ولأسباب بالستية معروفة ، فإن ارتفاع المدفع يتم تعديله وضبطه لتسديد السلاح جزئياً فوق الهدف (الأمر مرتبط بالمسافة الفاصلة عن الهدف) وإلا فإن المقذوف سيسقط في طريقه وقبل بلوغه الهدف .


منظار المدفعي الأساس GPS في الدبابة أبرامز يتولي تكبير مشهد الهدف ويعرضه في شبكية التسديد reticle . فبعد أن يدخل المدفعي يدوياً نوع الذخيرة المطلوبة للرمي ، فإنه يضع شبكية التسديد في منظاره البصري على الهدف ، ليقوم الحاسوب البالستي التابع لنظام السيطرة على النيران بحساب نقطة التسديد والتصويب الفضلى ، ويحرك المدفع خلال التعويضات الضرورية للإبقاء والمحافظة على دقة التسديد (شبكية التسديد في مركز المنظار البصري تشمل صندوق توجيه بحجم واحد ميلي ردان mill radian ، حيث تكافئ وحدة الزاوية هذه هدف بعرض 0.914 م عند مسافة 914م ، حيث يقابل الميلي الواحد تقريباً متر واحد على مسافة ألف متر) . منظار المدفعي الأساس يشتمل في بنائه العام على مرآة mirror التي تضبط خط البصر في الارتفاع ، هذا الترتيب يبقي شبكية التسديد ثابتة على الهدف ، حيث يعمل نظام السيطرة على النيران على تحسس زاوية هذه المرآة (ارتفاع خط البصر) ، كما يتحسس senses زاوية ارتفاع المدفع أيضاً ، ليبدأ النظام بعد ذلك بنقل وتحفيز حركة المدفع ، وبالتالي زاوية ارتفاع السلاح تهبط إلى خط تسديده gun aim line . في الحقيقة ، الدبابة أبرامز عندما تتحرك ، فإن نظامها للسيطرة على النيران يبقي على ثبات واستقرار ما يعرضه منظار التصويب ، وذلك بتصحيح زاوية سمت البرج/المدفع وكذلك زاوية ارتفاع منظار المدفعي الأساس . النظام يحافظ أيضاً على ثبات السلاح الرئيس في الارتفاع ، بحيث يسمح هذا للمدفعي بتعقب الهدف بيسر وسهولة وإبقاء المدفع على نقطة التسديد aiming point ، حتى في حال حركة الهيكل واهتزازاته .


منظومة الرؤية للنسخ المبكرة من سلسلة الدبابات أبرامز حددت بقدرات تكبير بصري حتى 3× أو 10× ، بسبب التصميم المحدود للكاشفات الحرارية thermal detectors قيد الاستخدام في ذلك الوقت . التجربة المكتسبة خلال حرب الخليج الأولى 1991 أظهرت أن المدى الفعال الأقصى للذخيرة المطلقة من المدفع الرئيس عيار 120 ملم على الدبابة M1A1 تجاوزت كثيراً قابلية وقدرة الطاقم على تمييز الأهداف إيجابياً بمنظار التصوير الحراري الحالي . لتصحيح هذا العيب أو النقيصة ، منظار تصوير الحراري من الجيل الثاني أكثر قدرة وقابلية طور لصالح الدبابة الأحدث M1A2 SEP . وعلى خلاف المناظير البصرية السلبية passive optical sights المستخدمة من قبل الدبابات العراقية في كلتا حرب الخليج الأولى والثانية ، التي يمكن أن تخفض قابليتها بواسطة الدخان ، الغبار ، المطر ، الضباب الرقيق ، النباتات الخفيفة ، شبكات التمويه ، فإن منظار التصوير الحراري ذو التأثير المتفوق للدبابة أبرامز يمكن أن يميز بشكل واضح الجنود والعربات خلال أنواع متباينة من ظروف الرؤية في ساحة المعركة . على الرغم من ذلك ، الكثيرون يقرون بأن أنظمة التصوير الحراري المتوفرة لدبابات الأبرامز وغيرها ليست معصومة أو منيعة عن التأثر بالممارسات المعادية ، فقد طورت العديد من الشركات المتخصصة إجراءات مضادة حرارية thermal counter-measures لهزيمة ودحر هذا النمط من التجهيزات . أحد هذه الوسائل المستخدمة لكبح الرصد الحراري هي تلك المرتبطة بعمل الدخان ، إذ تستطيع هذه ترك غيمة أو سحابة من الجزيئات التي تعيق انتقال الطاقة الحرارية . إن إشعال النيران في أنحاء متفرقة من ساحة معركة يمكن أن يكون إجراء مضاد فعال آخر إلى منظومات التصوير الحراري . فهذه النيران قادرة على خلق بقع ساخنة hot spots يمكن لها حجب الأهداف عن طريق زيادة مستوى الحرارة الخلفية وإجبار أداة التصوير الحراري للوصول لحالة التشبع saturation .

14‏/8‏/2012

Su-25 .. المشاركة في معارك الشرق الأوسط .

Su-25 .. المشاركة في معارك الشرق الأوسط


شهد عقد الثمانينات فصول الحرب العراقية الإيرانية Iran-Iraq War واستخدام  الطائرة Su-25 في العمليات العسكرية ، عندما أصبح العراق زبون التصدير الأول لهذ الطائرة خارج حلف وارسو Warsaw Pact (شحنت Su-25K بحراً في صناديق العام 1985 للخدمة بسلاح الجو العراقي) حيث شوهدت الطائرة Su-25 بعد ذلك خلال السنين الأواخر للحرب التي امتدت من العام 1980 وحتى العام 1988 . وصول Frog-foot إلى العراق لم يكن مفاجئة ، خصوصاً وأن الإتحاد السوفيتي كان مجهز الأسلحة الرئيس لهذا البلد العربي ، فحوالي 53% من الأسلحة التي جهز بها العراق في الثمانينات جاءت من الإتحاد السوفيتي ، تليه في ذلك فرنسا التي جهزت حوالي 20% من احتياجات العراق العسكرية .الطيارون العراقيون تدربوا على أيدي مدربين سوفيت مقيمين في العراق ، على أية حال ، أغلب هؤلاء الطيارين افتقروا إلى الثقة والخبرة ، واحتاجوا إلى تدريبات أولية رئيسة لتنفيذ عمليات ومهام الهجوم الأرضي على المستويات المنخفضة . وبالنتيجة ، المدربين السوفيت لقنوا الطيارين العراقيين تكتيكات الهجوم من الارتفاعات المتوسطة والعالية . مع ذلك لم تشهد هذه الطائرة سوى استخدام محدود في الحرب (الطائرة بالأساس كانت تفتقد آنذاك للتجهيزات الداخلية الحديثة وإلكترونيات الطيران avionics ، بما في ذلك أنظمة السيطرة على النيران وأدوات الرؤية الليلية .. وغيرها) ، حيث اعتمد سلاح الجو العراقي أكثر على الطائرة المروحية Mi-24 Hind لتنفيذ مهام الدعم الجوي القَريب ، بدل الاعتماد على الطائرات ثابتة الجناح .


التسليح القياسي المحمول من قبل Su-25K أثناء الحرب مع إيران كان حاويات المقذوفات غير الموجهة من نوع UB-32 عيار 57 ملم ، وقنابل السقوط الحر المختلفة . كما يعتقد أن السوفييت سلم العراق صواريخ جو-أرض من نوع AS-14 Kedge لكن يعتقد بأن هذا السلاح لم يستخدم قط . تحدثت بعض التقارير أيضاً عن استخدام الطائرات العراقية Su-25 لإطلاق وإسقاط قنابل كيميائية محلية الصنع زنة 500 كلغم (هذه القنابل كانت ترتكز في تصنيعها على القنابل الأسبانية شديدة الانفجار من نوع BR-500التي تنتجها شركة EXPAL) . لقد كان هناك ما مجموعه ثلاثون طائرة Su-25 سلمت إلى العراق ما بين السنوات 1985-1987 ، حيث خصصت هذه الطائرات إلى التشكيلات المستقلة المسندة في المطارات المختلفة في كافة أنحاء البلاد ، وعندما توقفت الحرب العام 1988 ، كان لا يزال هناك نحو عشرون طائرة في الخدمة العملياتية .وفي حادثة واحدة موثقة ، أسقط الإيرانيون طائرة Su-25 عراقية بواسطة صاروخ أرض-جو من نوع Hawk ، لكن الطيار أستطاع القفز بمظلته والهبوط بسلام .


الاستخدام العملياتي العراقي الثاني للطائرة Su-25 كان خلال حرب الخليج وعمليات عاصفة الصحراء Desert Storm ، فنتيجة للتفوق الجوي الهائل لقوات التحالف ، لم تستطع طائرات Su-25 العراقية مغادرة مخابئها ودشمها الخرسانية . كما ساهمت عمليات قوات التحالف في تحطيم أغلب شبكات الاتصال العراقية ، وبالتالي تعقيد توجيه الطائرات Su-25 أو تسييرها في أي شكل من أشكال الهجوم تجاه تجمعات القوات المتحالفة ، ولهذا السبب ، أغلب الطائرات العراقية بقيت على الأرض . في 25 يناير من العام 1991 استطاعت سبعة طائرات من هذا النوع الهروب من قواعدها العراقية والهبوط في جمهورية إيران المجاورة ، مما اضطر سلاح الطيران الأمريكي لعمل دوريات جوية في شمال شرق العراق بهدف منع الطائرات العراقية المقاتلة من الهروب والوصول بأمان إلى إيران . أغلب الطائرات الهاربة هبطت لدى القواعد الإيرانية في تبريز وهمدان وديزفول . وفي مساء 6 فبراير من ذات العام ، بعد فترة قليلة من شروق الشمس ، استطاعت مقاتلتين تابعتين لسلاح الجو الأمريكي من نوع F-15C Eagle ، تعملان في قاعدة الخرج الجوية Al Kharj Air Base في المملكة العربية السعودية ، اعتراض زوج من طائرات MiG-21 وزوج آخر من طائرات Su-25 العراقية ، وتم إسقاط جميع الطائرات الأربعة بواسطة صواريخ Sidewinder (طائرات Su-25 سقطت في الصحراء عند منطقة قريبة من الحدود العراقية الإيرانية) .

13‏/8‏/2012

الدروع التفاعلية المتفجرة ERA .

الــــدروع التفاعليــــة المتفجــــرة ERA
.. البحــث والتطويــر


يتحدث ضابط مصري عن وقائع هجوم مدرع على موقع إسرائيلي محصن خلال حرب أكتوبر 1973 فيقول "أصبحت السماء فجأة مليئة بالكرات الحمراء التي تتجه نحو دباباتنا ، وأصيب الكثير منها واشتعلت فيها النيران" ويعترف المصريون أن صواريخ TOW الموجهة سلكياً ، دمرت الكثير من دباباتهم . وفي المقابل كانت فرق صيد الدبابات المصرية في الأيام الأولى للحرب ، تطلق نحو ثلاثة صواريخ مضادة للدروع ، توجه آنياً نحو كل دبابة إسرائيلية منظورة !! أما مقذوفات RPG-7 ، فكانت تطلق بمعدل 4-3 قذائف توجه إلى كل دبابة ، وذلك من مسافة 100 متر تقريباً . ويؤيد الصحفيون الذين زاروا جبهات القتال هذا القول ، إذ يقول أحدهم انه شاهد الكثير من دبابات Centurion الإسرائيلية وهي محترقة ، وبها ثقب صغير حفره الصاروخ في برجها ، ولقد التفت عليها أسلاك توجيه الصاروخ .. لقد كانت خسائر الدروع الإسرائيلية شديدة ، وتم استشعار النتائج بعمق في القيادة الإسرائيلية كأمة عاجزة عن قبول وتحمل إصابات خسائر المعركة القاسية .

المشهد تكرر مرة أخرى في حرب 1982 والاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية ، عندما ظهرت الدروع الإسرائيلية ضعيفة أمام أسلحة الكتفية المضادة للدروع للمقاومة الفلسطينية ، كالقاذف السوفيتي RPG-7 ، وفي الحقيقة فان الأسلحة الكتفية المستخدمة في هذه الحرب ، هي ذاتها تلك التي استخدمت في حرب 73 ولكن بظروف مختلفة كليا (بلغ عدد القوات الإسرائيلية في هذه الحرب نحو 170 ألف جندي ، تساندهم 2800 دبابة وعربة مدرعة ، وسلاح الطيران والبحرية بأكملهما) حيث تركزت الأعمال القتالية على التضاريس الحضرية ، حيث المباني والأزقة الضيقة ، مما أدى إلى خسائر كبيرة في سلاح الدروع الإسرائيلي . ويعطي النقيب "دانيل بينتو" من سلاح الدروع الإسرائيلي صورة حية لأعمال القتال ، فيقول : عند محور قرية حاصبيا Hasbaiya وقعت دباباتنا في كمين فلسطيني ، لقد كان كميناً حقيقياً ، كان هناك 13 فلسطينيا يحملون جميعا قذائف RPG-7 جاهزة للعمل ، وكان هناك رفاق لهم لم اعرف عددهم بالضبط ، كانوا مزودين بمدافع رشاشة ثقيلة ومتوسطة ، لقد ترك هؤلاء الفلسطينيون طلائع دباباتنا تمر بسلام ، وشعر الذين كانوا ضمن أطقم هذه الدبابات بالأمان التام ، واعتقدوا أن المنطقة خالية تماماً ، وكانت البسمات العريضة تعلو وجوه جميع أفراد أطقم الدبابات ، لكن فجأة هبت العاصفة الساخنة ، وانطلقت مقذوفات RPG-7 اللعينة تحطم دباباتنا ، كل قذيفة كانت تدمر أو تعطب دبابة ، ذلك أن المسافة ما بين دباباتنا وأفراد الكمين الفلسطيني ، كانت قريبة جداً لا تزيد عن 15 متر ، وفي بعض الأحيان كانت تصل إلى ثلاثة أمتار !! في هذه الحالة تكون الإصابة دقيقة مئة بالمائة ، كما أن الدبابات كانت تسير ببطء وحذر تحسباً لوقوع هجمات فلسطينية مفاجئة ، وحين تسير الدبابات ببطء ، تكون إصابتها مضمونه تماماً .. لقد غرق رتل الدبابات الإسرائيلية في الجحيم ، الدبابات التي أعطبت أو دمرت بقيت في أماكنها دون حراك وأغلقت الممرات ، وكانت هناك 18 دبابة مدمرة معظمها من نوع Merkava ، لقد أثارت إنفجاراتها الضخمة ، الرعب في قلوب الكثيرين من الجنود وأفراد الأطقم ، أما الذين استطاعوا الخروج من هياكل دباباتهم التي اشتعلت فيها النيران ، فقد حصدتهم المدافع الفلسطينية الرشاشة ، وكان هناك الكثير ممن حاصرتهم النيران داخل دباباتهم ، ومصافحاتهم ، واحترقت أجسادهم فيها .


مشهد آخر مماثل في نفس الحرب ، يرويه الملازم الإسرائيلي "هنان" قائد إحدى الوحدات المظلية ، عن كيفية إصابته فيقول : أذكر أن أحدهم أطلق من داخل أحدى المباني قذيفة RPG فدمر أحدى الدبابات ، فحاولت أن أوجه نيراني إلى داخل المبني ، لكني ما كدت أضغط على زناد الرشاش الثقيل ، حتى تلقت دباباتي قذيفة أخرى إصابتها من الجهة اليسرى ، لقد لمحت فدائياً فوق سطح ذلك المبني ، لمحته يطلق النار بغزارة علينا ، لقد أطلقوا علينا عشرات من القذائف RPG التي أصابت دباباتنا نظراً لقرب المسافة ، وفجات شعرت بغباش كثيف يغطي عيني ، كانت دبابتي ما تزال تشتعل ، قلت لنفسي إذا لم أقفز منها فسوف أكون في عداد الأموات ، عندها تشبثت بيدي وأظافري بسطح برج الدبابة ، وجررت نفسي بصعوبة بالغة وتدحرجت عن الدبابة حيث وقعت أرضاً ، وواصلت التدحرج لأجد نفسي داخل قناة قريبة ، عندها انفجرت دبابتي ، لقد كانت مسألة ثوان معدودة تفصلني عن الموت ، كنت سأتفجر مع دبابتي المحترقة .. هذه بعض الصور الواقعية للأخطار المحدقة التي تواجه الدبابة وأطقمها في ساحة المعركة ، حتى أن الماريشال غريشكو Marshal Grechko وزير الدفاع السوفيتي آنذاك ، ذكر يومها "إن المعارك في الشرق الأوسط .. قد أثارت مجدداً قضية العاقة بين الهجوم والدفاع . لقد أصبحت الدبابات أكثر عرضة للنيران ، وأصبح استخدامها في أرض المعركة أكثر تعقيداً" .


في أواخر الستينات ظهر اتجاه جديد في ميدان أبحاث التدريع ، أطلق عليه "الدروع النشيطة" energetic armours ، الذي هدف لمواجهة خطر مقذوفات الشحنة المشكلة shaped charge عالية الطاقة . فمع ظهور قذائف الطاقة الكيميائية تلك وتحسن قدرات اختراقها ، بدا جلياً أنه من العبث مواجهتها بإضافة المزيد من صفائح الفولاذ ، لأنها ستخترق سماكة أي دروع تقليدية يمكن للدبابة أن تحملها (استخدم الأمريكان خلال حرب فيتنام ، أكياس الرمل لتغطية الأجزاء المهمة من دباباتهم وذلك لإفشال ذخائر الشحنة المشكلة) وتحافظ في نفس الوقت على حجمها وحركتها . وكان باستطاعة زوار معارض صناعات الدفاع ، مشاهدة صفائح تدريع فولاذية ذات سماكة كبيرة ، وقد أحدثت فيها قذائف صاروخية ذات شحنات مشكلة ، منطلقة من على الكتف ، ثقوباً بقطر الإبهام . هدفت مثل هذه الدراسات جوهرياً لاستغلال الطاقة المسيطر عليها بطريقة ما ، لتحطيم تشكيل نفاث الشحنات المشكلة . منطقياً ، أغلب هذه الأفكار استخدمت الطاقة الكيميائية chemical energy المدخرة والمخزنة في المتفجرات ، لدفع نوع من أنواع الصفائح المعدنية إلى مسار سيل النفاث القادم . وهكذا ظهرت فكرة تطوير وحدات متفجرة ، تولد طاقة كافية في وقت قصير جداً ، كردة فعل فورية لدى اشتعال الشحنة المشكلة فوقها واختراق النفاث لطبقة التصفيح . وكان لابد من وجود ترجمة عملية لهذه الفكرة ، ومواجهة العديد من المتطلبات ، أولها كان التوصل إلى وحدات تدريع ذات حجم ووزن معقولين ، تحمل كمية صغيرة من المتفجرات تفي بالغرض ، أما الشرط الثاني فكان التوصل إلى مادة متفجرة مناسبة ، تفي بشروط السلامة والأمان المطلوبين . وكانت الشروط الهندسية تقضي بألا يزيد وزن هذه الوحدات ، عن جزء من عشرين من وزن التصفيح التقليدي المقابل . أما شروط السلامة والأمان فتقضي بأن تتحمل هذه المواد الظروف التالية دون أن تنفجر تلقائياً تحت ظروف نيران الأسلحة الخفيفة ، انفجار إحدى الألواح المجاورة ، الحرارة العالية والصدمة الحرارية ، النقل والارتجاج ، نيران القص والقطع واللحام الكهربائي ، وعليها أيضاً أن تكون عازلة للماء ، ولا تتأثر إلا قليلاً من جراء طول مدة تخزينها .


بداية البحث والتطوير :
يرجع الفضل في تطوير الدروع التفاعلية المتفجرة Explosive Reactive Armour أو اختصاراً ERA ، للعالم النرويجي الدكتور مانفريد هيلد Manfred Held ، الذي سجل براءة اختراعه في ألمانيا العام 1970 حين كان يعمل في شركة نوبل Nobel (لا غرابة في أن الخبرة التي تطلبت لإنتاج الدروع التفاعلية المتفجرة كانت مرتبطة بالأساس بشركات صناعة المتفجرات) . فبعد حرب الأيام الستة عام 1967 عكف مانفريد على دراسة حطام الدبابات T-54 وT-55 ، ولاحظ حينها أن بعض الدبابات العربية المصابة بمقذوفات الشحنة المشكلة كان لديها ثقب دخول دون أثر لثقب الخروج . لقد كانت هذه بعض استدلالاته بأن نفاث الشحنة المشكلة اصطدم بمخزون الذخيرة الداخلي في الدبابة المصابة ، وأن تأثير الانفجار عمل على تبديد طاقة النفاث وتحويلها بعيداً عن مسارها . عمل الدكتور مانفريد بعد ذلك لصالح شركة Rafeal الإسرائيلية لتطوير التدريع التفاعلي المتفجر المدعو Blazer ، الذي أنتج في العام 1978 ، وظهر أولاً على الدبابات الإسرائيلية Centurion وM60A1 وM48A5 في لبنان العام 1982 (بعد ذلك بسنة ، ظهر تدريع مماثل من حيث الفكرة على الدبابات السوفييتية T-80BV وبعد ذلك على الدبابات الأخرى) . فمنذ أول ظهور للدبابات المجنزرة في العام 1916 ، تولدت منافسة حامية بين كل من مصممي العربات المدرعة ، ومنتجي الأسلحة المضادة لها ، وبدا مع كل تطوير يجريه طرف ما ، كان هناك إجراء مضاد ووقائي يجريه الطرف الآخر .


في منتصف الستينات وأوائل السبعينات برزت في ساحة المعركة أعداد كبيرة من أشكال المقذوفات الصماء والصواريخ الموجهة المضادة للدروع ، المزودة برؤوس حربية ذات شحنة المشكلة . لقد وفرت هذه تهديداً رئيساً لأساطيل الدبابات الموجودة في العالم ، والتي اعتمدت في حمايتها بشكل قياسي على الفولاذ وصفائحه المتجانسة . تضمنت هذه الأسلحة منظومات رخيصة ، كتلك المطلقة من الكتف ، مثل السوفييتي RPG-7 ، وكذلك الأمريكي الخفيف M72 وغيرها الكثير .. كما اشتملت على منظومات موجهة أكثر تعقيداً وأغلي ثمناً مثل السوفييتي 9K11 Malyutka (التسمية الغربية AT-3 sagger) ، والأمريكي BGM-71 TOW . وعمل نجاح بعض تلك المنظومات المضادة للدروع أثناء حرب أكتوبر 1973 ، على دفع العديد من الخبراء والمصممين للبحث من جديد عن وسائل تعيد التوازن وتحسن مستويات الحماية لدباباتهم وعرباتهم المدرعة بشكل فعال . فكرة التهديد القائمة تركزت على الرؤوس الحربية ذات الشحنة المشكلة ، التي استخدمت أولاً خلال الحرب العالمية الثانية ، ثم بلغت قدراتها مستوى عالي الكفاءة في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات . هذا النوع من الذخائر يعمد إلى تحقيق ثقب ممتد في صفائح التدريع بواسطة طاقة نفاثة عالي السرعة ، الذي ينفذ بدوره لمقصورة الطاقم crew compartment ، مسبباً أضراراً شديدة للمعدات ، وإصابات جسيمة للأفراد المتواجدين داخل الهدف .


في حرب أكتوبر عام 1973 ، واجهت الدبابات الإسرائيلية كما وسبق ذكره ، خسائر جسيمة نتيجة الأسلحة السوفيتية المضادة للدبابات . هيئة سلاح الدروع الإسرائيلية كانت مصره وجادة في البحث عن وسيلة فعالة لحماية دباباتها من طراز centurion ، M60 ، M48 ، فاتجهت إلى مؤسسة "رافائيل لتطوير السلاح" Rafael Armament Development لتطوير ما أصبح يعرف بالتدريع "السترة" Blazer ، وهو أول شكل من أشكال الدروع التفاعلية المتفجرة التي تظهر للعلن . حيث استكملت عملية تطويره في العام 1978 ، وشاهد العالم الدبابات الإسرائيلية خلال غزو لبنان في 6 يناير العام 1982 (أو كما سميت إسرائيلياً بعملية سلام الجليل Peace for Galilee) وهى محاطة بقراميد أو بلاطات الدروع التفاعلية المتفجرة . عندها وجد الإسرائيليون التدريع Blazer فعال جداً في مواجهة واعتراض مقذوفات RPG-7 سيئة السمعة ، والمستخدمة بوفرة من قبل القوات اللبنانية والفلسطينية والسورية التي تدافع عن بيروت . كما اكتشفوا أن استخدام هذا النوع من الدروع ، يمكن أن يتحقق بدون مخاطر جدية للقوات الصديقة المرافقة والمتواجدة بالقرب من القراميد المتفجرة عند تنشيطها . وفي الحقيقة هذه الدروع صممت وفق حسابات واعتبارات خاصة ، بما في ذلك عدم تفاعلها مع الطلقات صغيرة العيار أو شظايا المدفعية .


إن الفكرة العامة أو مبدأ عمل الدروع التفاعلية المتفجرة ERA أو العناصر الديناميكية dynamic elements تجاه قذائف الطاقة الكيميائية ، قائمة على خطوات مسلسلة مدروسة . ففي هذا التصميم ، يجرى وضع صفيحتين معدنيتين مستطيلتين ، يحصر بينها طبقة مواد متفجرة بلاستيكية قوية . هذا الترتيب يوضع في صندوق معدني ، الذي يثبت بدوره على طبقة الدروع الرئيسة للعربة المدرعة بنحو مائل ومنحرف إلى الزاوية المتوقعة لهجوم نفاث الشحنة المشكلة ، وعادة ما تكون هذه عند زاوية 60 درجة . وبعد أن تضرب قذيفة HEAT بلاط الدرع التفاعلي المتفجر ، فإن نفاث الشحنة يثقب الصفيحة الفولاذية لوحدة الدرع التفاعلي ، ويتسبب بالتالي في تحفيز وإشعال الطبقة المتفجرة المحصورة بين طبقتي الصفائح ، ومع صعق وتفجير هذه طبقة ، فإن الضغط الناتج يجبر الصفائح المعدنية على الاندفاع بعيداً في اتجاهين متعارضين ، حيث تستكمل عملية التسارع وتعجيل المادة المتفجرة خلال 6 أجزاء من المليون من الثانية . ولأن الصفائح موضوعة بزاوية مائلة angle oblique باتجاه محور نفاث الشحنة المشكلة ، فإن الصفيحة الأمامية الطائرة تدخل وتقحم بشكل مستمر مادتها المعدنية في طريق النفاث الخارق عالي السرعة ، مما يؤدي لإرباكه وإقلاقه ومن ثم استهلاك جزء مهم من طاقته . النفاث المضطرب destabilised يصل في مرحلته الأخيرة للصفيحة المعدنية الخلفية ، التي تتحرك في الاتجاه المعاكس للصفيحة الأولى ، حيث تعمل القوة الممارسة من قبل الصفيحة الخلفية جوهرياً على إخماد طاقة النفاث المستلمة من الصفيحة الأمامية ، وهذا يتسبب في زعزعة سيل النفاث وتجزئته إلى قطع أصغر . جوهرياً ، رأس أو مقدمة النفاث هو أكثر أجزاءه كفاءة ، وهو من يسمح في الحقيقة بإزاحة مادة التدريع من طريق النفاث والسماح لبقية كتلته بالتكدس بشكل كفء في الثقب الناتج عن الاختراق الابتدائي . إن دور الدروع التفاعلية المتفجرة المصعدة فوق هيكل وبرج دبابة المعركة الرئيسة يتمثل في تخفيض قابلية اختراق نفاث الشحنة المشكلة ، بحيث يمنع بمادة الصفائح وطاقة الانفجار من تحقيق أي اختراقات هامة significant penetration في صفائح التدريع .