4‏/9‏/2020

دونباس .. خسائر الدبابات الأوكرانية خلال الحرب الأهلية.

 دونبـــاس .. خسائـــر الدبابـــات الأوكرانيـــة خـــلال الحـــرب الأهليـــة

دراسة تم إعدادها بعد مرور بضعة أشهر على الحرب الأهلية في منطقة "دونباس" Donbass والتي عرفت كذلك بحرب شرق أوكرانيا (بداية الصراع كان في 6 أبريل العام 2014) بين القوات الأوكرانية من جهة والانفصاليين الموالين لروسيا من جهة أخرى. الدراسة تناولت أسباب تهاوي ودمار الدبابات الأوكرانية والخسائر الجدية serious losses التي تعرضت لها العربات خلال هذا الصراع!! فطبقاً لأحد المواقع الأوكرانية المتخصصة في خسائر الدروع (LostArmour) فإن كلا جانبي النزاع فقدا العشرات من الدبابات والعربات المدرعة الأخرى، وأن الجزء الأكبر من هذه الخسائر كان من نصيب الجانب الأوكراني. الدبابات الأوكرانية التي شكلت الجزء الأهم من القوات الأرضية للبلاد، ظهرت من بداية النزاع بصورة غير مرضية تماماً unsatisfactory condition، حيث ساهمت العديد من العناصر الرئيسة وبشكل مباشر في تخفيض الاستعداد القتالي لهذه الدبابات.

طبقاً لبيانات وزارة الدفاع الأوكرانية التي أعلنت في مرحلة لاحقة وبشيء من التفصيل عن خسائرها المدرعة خلال الفترة من العام 2014 وحتى النصف الأول من العام 2016، فقد ذكرت أنها في السنتان الأولى من القتال، عدد 2576 دبابة معركة، ناقلة جنود مدرعة، عربة مشاة قتالية وغير ذلك من الآليات تلقت أضرار بنسب متفاوتة. من ذلك، عدد 391 وحدة لا يمكن إعادتها للخدمة not recoverable، أو بكلمات أخرى كانت مدمرة بالكامل. أغلب الخسائر كانت في عربات المشاة القتالية IFV (جرى تسجيل عدد 1415 وحدة متضررة في المجمل، منها 214 مدمرة بالكامل). كان هناك تقريبا ثلاث مرات أقل في عدد خسائر الدبابات (عدد 519 متضررة في المجمل، منها 79 مدمرة بالكامل). عدد أقل من الخسائر بين ناقلات الجنود المدرعة APC (عدد 439 متضررة في المجمل، منها 68 مدمرة). أيضاً كان هناك عدد 173 عربة مدرعة أخرى متضررة خلال المعارك، منها 30 عربة دمرت بالكامل. ومما يمكن ملاحظته هو أن معظم أضرار العربات كانت ناتجة عن ضربات أنظمة المدفعية متعددة الفوهات ومدافع القوس ومدافع الهاون (في المجموع، عدد 1159 عربة مدرعة أعطبت بنيران هذه الأنظمة)، في حين نحو 350 عربة مدرعة أعطبت بالألغام الأرضية landmines ومتفجرات الطريق المرتجلة IED. في المرتبة الثانية لمسببات الأضرار، جاء دور أسلحة المشاة المضادة للدروع والتي ألحقت خسائر كبيرة في العربات الأوكرانية أثناء المعارك. الانفصاليين تسلحوا بقاذفات كتفية وأسلحة أخرى خفيفة مضادة للدبابات، مما نتج عنه إعطاب عدد 438 وحدة مدرعة. عدد 361 من وحدات العربات المدرعة استلمت أضرار شديدة من مدافع دبابات العدو وعربات المشاة القتالية. عدد 355 وحدة مدرعة أوكرانية تعرضت للضرر نتيجة الألغام الأرضية ومتفجرات الطريق المرتجلة. عدد 283 وحدة مدرعة أخرى أتلف بواسطة أنظمة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات ATGM. أغلب هذه الخسائر حدثت أثناء القتال العنيف للسيطرة على مطار "دونتسك" Donetsk وفي منطقة "ديبالتسيفي" Debaltseve (بشكل عام، خسائر العربات المدرعة في الأشهر من يوليو وحتى سبتمبر العام 2014 مثلت نحو 44% من إجمالي الخسائر خلال الفترة من 2014 إلى النصف الأول للعام 2016).

في الحقيقة منظر الدبابات التي دمرت من قبل المقاومة الشعبية كان غالباً مشهد فظيع، ومعظم أبراج الدبابات والهياكل تعرض للتلف والأضرار البالغة بعد أن نُزعت عن بعضها البعض. وأحيانا تعرضت هذه الهياكل الملحومة للتمزق tearing بالمعنى الحرفي للكلمة وتبعثرت أجزاءها للخارج. مثل هذه المظاهر المعهودة في التصاميم سوفييتية الأصل وكما شوهد في العديد من ساحات النزاع، كانت ناجمة على الأرجح عن إيقاد وانفجار مخزون الذخيرة الداخلي. شحنات الدافع Propellants وكذلك شحنات المقذوفات الخاصة بالسلاح الرئيس تعرضت للانفجار وأهلكت بالنتيجة طاقم الدبابة بشكل مأساوي. لقد تسببت تقنية التصميم العتيقة في حرمان الطاقم من أي فرصة للهروب بعد أن مُزقت الدبابة إلى أجزاء غير متناسقة. النموذج الأكثر وضوحاً لخسائر الدرع الأوكراني شوهد من خلال دبابات المعركة من نوع T-64BM Bulat التي تركت في أرض المعركة وبدا صعوبة تجاوز أضرارها أو إعادتها ثانية للخدمة.

الدراسة تناولت جملة من الأسباب وراء المشاهد المريعة للدبابات الأوكرانية المدمرة، ووضعت إحدى الفرضيات المحتملة والتي تحدثت بإسهاب عن "ذخيرة دون المستوى" sub-standard ammunition كما ذكر أحد الاختصاصيين المعروفين في هذا المجال، والذي أشار بوضوح لاحتمالية كونها (ذخيرة الدبابة المستخدمة) أحد الأسباب الرئيسة وراء تحصيل هذه الأضرار الحادة في البناء الهيكلي والتركيبي structural damage للدبابات الأوكرانية. فمعطيات وخصائص الذخيرة، كشحنات الدافع وشحنات المقذوفات ذاتها، محكومة بفترة تخزين محددة تضمن سلامتها وجودتها. وبعد تجاوز فترة التخزين المقررة storage period، هذه الذخيرة تتعرض لتبدلات وتغيرات كيميائية ينتج عنها تدهور ملكياتها وخواصها التفاعلية، وبالتالي هي تتسبب في تحولات حادة في منهج القذف الداخلي internal ballistics أثناء عملية الإطلاق. ففي حالة مساحيق الدافع 4Zh40 المستخدمة لإطلاق المقذوفات، نجد أن تجاوز زمن التخزين يتسبب في حدوث تقلبات ملحوظة في نمط وسلوك الاحتراق combustion behavior، وبالنتيجة انحراف أعظم في درجات الطاقة المحررة وكمية الغازات المشكلة (يتركز تصنيعها على مسحوق البيروكسيلين pyroxylin القابل للاحتراق بالكامل والذي يمتلك طاقة انفجار ثابتة أعلى من مسحوق البارود لنحو 2-3 مرة، خصوصاً مع اشتماله على نسبة مرتفعة من النيتروجين تبلغ تقريباً 12.5%). عموماً، الجيش الأوكراني لم يستلم ذخيرة دبابات جديدة خلال 25 سنة الماضية، باستثناء الصواريخ الموجهة المضادة للدروع.

ولإثبات صحة فرضيته، لجأ أحد الاختصاصيين الأوكران ويدعى أندريه تاراسينكو Andrei Tarasenko لبحث علمي عنوانه "دراسة تجريبية حول عمر سبطانات المدافع الملساء" أعد من قبل مجموعة خبراء وباحثين في الجامعة التقنية الوطنية KhPI في مدينة كاركيف Kharkiv (تأسست العام 1885 وهي الجامعة العلمية الأكبر والأقدم في شرق أوكرانيا) ونشرت نتائج البحث العام 2011 في مجلة الجامعة. هدف الدراسة وجه نحو تحرى مستويات اهتراء وتآكل سبطانات المدافع الملساء barrel wearing الخاصة بدبابات المعركة الشرقية والتي تستخدم غالباً ذخيرة متنوعة مختلفة الطاقة. الاختبارات التجريبية للبحث أنجزت بالتعاون مع مكتب تصميم الآلات موروزوف KMDB (شركة مملوكة للدولة الأوكرانية ومسئولة عن تصميم العربات المدرعة، بضمن ذلك الدبابات T-80UD وT-84 بالإضافة إلى المحركات ذات الاستخدام العسكري)، حيث أجريت عمليات إطلاق نار حيه باستخدام ثلاثة سبطانات مدافع. الذخيرة التي استخدمت في التجارب كانت من النوع المخترق للدروع النابذ للكعب المستقر بزعانف APFSDS، وهي من نفس الدفعة التي أنتجت قبل 22 سنة وكانت قيد التخزين. بيانات الاختبار جمعت ودمجت مع مقذوفات أخرى جرى إطلاقها مع عمر تخزين بلغ 9 سنوات فقط. وبعد استيفاء كامل البيانات والتحليل العلمي الدقيق، جاء خبراء كاركيف إلى الاستنتاجات المثيرة interesting conclusions. فقد وجد هؤلاء أنه خلال احتراق شحنات الدافع التي امتدت فترة تخزينها حتى 22 عاماً (تجاوزت فترة التخزين المحددة بنحو 12 سنة) فإن الضغط الأقصى maximum pressure في تجويف سبطانة السلاح نما وتزايد لنحو 1.03-1.2 مرات وعلى هيئة مزيد من الطاقة المحررة. علاوة على ذلك، الحسابات أظهرت أن استخدام مثل هذه الذخيرة المتقادمة سوف يزيد اهتراء وتآكل سبطانة السلاح بشكل ملحوظ لنحو 50-60%. وفي الأساس، فإن البناء الهيكلي للذخيرة السوفييتية/الروسية الخارقة للدروع النابذة للكعب عانى من بعض عيوب ونواقص التصميم التي سببت الضرر الأكبر لتجويف سبطانة المدفع مقارنة بأنواع الذخيرة الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق