9‏/9‏/2013

سلاح المدفعية وقابليته في ساحة المعركة .

ســــلاح المدفعيــــــة وقابليتــــــه فـــــي ساحــــــة المعركـــــــة 


المدفعية هي سلاح الحرب الذي ينجز مهمة ايصال الذخيرة وإسقاطها إلى مدى أبعد بكثير من المدى الفعال للأسلحة الشخصية والفردية . هي سلاح ناري تقليدي يعمل بتأثير ضغط الغازات الناتجة عن شحنات الدافع propellant charges ، حيث تعمل السبطانة على تحديد وجهة انطلاق المقذوف ، الذي يطير في الغالب بنمط غير موجه . وعند ارتطامه بالهدف ، فإن حجم التأثير بالهدف مقيد ومرتبط بكتلة المقذوف ، أو للدقة بحجم المادة المتفجرة التي بداخله . وعندما سلاح ناري مطلق ، اشتعال الشحنة الدافعة ينتج قوتين متضادتين counter forces في الاتجاه في تجويف السبطانة . الأولى هي القوة التي تعطي المقذوف طاقته للطيران ، والثانية هي القوة المعاكسة والمساوية في الحجم equal size . إن القوة المضادة هنا تدعى "الارتداد" recoil . في الأسلحة العاملة بآلية الارتداد ، نهاية السبطانة تكون مغلقة ، لذا الارتداد يجبر السلاح على التراجع للخلف . في المدافع ، الارتداد مواجه ومقاوم بتأثير وزن هذه المدافع ونظام الارتداد (المدافع إذا لم تجهز بآلية كبح الارتداد فإنها ستقذف عدة أمتار للخلف عندما هي مطلقة) . سبطانات المدافع تكون على شاكلتين ، فهي إما محلزنة الجوف rifled ، بحيث تجبر القذيفة لتسريع دورانها حول محورها وبالتالي موازنة القذيفة . وإما ملساء smooth كما هو الحال مع مدافع الهاون التي لها عادة سبطانات ناعمة الجوف ، لذا مقذوفاتها لها زعانف ذيل تؤمن استقرار القذيفة أثناء الطيران . عيار المدفع محدد ومقاس بالقطر الداخلي لتجويف السبطانة والذي يصور بوحدات المليمتر . أما طول سبطانة المدفع فمقاس عادة بوحدات العيار caliber . بمعنى آخر ، الطول الذي ستبلغه السبطانة عند مضاعفة عيارها . إن مدى المدفع مرتبط ومتأثر إلى حد بعيد بقطر فوهته بالإضافة إلى طول السبطانة barrel length . فالسبطانة الأطول تنجز سرعة فوهة أعلى ، لذا يعتبر حجم السبطانة السبب الوحيد والرئيس لوزن منظومة السلاح المرتفعة .
 


قذائف المدفعية مصممة أصلاً لاختراق وتحطيم الدشم والتحصينات fortifications ، وعادة ما ينسب إليها معدل القتل الأعلى في ساحة المعركة قياساً بالأسلحة الأرضية الأخرى . في الحروب النابليونية والحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية ، غالبية الاصابات والوفيات خلال الأعمال القتالية كان سببها قذائف المدفعية . هذه القدرات دفعت الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين في العام 1944 لوصفها في احدى خطاباته بأنها "إله الحرب" God of War . أثناء العمليات العسكرية ، دور مدفعية الميدان يتركز على توفير الدعم الناري القريب للأسلحة الأخرى أو مهاجمة الأهداف الأخرى الثابتة . إن الدور الأخير منجز نموذجياً بتسديد رشقات من الذخيرة شديدة الانفجار ، إما بقصد إيقاع الإصابات والخسائر البشرية في قوات العدو ، أو تحطيم مواضع استحكاماته وتجهيزاته وعرباته بتأثير أجزاء وشظايا غلاف القذيفة casing fragments والعصف الناتج . الدعم الناري بشكله العام وكما أظهرت العديد من الصراعات الدولية ، هو شرط مسبق ومطلب رئيس لنجاح أي هجوم . والمهاجم في هذه الحالة يجب أن يكون قادراً على تنفيذ وانجاز مهامه القتالية بينما هو يقمع ويخمد نيران بطاريات العدو المضادة . أيضاً الدعم الناري يعتبر حجر الزاوية ومطلب ملح لأي عمل دفاعي ، على الرغم من أنه غالباً ما ينجز خلال فقط زمن محدودة وفي اللحظة والنقطة الحاسمة من المعركة . في المقابل ، كان دائماً للعقيدة أو المذهب العسكري Military doctrine دور وتأثير هام على اعتبارات التصميم الرئيسة لسلاح المدفعية . على سبيل المثال ، زيادة اقتراب رماة المدفعية واشتراكهم في المعركة المباشرة ضد أسلحة المعركة الأخرى وكذلك هجمات الطائرات المتنوعة ، عملت جميعها على تهيئة السلاح لاستقبال شكل من أشكال الوقاية أو التصفيح الأمامي gun shield الذي بدى ضرورياً لصد وكبح شظايا الإنفجارات القريبة . عوائق أخرى حول كيفية استخدام السلاح في الحرب المتنقلة استوجبت تطوير طرق جديدة لنقل المدفعية إلى ساحة المعركة . وظهر شكلان مميزان نتيجة أعمال التطوير ، أولهما المدافع المجرورة/المسحوبة towed guns التي كانت مستعملة أساساً لمهام الهجوم أو الدفاع في الخطوط المعدة والمحضرة سلفاً ، وثانيهما المدافع ذاتية الحركة self-propelled guns التي صممت لمرافقة القوات المتحركة وتوفير نيران دعم مستمرة . مع ذلك ، المدفعية الحديثة ميزت بوضوح بخاصيتها الأكثر أهمية ، والمتمثلة باستخدام النيران غير المباشرة indirect fire ، حيث تعمل سبطاناتها ذات القطر الكبير على التصويب والتهديف بدون رؤية الهدف مباشرة خلال مناظيرها .
 


في الحقيقة تطويرات المدافع في السنوات العشرين الأخيرة تركزت على محورين رئيسين ، الأول تعلق بمنظومة المدفع ذاتها ، من حيث زيادة طول السبطانة وآلية الحركة ، حيث انشغل المصممون على زيادة مدى الرمي ومعدله بالإضافة لزيادة دقة التصويب ، وجعل التلقيم في العديد من المنظومات آلياً ، خصوصاً في الأعيرة الكبيرة التي كانت تعاني من زيادة أفراد الطاقم ، وجعلت المدافع في معظمها ذاتية الحركة بعد وضعها على هياكل مدرعة بدل تلك المقطورة . وفي هذا الجانب انصب الاهتمام كثيراً على كيفية إخراج المدافع من دائرة خطر القصف المضاد ، إذ أن مدافع الميدان خلال الحروب السابقة كانت مقطورة في معظمها ، وتقوم العناصر العاملة عليها بتنفيذ تدابير الحماية والوقاية عن طريق تكديس أكياس الرمل ، وأحياناً إقامة التحصينات الإسمنتية إذا كان التمركز دفاعياً وطويل المدى . الأمر الذي قلل من احتمالات الإصابة بقذائف ونيران البطاريات المضادة Counter-battery fire ، وبالتالي جعل استمرار الدعم الناري للوحدات الصديقة ممكناً .. أما المحور الثاني فقد ارتبط بتكنولوجيا الذخيرة وتقنياتها ، فقد بدأ الخبراء في البحث عن أي فرصة لزيادة دقة واحتمالية الإصابة ، خصوصاً على المدى البعيد والرؤية غير المباشرة ، بالإضافة لزيادة التأثير على الهدف target effect . فأخذوا بعض أفكار القنابل العنقودية وقنابل الإسقاط الحر من الطائرات ، والتي تنفتح حاوياتها على ارتفاعات متفاوتة فوق منطقة الهدف ، لتنطلق منها ذخيرة فرعية وقنيبلات صغيرة الحجم شديدة التأثير ، منها ما هو حر السقوط ومنها ما هو موجه تلقائياً ، وهذه الأخيرة تعمل على مسح المنطقة التي تهبط نحوها بشكل لولبي وتعالج الإشارات الواردة عن أهدافها قبل الانقضاض الأخير .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق