الصفحات

6‏/10‏/2016

تجربة القتال الحضري في مدينة غروزني 1994-1996 (3) .

تجربـــــــة القتـــــــال الحضـــــــري فــــــــــي مدينــــــــــة غروزنــــــــــي 1994-1996 (الحلقة 3)
أولى المصاعب التي واجهها الجيش الروسي تعلقت بعدم توفر الأموال والدعم اللازم للحملة سوى القليل . كما أن الكثير من الوحدات الروسية لم تجري أو تمارس أي نوع من أنواع التدريبات على مدى أكثر من سنتين . كتائب أخرى كانت محظوظة في تلقى تدريب ميداني field training مرة واحده في السنة . بعض الجنود الروس لم يعرفوا كيف يحفرون جحر الثعلب foxhole ، أو زرع الألغام ، أو تهيئة وإعداد مواضع أكياس الرمل ، أو مواضع الرشاشات الآلية ، ناهيك عن إدارة العمليات الحضرية . أغلب الجنود كانوا بالكامل غير متعودين على القتال في الليل (الوقت المفضل لعمليات المقاتلين الشيشان في غروزني) . معظم الكتائب الروسية المشاركة في العمليات كانت مع نسبة جاهزية بالعنصر البشرى لنحو 55% . حوالي 85% تقريبا من الشباب الروسي كانوا معفيين أو مؤجلين من الخدمة العسكرية . هذا ما أرغم الجيش على قبول المجندين الإلزاميين ذوى السجلات الإجرامية أو ممن يعانون من مشاكل صحية مختلفة (حوالي 2,000 مجند توفوا كل سنة نتيجة القلق والانهيار العصبي physical breakdown أو من الانتحار . في العام 1996 ، تقريباً 1,100 جندي قتلوا ، في الغالب من قبل زملاءهم الجنود) وهذا ما فسر تصرف هؤلاء الجنود تجاه المدنيين في الشيشان . لقد كان الجيش الروسي يفتقد إلى القدرة على إيواء أو إسكان الضباط ويعانى من مشاكل خطيرة في توفير الأغذية الكافية إلى جنوده ودفع الأجور لهم . نقص الغذاء كان حالة مشينة ومخزية حقيقتاً ، فالجنود في غروزني قتلوا وأكلوا في النهاية كلاب الشوارع street dogs . أسوأ من ذلك ، وحدات التموين كانت في أغلب الأحيان غير قادرة على توفير الماء الصالح للشرب ، الذي تسبب في استهلاك القوات الروسية للماء الملوث ، مما أدى إلى مشاكل صحية إضافية (في أقل من شهر ، تقريباً 20% من الجنود الروس كانوا يعانون من التهاب الكبد الفيروسي والكوليرا ، اللذان كانا المرضان الرئيسان التي تطلب من الوحدات الطبية الروسية التعامل معها) . قلة مرافق الحمامات وأدوات الاستحمام القريب من ساحة المعركة أدت إلى تفشي حالات القمل والتقرح . وطبقاً لمسح طبي شمل أكثر من 1300 جندي روسي ، فإن نحو 72% من الجنود المشاركين في العمليات القتالية كان لديهم نوع من الاضطراب النفسي . 
افتقدت القوات الأرضية الروسية أيضاً للخرائط الكافية حول تفاصيل مدينة غروزني ، للحد الذي تعرضت فيه بعض وحداتهم للضياع والفقدان في أحياء المدينة الكبيرة ، حتى قياسات هذه الخرائط كانت خاطئة ، والكثير من وحداتهم لم تكن متعودة على أجواء غروزني . وعندما بدأت العمليات فعلياً ، أخفقت القوات الروسية في إكمال تطويق وحصار encirclement المدينة لأسابيع ، مما سمح للمتمردين بإدخال تعزيزاتهم وتجهيزاتهم متى ما رغبوا في ذلك . الصور الجوية Aerial photographs كانت ضرورية للتخطيط ، لكن الأقمار الصناعية الروسية كانت قد قيدت وحدد عملها لتوفير التكاليف ، ومهمات التصوير الفوتوغرافي الجوي اقتصرت على بضعة حالات .. هكذا غزا الجيش الروسي أراضي الجمهورية الانفصالية الشيشانية عشية رأس السنة الجديدة بإسناد مجموعه غير مترابطة من وحدات متعددة ، بدون مصدر دعم وإسناد كافي أو ملائم للغرض المنشود .. لقد قدمت لنا هذه الحرب بعض الخبرات الميدانية والصور الواقعية للدور الذي يمكن أن تلعبه فرق قتل الدروع في المدن والتضاريس الحضرية .

تعرضت القوات الروسية خلال مراحل الهجوم الأولى لخسائر كبيرة في الدبابات والعربات المدرعة الأخرى . فلقد فاجأ انتشار قاذفات القنابل العاملة بالدفع الصاروخي RPG الروس كثيرا ، بالإضافة إلى تنويع استخداماتها قياساً بالهدف الرئيس من تطويرها !! قذائف RPG ضربت كل شيء متحرك . هم أطلقوا بالزوايا المرتفعة على المباني المنخفضة للعمل كأسلحة الهاون ، واستخدموا أيضاً كأسلحة منطقة ضد تقدم المشاة وكأسلحة مضادة للدبابات ، وأحيانا كأسلحة دفاع جوي تجاه المروحيات الروسية . هم أطلقوا أحياناً بشكل وابل أو رشقات منتظمة disciplined volleys جداً ، وكانوا سلاح الخيار الشيشاني الأول ، سوية مع بنادق القنص sniper rifles . فبالإضافة لكونهم دربوا سابقاً بشكل جيد من قبل مدربين عسكريين روس ، فقد جهز هؤلاء بأفضل البنادق العسكرية القياسية . هذه الأوضاع الصعبة تطلبت من الروس عادة قوة نارية هائلة للتغلب عليها . 
كان على وحداتهم المسلحة أن تتقرب من مركز المدينة على شكل أرتال columns موزعة ، وخلال سيرها عبر الشوارع والطرق الممتدة ، حيث المباني المرتفعة متعددة الأدوار ، تعرضت هذه القوات لكمائن عدة ، وارتكب جنرالات الجيش الروسي خلال هذا التقدم أكبر أخطاءهم ، المتمثلة بتسيير وحدات الدبابات والمركبات المدرعة الأخرى دون دعم المشاة الراجل (طبقاً لرأي كبار المنظرين الدفاعيين في فنون القتال التكتيكي ، الدبابات لا تستطيع القتال بمفردها في المدن دون دعم وإسناد المشاة الراجلين infantry support) . فكانت هذه الدبابات أهداف سهلة إلى الرماة الشيشان ، الذي أخذوا يطلقون النار من الأجنحة أو من فوق الأبنية (الميل الروسي كان يتجه نحو البقاء داخل عرباتهم المدرعة أثناء الكمائن ambushes ، مما أعطي عناصر المقاومة الشيشانية الفرصة لإسقاط القنابل اليدوية عليهم من الشرفات . لذلك ، في غروزني أغلبية الضربات القاتلة على الدبابات جاءت من الأعلى) . الأرتال المدرعة الروسية الأولية ابتلعت والتهمت فوق شوارع المدينة وحطمت من قبل المدفعيين الشيشانيين . الروس تعلموا أن قواتهم تحتاج إلى استخدام نيران المدفعية المباشرة ، وكذلك أسلحة RPG ومطلقات القنابل الآلية automatic grenade والرشاشات لتحييد القوات الشيشانية بينما قواتهم تتولى خلال الدخان مهاجمة المباني والاستيلاء عليها . كان عليهم أن يرموا القنابل اليدوية إلى النوافذ والأبواب قبل الدخول . كما تولى المهندسون نسف المداخل والممرات من خلال الجدران ، حتى يتسنى لفريق من 2-3 رجال تطهير المكان وتأمينه . الممرات المتوقع استخدامها خلال فتحات الصرف الصحي sewers تم تأمينها ووضع الشراك الخداعية عليها لمنع المقاتلين الشيشانيين من العودة للمباني المطهرة . ونتيجة لاستمرار معركة اكتساب المدينة والسيطرة عليها مستمرة بلا توقف ، احتاج الروس لقوات جديدة واحتياطيات كافية . لقد رغب القادة الروس في أن يكون لقوات مشاتهم أفضلية عددية بنسبة 4 إلى 1 كميزة مستحقة في تضاريس المعركة الحضرية . لذلك تم الزج بنحو 60,000 جندي روسي في مقابل نحو 12,000-15,000 مقاتل شيشاني اشتركوا في القتال في غروزني . رغم ذلك ، القيادة الروسية العسكرية كانت تعتقد أنه حتى مع فائدة وتفوق بنسبة 5 إلى 1 فإن هذه ما كانت كافية لإلحاق الهزيمة بالمقاتلين الشيشان ، خصوصاً مع رغبة القوات المهاجمة في حراسة كل مبنى كانت تسيطر عليه . في سلاح الدبابات ، الفائدة الروسية قدرت بنحو 1.6 إلى 1 ، وفي مدفعية قدرت هذه بنحو 1.8 إلى 1 . لكن المذهب الروسي من الحرب العالمية الثانية زعم بأنه في العمليات الحضرية ، المهاجم يحتاج لنسبة من 6 إلى 1 لمعادلة الفوائد والمزايا الطبيعية natural advantages للدفاع . لقد حدد نهج الاستخدام التكتيكي الروسي (ومن قبله السوفيتي) ، أن الدبابات تتولى أولاً قيادة الهجوم في قتال التضاريس الحضرية والمدنية ، ثم يليها بعد ذلك عربات المشاة القتالية والمشاة الراجل dismounted infantry . أرتال الدبابات تتحرك أولياً في تشكيل صفوف متوازية على طول شوارع وطرق المدينة . هذه التكتيكات أثبت فشلها وعدم ملائمتها كلياً للقتال في غروزني ، حيث هددت كثافة استخدام الأسلحة المضادة للدبابات العربات المدرعة بشكل جدي وحقيقي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق