تجربــــــــة القتـــــــــال الحضــــــــري فـــــــــي مدينـــــــــة غروزنــــــــــي 1994-1996 (الحلقة 4)
بالإضافة للتكتيكات غير اللائمة inappropriate tactics والتقييم غير الكافي أو الواقعي لحجم قوات المقاومة الشيشانية ، عانت بعض منظومات الأسلحة الروسية من الأوضاع السيئة . فمدافع الدبابات الرئيسة على سبيل المثال لم تكن قادرة على تغطية الزوايا المرتفعة والمنخفضة لمواجهة نيران فرق قتل الدبابات الشيشانية anti-tank teams المتمركزة في الأدوار العليا أو السراديب المنخفضة (استعان الروس لاحقاً بمنظومات مضادة للطائرات من طراز ZSU-23-4 وTunguska-M1 للاستفادة من غزارة نيرانها وتلافي معضلة سوء التغطية ، بالإضافة لنيران الإخماد الخاصة بالمدفعية) ، كما أجبر الروس على الاستعانة بفرق المشاة بأعداد أكبر من مرحلة بداية الهجوم . أيضاً لجأت القوات الروسية في مرحلة لاحقة إلى تجهيز بعض العربات القتالية بقفص شبكي سلكي wire mesh ، صعد لنحو 25-30 سم بعيداً عن الدروع الرئيسة لهيكل العربة ، وذلك لهزيمة ودحر الشحنات المشكلة للمقذوفات المضادة للدبابات مثل RPG-7 ، بالإضافة لحماية العربة من قنابل المولوتوف Molotov cocktails أو أحزمة المتفجرات . كما عمل الروس على إنشاء الكمائن عند الاقتراب من طرق المناطق المختارة ، وبعد ذلك تسيير العربات إلى تلك المناطق كطعم إغراء bait areas لتحطيم فرق الصيد الشيشانية القاتلة . الفرق الشيشانية كانت تتحرك نحو صوت ضوضاء محركات العربات المدرعة لقتلها ، وذلك بتوجيه وابل من نيران RPG-7 (مع انفجار في دائرة نصف قطرها أربعة أمتار ، يستطيع الرأس الحربي لمقذوف RPG قتل المقربين بالانفجار والتشظية) . الدبابات وناقلات الجنود الروسية شكلت مجموعات مسلحة armored groups تستخدم لتأمين المناطق المستولى عليها ، والعمل كقوة هجوم مضادة عند الضرورة وتوفير الأمن للتجهيزات والمواقع الخلفية وكذلك دعم المشاة المتقدم خارج مدى ونطاق أسلحة المقاتلين الشيشان المضادة للدبابات . القتال في المدينة غروزني تطلب إمدادات وتجهيزات كثيرة من القنابل اليدوية ، قنابل الدخان ، شحنات هدم وسحق الجدران ، قاذفات القنابل ذات الرمية الواحدة المضادة للدبابات (مشابهة لسلاح LAW الأمريكي) .. كل جندي مشاة من أفراد القوة المهاجمة احتاج إلى حبل مع خطاف تثبيت grappling hook لدخول المباني . السلالم خفيفة الوزن كانت أيضاً تجهيز ثمين جداً لقيادة هجمات المشاة . الأضواء الكشافة على ظهر الدبابات وتلك المنزوعة والمتنقلة كانت مفيدة جداً للهجمات الليلية في المدينة . الأضواء الكاشفة Searchlights تسببت في إعماء معدات الرؤية الليلية للعدو بشكل مؤقت وأبهرت مدفعيي ورماة المقاتلين الشيشان . لقد ساهمت هذه في أحداث توتر نفسي للأفراد المقاتلين الشيشان وساعدت في ذات الوقت على منع وتقنين حالات القتل الصديق خلال الهجوم .
تعلم الروس أن نيران المدافع التقليدية conventional artillery يمكن استخدامها بفاعلية أثناء مرحلة التقرب من المدينة ومحاولة السيطرة على أطرافها . هذه الأسلحة وفرت نيران دعم وإسناد مباشرة للدبابات والمشاة ، خصوصاً أن حشود نيران المدفعية المتجمعة يمكن أن تخلق أنقاضاً وحطاماً debris في المناطق ذاتها التي تريد القوة المهاجمة التقدم خلالها . النار المباشرة يمكن أن تستهل بأسلحة مثل : مدافع القوس ، قاذفات صواريخ متعددة الفوهات ، أسلحة الهاون مختلفة العيار ، خصوصاً السلاح الآلي 2B9 Vasilek من عيار 82 ملم . أحد أبرز أنواع الذخيرة التي استخدمتها القوات الروسية وكانت مفيدة جداً في قتال غروزني ، هي قذائف الدخان والفسفور الأبيض . الفسفور الأبيض white phosphorus يحترق عند الانفجار ليكون ستارة كثيفة من الدخان . ولكون الدخان ضروري للحركة والتنقل في قتال المدينة ، فإن رابع أو خامس قذيفة مدفعية روسية مطلقة ، كانت من النوع الدخاني أو الفسفور الأبيض . لقد أشار الجنود الروس المشاركين في العمليات إلى منافع استخدام الفسفور الأبيض بأنه دخانه من النوع السام ، كما أنه قادر على اختراق مرشحات القناع الواقي protective mask filters بسهولة (قنابل الغاز المسيل للدموع Tear gas كانت هي الأخرى مفيدة جداً في قتال غروزني) . مع ذلك ، كان لاعتماد الضباط الروس على القصف المدفعي المكثف لسحق مجموعات الثوار خارج مواقعهم ، عدداً من التأثيرات السلبية . إن أي مدينة مقصوفة يمكن أن توفر مواقع جيدة لمدافعيها . حجز المقاتلون الشيشان ببساطة مواقع كمائنهم في المباني المدمرة والمحطمة وانتظروا ، في أغلب الأحيان مع حفرهم الأنفاق tunnels والمخابئ . الأسوأ من ذلك ، أنه حتى عند الاعتماد على المدفعية ، فإن ذلك أنتجت إصابات عديدة من النيران الصديقة . قتل الأخ Fratricide كان مشكلة جدية ومستمرة في كافة أنحاء الحملة الروسية على الشيشان . الوحدات ضعيفة التدريب ، جرى دفعها وتشغيلها في بيئة معركة مشوشة ومضطربة confused environment . في أغلب الأحيان هذه الوحدات كانت غير قادر على تعيين وتمييز الأهداف الصديقة عن تلك العدائية . الطائرات الروسية هي الأخرى كانت مسئولة عن نحو 60% من ضحايا القوات الروسية في معركة غروزني الأولى . اضطر الطيارون الروس للانطلاق عالياً جداً بمقاتلاتهم ، لأنهم ببساطة كانوا خائفين من التعرض لنيران مضادات الطائرات antiaircraft fire . إضافة إلى ذلك ، هم كانوا بمستويات محدودة من التدريب ، فقد كان للطيارين الروس نحو 25 ساعة طيران بالسنة فقط ، بالمقارنة إلى 250-300 ساعة طيران لطياري منظمة حلف شمال الأطلسي . الإصابات العديد التي أوقعت على القوات الأرضية الروسية بطائرتهم الخاصة ، دمرت ببساطة الروح المعنوية devastated morale لوحداتهم المقاتلة .
ومن فشل إلى فشل ، قضت القوات الروسية نحو شهرين في القتال من منزل إلى منزل قبل الاستيلاء أخيراً على المدينة . لقد تم إلحاق خسائر كبيرة في القوات المتقدمة والمهاجمة ، للحد الذي فقدت معه هذه القوات في الشهر الأول نحو 225 عربة مدرعة مختلفة ، صنفت كخسائر معركة غير قابلة للتصليح unrepairable . لقد شكلت هذه الخسائر نحو 10.23% من إجمالي العربات المدرعة المخصصة أولياً للعمليات العسكرية . وتشير تقارير رسمية إلى أن القوات الروسية فقدت 20 دبابة معركة من أصل 26 دبابة مشاركة في القتال ، وعدد 102 عربة مدرعة BMP من أصل 120 عربة ، ومجمل عربات الدفاع الجوي المتنقلة ZSU-23 البالغ عددها 6 منظومات ، في الأيام الثلاثة الأولى من القتال . الكثير من خسائر الدبابات والعربات المدرعة أخذت إلى موقع الاختبارات في "كوبينكا" Kubinka للدراسة والتقييم ، وتم الإعلان عن نتائج تلك الدراسة في العشرين من شهر فبراير 1995 في مؤتمر صحفي عقده الجنرال "أليكساندر غالكين" Aleksandr Galkin رئيس مديرية الدروع ، حضره أيضاً وزير الدفاع الروسي "بافل غراشيف" Pavel Grachev . وكانت هناك عدة ملاحظات حول نقاط الضعف في الدروع الروسية أثناء معارك المدن ، بالإضافة لتوضيح طبيعة التكتيكات المضادة للدروع المستخدمة من قبل المقاتلين الشيشان .
لقد تركزت الإستراتيجية الشيشانية على إيقاع إصابات كافية بالجانب المعتدي ، وإجبار الرأي العام الروسي للوقوف ضد النزاع ، فكانت معركة غروزني مختبر جيد لهذه الإستراتيجية . في المدن ، المدافع لديه معظم الفوائد والمزايا advantages ، جزئياً لأن القتال في المناطق الحضرية يخفض أهمية التقنية (عادة هي فائدة المهاجم الأكثر أهمية) إلا أنه يعرض معدل الإصابات الأعلى أيضاً . مدافعو غروزني كانوا دون المستوى من ناحية امتلاكهم لضروريات الحرب الحديثة ، مثل المدفعية الثقيلة ، سلاح الدروع ، قوة سلاح الجو ، والاستخبارات الإلكترونية ، لكنهم كانوا بالتأكيد مسلحين شخصياً بشكل جيد . لقد فوجئ الروس وأحرجوا لدرجة كبيرة عندما أدركوا الحدود التي استغل بها المقاتلون الشيشان قابليات الهواتف الخلوية ، راديوات الموتورولا ، محطات التلفزيون المرتجلة ، وآلات تصوير الفيديو الخفيفة لكسب "حرب المعلومات" information war . الأعداد الكبيرة للمقاتلين الشيشانيين الذين دافعوا عن غروزني كان لديهم فهم متنامي للتكتيكات الروسية ، لأنهم أغلبهم خضع للتدريب العسكري الروسي . الرئيس دوداييف نفسه كان يعمل بمنصب جنرال في القوة الجوية السوفيتية . الزعيم الشيشاني البارز الآخر "أسلان مسخادوف" Aslan Maskhadov ، كان عقيد سابق في سلاح المدفعية الروسي . المجموعة المخلصة في الدفاع عن غروزني كانت تتركز حول عدد خمسمائة عضو من الحرس الوطني الشيشاني Chechen national guard ، يتكون معظمهم من رجال بعمر العشرينات ، كانوا محاربين سابقين في الجيش السوفيتي أو الروسي . المقاتلون الشيشانيون "عانقوا" hugging القوات الروسية ، لكي يبقوا على مقربة واتصال مباشر بهم لتحييد المدفعية وقوة سلاح الجو الروسي . أرسل الشيشانيون مجموعات صيادة سريعة hunter groups لمهاجمة الدبابات الروسية وزرع الألغام المضادة الدبابات في كل مكان ، حيث ساهمت الاتصالات الروسية السيئة في تسهيل هذه التكتيكات . المقاتلين الشيشانيين أظهروا شوقهم ورغبتهم للقتال الليلي ، وزرعت طلقات قناصيهم الرعب الدائم في قلوب الجنود الروس . المقاتلون كانوا على دراية كاملة بتفاصيل تراكيب مدينتهم ، ومن ثم استطاعوا تحسين قابلية حركتهم وطوروا وسائل اتصالاتهم communications routes بإنشاء خطوط السراديب لمعظم أجزاء المدينة . وفي الوقت الذي أحكمت فيه قوة سلاح الجو الروسي على سماء غروزني ، فإن منظومات اتصال المقاتلين الشيشان تحت الأرض حددت وقيدت تأثيرها . إضافة إلى ذلك ، وجد الروس مروحياتهم مجبرة في الكثير من الأحيان للبقاء بعيداً عن مسرح العمليات ، بسبب رغبتها في تجنب القناصة الشيشان الكامنين في الأدوار السقفية rooftop snipers . جميع هذه الأخطار المحيطة والمحدقة بالقوات الروسية ، دفعت أفرادها للبحث عن الأمان داخل عرباتهم المصفحة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق