القاذفــــــــــات الكتفيـــــــــــة ومعضلـــــــــــة اللفـــــــــــح والعصـــــــــف الخلفــــــــــي
عند إطلاق النار من سلاح عديم الارتداد أو سلاح صاروخي ، تتشكل موجة مخروطية الشكل خلف منصة الإطلاق ، يطلق عليها منطقة العصف أو اللفح الخلفي Back blast . حيث تتكون هذه المنطقة عند طرد السلاح لغازات الدافع لحظة خروج المقذوف وانطلاقه للأمام من فوهة القاذف (يعمل الضغط المعزز والمتصاعد في حجرة الانفجار على تحطيم وتمزيق غطاء قاعدة سبطانة السلاح ، وعند تمزق هذه القشرة فإن الغازات الساخنة تخرج مسرعة جهة الخلف لتشكل العصف الخلفي وتمنع الارتداد) . ويتفاوت مدى منطقة العصف هذه بين 20-100 م ، ومع زاوية تغطية لنحو 80-90 درجة ، حسب نوع السلاح المستخدم وحجم شحنة الدافع ونوعها (عند التشغيل في درجات الحرارة ما دون حالة التجمد ، فإن منطقة الأمان للعصف الخلفي تتضاعف) . إلا أنه ما من شك في خطورة هذه المنطقة على أفراد القوة البرية المرافقين لرامي السلاح ، حيث يمكن أن يتعرض هؤلاء للحروق نتيجة الغازات الساخنة ، أو أن يكونوا عرضة للضغوط العالية والمفرطة over-pressure الناتجة عن الانفجار . لذا عند استخدامهم في الفراغات المحصورة والمقيدة ، فإن هذا النمط من الأسلحة يمكن أن يعرض حياة مشغليها للخطر ، ناهيك عن خطر كشف موقع الرامي للرصد المعادي . وقد تعمل منطقة العصف الخلفي في العراء على إثارة الحطام وكتل الحجارة الصغيرة مما قد يتسبب معه بجروح خطيرة للأفراد المتواجدين مباشرة خلف منطقة الرمي (كما يجب مراعاة عدم توفر مواد قابلة للاشتعال في نفس المنطقة) .
القاذف الروسي RPG-7 على سبيل المثال يمتلك منطقة خطر وعصف خلفي بعمق 20 م وعرض 15 م ، مع منطقة تحذير في كافة الأنحاء بعرض 25 م أخرى . أي موقع إطلاق نار يجب أن يختار بعناية بحيث يوفر منطقة خالية على الأقل لنحو 2 م من أي شكل من أشكال العوائق والعقبات ، في مقدمة ومؤخرة السلاح . فوهة القاذف هي الأخرى يجب أن تتحصل على فسحة محيطة لنحو 20 سم من العوائق للسماح بانتشار الزعانف المطوية folding fins . تتطلب عملية الرمي توفر منفذ خارجي بمساحة لا تقل عن متر واحد مربع (باب أو نافذة) إلى الخلف للتنفيس عن ضغط الانفجار العالي . أما إذا تم الإطلاق من مواقع قتالية ، كالخنادق ، أو الحفر التقليدية ، فإن عقب السلاح يجب أن يبعد عن حاجز الخلفي للموقع لتفادي الارتداد الحاد لعصف الانفجار . ويوصى الرماة عند الرمي من موضع منكفئ أو منبطح ، عادة بوجوب إمالة سيقانهم لنحو 45 درجة جهة اليسار لإبقائها في أمان من طاقة الانفجار الخلفي .هناك كرة نارية ونفث دخاني أبيض مائل للزرقة بقطر 0.9-1.2 م في المنطقة الخلفية للسلاح أثناء الرمي ، التي قَد تحتاج عادة لنحو ثمان ثواني مع الرياح الخفيفة ، لكي تتفرق وتتبدد . واعتماداً على ظروف ومدى تماسك التربة ، قد يكون هناك آثار غبار كثيف ومعتبر ، وفي ظروف أخرى ، دفع كتل الثلج للأعلى أو طرطشة لرذاذ المطر ينشأ عندما تتم عملية إطلاق النار من موقع منكفئ أو راكع . عملية الرمي تتحصل أيضاً على وميض محدود عند فوهة القاذف muzzle flash ، بالإضافة لأثر اشتعال شحنة الدافع بعد 11 م أمام الفوهة ، مما يخلق معه نفخة دخان صغيرة .
أحد أبرز الأسلحة الكتفية المضادة للدروع التي تم معها تجاوز معضلة العصف الخلفي ، ويمكن إطلاقها من الأماكن المحصورة ، القاذف الألماني Armbrust . فهذا السلاح من إنتاج شركة Messerschmitt-Blohm ، التي لاحقاً باعت حقوق تصنيعه لسنغافورة . وهو عبارة عن نظام كتفي خفيف مضاد للدروع من عيار 67 ملم ، يستجيب تماماً للمعنى الألماني لاسمه "القوس النشاب" Crossbow . فهو يتميز بالخفة والكتامة ، كما أن الرمي به لا يترك دخاناً ، ولا يرسل وميضاً ، ولا يخلف نفثاً أو عصفاً إلى الوراء ، وهي خصائص مشتركة تميز بعض أنواع القواذف الكلاسيكية الكتفية الحديثة . أما الصوت الذي يحدثه عند الإطلاق ، فهو أكثر كتامة من الصوت الذي تحدثه طلقة مسدس عيار 9 ملم . هذا السلاح لا يتعدى وزنه 6.3 كلغم ، وطوله في وضع الرمي 850 ملم ، وهو سلاح مثالي لعمليات القتال في المدن ، لأن عدم وجود لهيب وموجة صدم في المؤخرة ، يتيح الإطلاق من مكان مغلق أو من غرف صغيرة ، كما أن عدم وجود أي إشارات دالة لعملية الإطلاق ، يسمح لمستخدم السلاح بالاستمرار في موقعه ، والتعامل مع أهداف متتالية من دون أن يكشف موضعه ، والسلاح بشكل عام لا يحتاج إلى صيانة مسبقة ، علماً أنه من أسلحة الرمية الواحدة .
طريقة استخدام القاذف Armbrust بسيطة جداً ، وتعتمد على مبدأ ديفس المطور Davis . ففي قلب سبطانة الإطلاق المصنوعة من الفولاذ ، توجد شحنة الدافع مضغوطة بين مكبسين pistons، وعند اشتعال الشحنة ، فإن ضغط الغاز يدفع أحد المكبسين نحو الطرف المناسب له من السبطانة ، فيما يقذف المكبس الخلفي وزناً مضاداً ، مكون من حزمة من 5000 قصاصة بلاستيكية Plastic Flakes ، التي تتناثر للخارج (كتلة القذيفة مساوية إلى كتلة الموازنة ، ويقذف الاثنان من السبطانة في نفس السرعة الأولية البالغة 220 م/ث) ، وبفضل هذه الطريقة يبقي الوميض الضوئي والدخان ، محصوران داخل السبطانة ، فيما يقل صوت الإطلاق إلى درجة كبيرة ويخرج مخنوقاً .
يوجد للسلاح Armbrust قذيفة ثانوية متشظية ، مضادة للأفراد والمركبات غير المصفحة ، مداها العملي حتى 1500 م ، وتنثر هذه كراتها الفولاذية ضمن دائرة مميتة شعاعها 14 م . في حين أن الذخيرة القياسية ، عبارة عن قذيفة مضادة للدروع ذات شحنة مشكلة ، يبلغ وزنها 0.99 كلغم ، قادرة على اختراق 300 ملم من التصفيح المتجانس . وتؤكد الشركة المنتجة أن دقة سلاحها في إصابة هدف ثابت مساحته 1.5×1.5 م من مسافة 300 م تصل إلى 80% . يستخدم السلاح Armbrust حالياً من قبل القوات الألمانية ، كما أن قوات دلتا الأمريكية Delta force تستخدمه أيضاً ، وقد شوهد كثيراً في أيدي القوات المتصارعة في البوسنة والهرسك ، كما استخدم أثناء الحرب الكمبودية الفيتنامية .
سلاح آخر غير موجه ، يحمل نفس الفكرة في كبح العصف الخلفي ، هو القاذف السويدي AT4 CS (هي اختصار confined space أو الفضاء المحصور) . هذا السلاح المحمول من قبل الأفراد من إنتاج شركة Saab Bofors Dynamics ، ومصمم خصيصاً للاستخدام في البيئات والتضاريس الحضرية . القصد من تبنيه ، إعطاء وحدات المشاة إعطاء قابليات كافية على تحطيم أو تعطيل العربات المدرعة والتحصينات الأخرى ، على الرغم من عدم كفايته لهزيمة ودحر دبابات المعركة الرئيسة الحديثة MBT . وبدلاً من استخدام قصاصات بلاستيكية ككتلة موازنة ، كما في القاذف Armbrust العامل بمبدأ Davis المطور ، فإن القاذف AT4 CS يطلق عند استخدامه كتلة من الماء المالح ككتلة مضادة من مؤخرة القاذفة ، لامتصاص واستيعاب الانفجار الخلفي ، حيث يعمل الرذاذ الناتج على الاستحواذ وإبطاء موجة الضغط بشكل مثير ، مما يتيح استخدام السلاح من غرف لا يتجاوز مساحتها 3×3 م ، دون تعريض سلامة الرامي للخطر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق