مستويـــــــــــــات التهـــــــــــــــــديد الجــــــــــــــــــوي
يمكن تصنيف مستويات التهديد الجوي للأهداف الأرضية الصديقة إلى مستويين رئيسين ، المروحيات الهجومية ، والمقاتلات النفاثة (مع استبعاد الخطر الجديد مؤقتاً والمتمثل في الطائرات من دون طيار) ، حيث يتحدد بشكل عام نشاط التعامل مع التهديدات المحمولة جواً وفق ثلاثة مراحل هي : الكشف detection ، التعريف identification ، الاشتباك engagement .. التي يتطلب منها جميعاً القدرة والقابلية على التنفيذ تحت كافة الظروف ، وكما هي قدرات الطائرات الحديثة على العمل في كافة الأجواء . النوع الأول سيصل لساحة المعركة على الأرجح ضمن الارتفاعات المنخفضة والمنخفضة جداً ، وتتحدد قابلية المواجهة هنا وإمكانياتها بسرعة كشف ورصد الهدف المعادي . فطائرة مروحية مهاجمة ، تطير على ارتفاع منخفض من مسافة 3.2 كلم ، وبسرعة تجوال تبلغ 204 م/ث ، فإنها بعد 15.7 ثانية فقط ستكون مباشرة فوق وحدة الكشف التي رصدتها ، أو بعد فترة زمنية لا تتجاوز 10.5 ثانية إذا كانت سرعة الطائرة 306 م/ث . في هذا الوقت الزمني القصير جداً ، الطائرة يجب أن تميز ويحدد ماهيتها , ومن ثم قرار إطلاق النار يجب أن يتخذ بشأنها ، وارتباط الأسلحة واشتباكها engagement معها يجب أن يكتمل بسرعة نسبية قياسية .. عموماً ، المروحيات الطوافة ليست صعبة جداً لأن تكتشف ، فهياكلها وأقراص مراوحها الخاصة بالذيل والمروحة الرئيسة ، تعطي إشارات جيدة لهوائيات الرادار ، وتكمن المشكلة الرئيسة في التكتيكات التي تتبعها بعض المروحيات الهجومية في الحوم hovering خلف موضع غطائي مستتر قبل بدء الهجوم .
مع ذلك ، يؤكد المعنيون والمنظرون أن التهديد الجوي الرئيس يجيء من الطائرات النفاثة منخفضة الطيران ، التي تتحرك بسرعة مرتفعة جداً . مثل هذه الطائرات يحتمل أن تكون ضمن دائرة قوس الملاحظة والمراقبة للمجسات الأرضية ، وداخلة ضمن مدى منطقة نيران الأسلحة الأرضية لفترات قصيرة جداً ، كما هو الحال في التضاريس المفتوحة لمناطق الشرق الأوسط ، بينما في التضاريس المتمايلة والمتموجة rolling terrain ، مثل تلك الموجودة في شمال غرب أوروبا ، فإن وقت تعرضها سيكون بدرجة أقل . في المقابل ، فإن الطيارين الذين يطيرون على ارتفاعات منخفضة جداً ، لا يستطيعون استخدام أو الاستفادة الكاملة من قابلية السرعة القصوى لطائرتهم ، حيث تبرز بعض العوامل المعيقة ، مثل وجوب تجنب العوائق والعقبات والاضطرابات الجوية والملاحة واستهلاك الوقود ، التي بدورها تفرض الكثير من القيود الحقيقية على أدائها ، بحيث تبقى سرعة الطائرة عموماً أوطأ بكثير من 1ماك . بالإضافة لذلك ، الطيار يحتاج لبعض الوقت لاكتشاف الهدف والتثبت منه ، بعد ذلك تبدأ طائرته بتسليم وإطلاق أسلحتها . إن أهم أنماط الهجوم التي تتبعها الطائرات المقاتلة وأكثرها أهمية ، هو ما يسمى بالهجوم المستوى level attack ، والهجوم الغاطس dive attack . الهجمات المستوية عادة ما تستخدم لتسليم قنابل النابالم الحارقة ، والقنابل شديدة الانفجار المتشظية ، حيث تنفذ هذه العمليات عند سرعة تجوال تتراوح بين 736-1,104 كلم/س ، وفي الارتفاعات لنحو 200 م . أما بالنسبة لنمط الهجوم الغاطس ، فإن الطيار يتسلق بطائرته إلى ارتفاع 5-8 كلم من الهدف لكي ينجز زاوية غطس لنحو 30-45 درجة لتحرير القنابل ، أو 10-30 درجة لإطلاق الصواريخ الموجهة أو غير الموجهة ، أو إطلاق النار من مدفع الطائرة . في هذه الظروف الطائرة ستكون عرضة للنيران الفورية المضادة من الأسلحة المجاورة للهدف ، على الأقل لمتوسط زمني قد يستمر لنحو 15 ثانية أثناء الهجوم .
إن مراقبة المجال الجوي المعادي وكشف الطائرات المغيرة المقتربة ، يمكن تنفيذه بفاعلية أكثر بواسطة منظومات الرادار . ولغرض الكشف والرصد على المديات المفيدة ، خصوصاً بالنسبة للأهداف التي تطير على ارتفاعات منخفضة ، فإن هوائي الرادار يجب أن يوضع على منطقة مرتفعة نسبياً . وضمن الشروط العامة ، فإن طائرة مع مقطع عرضي cross-section راداري متوسط لنحو متر واحد مربع ، تطير على ارتفاع مقداره 230 م ، فإنها يمكن أن ترصد وتكشف في مدى من 60 كلم ، لذلك تبدو قضية رفع زاوية الهوائي مهمة جداً بسبب تقوس ومنحنيات الأرض . في المقابل ، مصممو الطائرات ردوا على تهديدات الكشف بمحاولة تخفيض الإشارات الرادارية المنعكسة واستخدام تقنيات التسلل والتخفي stealth techniques لأقصى حد . وتتضمن هذه الإجراءات تخفيض المساحات الأمامية والجانبية للطائرة ، استخدام مواد ممتصة للموجات الرادارية خصوصاً عند المنافذ الهوائية ، زعانف ثنائية مائلة ، جعل الارتفاع الجانبي إهليليجي أو بيضوي الشكل elliptical قدر الإمكان ، تغطية مجموعة إلكترونيات في أنف الطائرة ، تصميم حذر لرادار المسح والتفرس في المقدمة .. وهكذا ، الإرسال والبث الراديوي هو الآخر يمكن أيضاً أن يكتشف من قبل المستقبلات المعادية الأرضية منها والجوية ، حيث يمكن للعدو اتخاذ الإجراءات الفاعلة لتدمير موقع الرادار بواسطة نيران المدفعية ، أو بواسطة الصواريخ المضادة للرادارات المنطلقة من الجو . كما أن فاعلية الرادارات يمكن تحييدها وتقييدها ، إن لم يكن دحرها كلياً ، لفترات محدودة باستخدام الإجراءات الإلكترونية المضادة electronic counter-measures .
بالإضافة إلى موجات الرادار المنعكسة والمرتدة ، فإن الطائرات ومحركاتها مصادر جيدة للتسخين heat sources ، بحيث تترك هذه درجات حرارة مختلفة (وبالتالي بصمة مميزة) بالنسبة للهواء المحيط . وفي ظل التقنيات الحالية ، فإن هذه الخاصية يمكن أن تستعمل لكشف الأهداف الجوية من الأرض بشكل مقيد ومحدد ، لكن القيمة العظيمة تعود للصواريخ والمقذوفات الباحثة عن الحرارة ذاتية التوجيه . فدرجة حرارة هيكل الطائرة على سبيل المثال ، ترتفع إلى حوالي 50 درجة مئوية عندما تبلغ سرعة الطائرة 0.9 ماك . أما بالنسبة لقطع وأجزاء المحرك الأكثر سخونة مثل حجرات الاحتراق ، أنصال التوربين turbine blades ، الحارق الخلفي after-burner ، وخراطيم وأنابيب النفث jet-pipe ، فإنها تترك الكثير من الإشعاع وبكثافة متواصلة . وبينما عمود الهواء الساخن الصادر عن العادم مبرد بمزجه وخلطه بالهواء المحيط ، وبالكثافة الأكثر انخفاضاً من المحرك ، إلا أنه لا يزال عامل مهم جداً للقذائف الباحثة عن الحرارة التي تستجيب إليه بقوة في المديات القصيرة .
تبقى قضية أخرى مهمة ، لا تقل قيمة عن قضية الكشف ، وهي ما يتعلق بأمر التعريف والتحقق من هوية الطائرة identification المرصودة قبل المباشرة بإطلاق النيران المضادة . وتكمن المشكلة في حقيقة أن الفترة بين مرحلة اكتساب الهدف ولحظة إطلاق النار قصيرة جداً ، حيث أظهرت الخبرة والتجربة العملياتية ، أن القوات الأرضية التي يمر عليها الهجوم الجوي ، عادة ما تميل إلى ضرب أهدافها أولاً ثم تمييزها بعد ذلك , الأمر الذي يسبب بعض القلق إلى أطقم الطائرات الصديقة . ففي ساحة المعركة الحديثة ، تعطي السرعة والارتفاع المنخفض من الهدف ، خصوصاً مع الاقتراب بشكل مباشر ، تعطي زمن قليل جداً للتعريف البصري visual identification ، لذلك يتطلب الأمر الاستعانة بمنظومة الكترونية للتعريف السريع والتلقائي ، لكن هذه يجب أن يكون فعالة جداً ، وقادرة على التعامل مع الأهداف العديدة بشكل آني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق