تجربـــــة المروحيــــات Mi-24 في حــرب الشيشــــان الأولــــى
بدأ النزاع والهجوم الروسي على الشيشان بتاريخ 11 ديسمبر العام 1994 (استمرت الحرب 18 شهراً وتوقفت بتاريخ 30 أغسطس 1996) عندما جمعت القوات الروسية نحو 55 مروحية مختلفة ، وبحلول نهاية شهر مارس عام 1995 أرتفع العدد إلى 105 مروحية ، منها 52 مروحية نوع Mi-24 (من الأنواع Mi-24V ، Mi-24P ، Mi-24VP) . وتذكر المصادر الروسية أنه في الشهور الثلاثة الأولى من الحملة العسكرية ، فقدت قواتهم خمسة مروحيات نتيجة نيران عدائية ، اثنتان منها من طراز Mi-8 وثلاثة من نوع Mi-24 . مع بداية الحرب ، حددت القيادة الروسية معايير استخدام طيران الجيش ، فما نسبته 65-70% من زمن الطيران سيكون مخصص للعمليات القتالية الفعلية ، ونسبه 15% ستكون مخصصة لعمليات النقل ، وما نسبته 5-10% ستكون للعمليات الخاصة special missions . ومع ذلك فقد فرضت الظروف التعبوية في بداية الحرب نسبة عمليات جوية قتالية لا تتجاوز 17% . هذا راجع بالدرجة الأولى لحجز العاصمة غروزني بالقوات الأرضية والخوف من حوادث إصابات النيران الصديقة . ويشير قائد قوة الطيران الأرضية السوفييتية (عنصر منفصل عن القوة الجوية) الجنرال الطيار Vitaliy Pavlov ، الذي منح وسام بطل الاتحاد السوفيتي لشجاعته خلال حرب أفغانستان ، إن الاستخدام الأمثل للمروحيات Mi-24 في بداية الصراع في الشيشان ، لم يكن مخصصاً لدعم القوات الروسية في قتال الشوارع ، أو لقصف الأهداف في العاصمة الشيشانية "غروزني" Grozny ، بل كان لنقل القوات وإخلاء الجرحى والمصابين ، وكذلك تقديم الدعم لقوات الأجنحة المتقدمة . كانت التضاريس الشيشانية بشكل عام ، مشابهه في تفاصيلها لحد كبير للتضاريس الأفغانية ، فهناك الجبال المرتفعة إلى الجنوب وكذلك على الإطراف ، والمختلطة بالسهول في كافة أنحاء البلاد . نتيجة لذلك مارس الطيران الروسي نوعين من التكتيكات ، الأول أسلوب المناورة maneuvers والاقتراب من الهدف ، وذلك لمهاجمة الأهداف الجبلية ، تماماً كما في أفغانستان ، والأسلوب الآخر هو الرمي من بعيد ضد الأهداف المكشوفة في السهول . وتضمنت التكتيكات التجريبية ، الطيران على الارتفاعات المنخفضة جداً ، وبسرعة عالية وصولاً حتى الأهداف المنشودة ، وبذلك يُختصر زمن الكشف البصري والرد للقوات الشيشان .
في مراحل لاحقة من المعارك والهجمات ، حرصت القيادة الروسية على توفير التنسيق بين المروحيات وقوة الطيران الأمامية ، فظهر شكل من أشكال التعاون بين طائرات الدعم الجوي القريب Sukhoi Su-25 ومروحيات Mi-24 ضد مواضع المقاومة الشيشانية . كما عملت المروحيات الهجومية لوحدها ضد أهداف محددة جرى تعيينها marked targets ، أو بناء على طلبات القوات الأرضية ، أو ضمن تكتيك خاص بالتجوال والطواف على أمل التقاط هدف معادي . الاستخدام المكثف للمروحيات ، تحصل في شهر مايو 1995 ، حين شاركت المروحيات Mi-24 في عمليات قتالية في الجزء الجنوبي من الجمهورية الانفصالية ، ونفذت هذه المروحيات أغلب عمليات الدعم الناري ، حيث حققت معدل عمليات يبلغ 5-6 غارة يومية لكل مروحية (40-45 دقيقة لكل عملية) ، كما ساهمت هذه المروحيات في دعم الوحدات الروسية المتقدمة باتجاه المواقع المركزية للشيشان . مع ذلك اعترفت القيادة الروسية بغياب التنسيق بين المروحيات ووحدات القوات الأرضية ، وذلك لافتقاد معلومات ووسائل الاستطلاع reconnaissance المناسبة والدقيقة ، وهي بلا شك مفتاح المبادرة والنجاح لمهام المروحيات الهجومية . ففي حين ركز طيران المروحيات الروسي على مهاجمة مواضع النيران المعادية والأنظمة الدفاعية للمقاتلين الشيشان في القرى ، وكذلك مهاجمة المجموعات الفردية للمقاتلين ، فقد كانت هذه العمليات صعبة التنفيذ في أحيان كثيرة ، بسبب قلة أجهزة الاتصال النقالة لدى الوحدات الروسية المقاتلة ، ومحدودية ما هو متوفر من أنظمة الرؤية الليلية الشخصية night vision ، أضف لذلك النقص الشديد في أجهزة الملاحة navigation equipment الملحقة بالمروحيات الهجومية ، للحد الذي شُبهت معه عمليات المروحيات الروسية في أدوار الدعم الجوي القريب CAS ، بقدرات الطائرات القاذفة خلال نفس الدور في الحرب العالمية الثانية . فمعظم العمليات كانت تتم أثناء النهار وفي ظروف الرؤية الجيدة .
في الجانب الأخر ، أستغل المقاتلون الشيشان محدودية فهم الطيارين الروس للتكتيكات الشيشانية ، التي تضمنت السيطرة على أنظمة الدفاع الجوي المتحرك ، فقد استحوذت قواتهم على عدد أربعة مدافع مضادة للطائرات ZU-23-2 نوع Shilka ، وعدد ستة مدافع نوع ZU-23 ذات السبطانتين عيار 23 ملم ، وعدد مجهول من مدافع KPV عيار 14.5 ملم ، ورشاشات DShK على عربات تويوتا Toyota أو جيبات شيروكي Cherokee Jeeps ، وتغيير مواضع هذه الأنظمة بشكل مستمر لحمايتها من الرصد والتدمير المعادي . لقد جرب الشيشانيون أيضاً أسلوب دمج ومزامنة تشغيل هذه الأسلحة ، وذلك عن طريق مشاغلة الأهداف الجوية الروسية بالمجموعات الكاملة للأسلحة المتوفرة (أسلحة خفيفة ، رشاشات ثقيلة ، مدافع) ، كما استخدم الشيشانيون قاذفات القنابل الكتفية RPG-7 ، وهذه استطاعت تحقيق بعض الإصابات كما حدث في ديسمبر 1994 عندما ضربت قذيفة هيكل مروحية Mi-24 واخترقته بالقرب من موضع نظام التعليق الرئيس ، واستطاع الطيار بمهارته قيادة المروحية لمدة 40 دقيقة والهبوط بها بسلام في قاعدته . الشيشانيون ورثوا أيضاً تشكيلة متنوعة من الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على المكتف MANPADS ، من طراز SA-7 ، SA-14 ، SA-16 ، وكذلك SA-18 . استخدمت بهذه الأسلحة بفاعلية محدودة على ما يبدو ، ربما بسبب كون معظم ما كان متوفر منها من النوع البدائي ، كما أن تجهيز المروحيات الروسية بوسائل الإجراءات المضادة ، ساهم بشكل كبير في تخفيض ضرر هذه المنظومات .
لقد برع المقاتلون الشيشان في صمودهم ، واستخدموا تشكيلة واسعة من تكتيكات الكمائن ، مثل الإطباق بقوة على المروحية المهاجمة عند دخولها مرمي ونطاق النيران المؤثرة effective fire ، وتركيز نيران المشاغلة من عدة مواقع أرضية . وتجسد الإبداع الشيشاني أيضاً في تفعيل منظومة الاتصالات والاستخبارات المحلية (في الكثير من الحالات لم يكن الظهور المباغت للمروحيات الروسية يشكل مفاجأة للمقاتلين الشيشان) . إحدى الأهداف التي تم توخيها من قبل الشيشانيين ، كانت أفراد السيطرة الجوية الأمامية الروسية FAC ، الذين كانوا يضطلعون بمهمة جمع المعلومات الإستخباراتية وتحديد الأهداف للطائرات الروسية . كان بالإمكان تحديد مواقع البث الراديوي لهؤلاء ، خصوصاً مع كون تفاصيل المدينة معروفة لدى المقاتلين الشيشان . أشارت تقارير عسكرية عدة إلى نجاح التكتيك الشيشاني المتمثل بإطلاق قذائف RPG-7 وصواريخ موجهة مضادة للدروع ATGM نحو المروحيات الروسية المهاجمة ، وبمعدل 3-4 قذائف كانت تطلق في ذات الوقت على نفس الهدف ، مما رفع وعزز من احتمالية القتل Kill probability . الإبداع الآخر للمقاتلين الشيشان كان استخدام فرق القناصة ، الذين استطاعوا في الكثير من الحالات الموثقة إصابة وقتل طياري المروحيات أثناء طيرانهم في الارتفاعات المنخفضة .
لقد أجبرت هذه التكتيكات الطيارين الروس ، على إطلاق مقذوفاتهم غير الموجهة S-24 مع مستويات مناورة حادة ، من مدى إطلاق يتراوح بين 6-7 كلم ، بهدف تجنب الدخول في مناطق القتل الشيشانية kill zone . ولكن في المقابل ضاعفت هذه الأساليب والتكتيكات في الرمي من عدد الخسائر بين المدنيين الشيشان . ومع نهاية الحرب نشرت مجلة الطيران الروسية Krylya Rodiny إحصائية عن عمليات المروحيات الروسية وخسائرها في الحرب ، وذكرت أن المروحيات عانت من مصاعب عديدة خلال تكتيكات الطيران المنخفض في الطقس السيئ ، وكانت أغلب الطائرات تعود للقاعدة بثقوب الرصاص bullet holes على زجاج مقصورة القيادة الأمامية . كما أشارت الإحصائيات إلى فقدان واحدة من كل عشرة مروحيات شاركت في العمليات ، في حين تضرر أكثر من رُبع إجمالي المروحيات المشاركة ، جراء النيران الشيشانية المضادة .