الصفحات

24‏/2‏/2013

البواحث وأنماط التوجيه الحديثة .


البواحــــــــث وأنمــــــــاط التوجيــــــــه الحديثــــــــة


مما لا شك فيه أن عمليات الحروب المعاصرة والحديثة قد توسعت ، وازدادت معها وتيرة استخدام المقذوفات الموجهة المضادة للدروع التي تطلق من الأرض والجو على حد سواء . إن هذا التوسع كان نتيجة حتمية للقفزة التقنية التي تحققت في مجال تصميم وتطوير الدوائر والرقائق الالكترونية الحديثة . وقد يتساءل البعض عن مدى الحاجة الحقيقية لهكذا منظومات دقيقة ومكلفة في آن واحد ، والجواب ببساطة أن الجيوش الحديثة والعصرية ، لم تعد تتحمل استهلاك كميات هائلة من ذخائر الأسلحة التقليدية لتدمير أهداف نقطوية معادية . كما إنها لا تستطيع توفير أعداد كبيرة من الطائرات والدبابات والمدافع وغيرها .. ولمشاغلة هدف ما ، يستطيع المقذوف الموجه مهاجمته وتدميره بدقة أكبر وبدرجة مخاطرة أقل . وليس أكثر من دليل على صحة ذلك القول من تصوير الحالة السائدة خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عندما كان الأمر يتطلب لتدمير دبابة واحدة فقط ، قيام الطائرات بطلعات متعددة وإلقاء حوالي 800 قنبلة لإصابتها ، في حين يمكن في الوقت الحالي تدمير نفس الهدف بواسطة صاروخ واحد موجه نوع Maverick . إن التقدم التقني لم يتوقف فقط عند المجسات واللواقط وأنماط التوجيه ، بل تجاوزه أيضاً لقدرات المراقبة والكشف وقابليات اكتساب الأهداف وقدرات التمييز والتحقق باستخدام المجسات الكهروبصرية المتقدمة electro-optical sensors ، التي تكفل إجراء عمليات مسح متقدمه للإشارات ومن ثم معالجتها وتحليلها ، وهذه تعمل في الليل كما في النهار وفي معظم الأحوال الجوية . 


ويرى بعض الباحثين أن أحد أهم التحديات للمجسات وأنظمة البحث الحديثة تكمن في مدى التغطية العملياتي ، والذي يأتي على الأرجح نتيجة التقييدات المناخية والامتصاص الجوي للإشارات atmospheric absorption ، مما يحتم الامعان المسبق في اختيار أحزمة أو أنطقة تردادات البواحث ، خصوصاً عند الحديث عن الأنواع الكهروبصرية منها electro-optical . عملياً ، تصميم الباحث لابد أن يتضمن بعض المساومة والحلول الوسط بين العوامل المتعارضة ، والمهم في النهاية هو تكييف المنتج لإنجاز ما يطلب منه من مهام .مفهوم أو مصطلح "الباحث" seeker ، يتضمن في مجمله جميع الإشارات ومعالج البيانات المرتبطة بالبحث عن الهدف واكتسابه وتتبعه . البواحث تصنف بشكل عام ضمن ثلاثة أنواع رئيسة (نشيطة Passive ، نصف نشيطة Semi-active ، سلبية Passive) ، تعرف بعملها ضمن ثلاثة أنماط أساسية للتوجيه ، هي :


· التوجيه الراداري النشيط Active radar homing : هو نمط من أنماط التوجيه حيث تتحصل القذيفة على نظام رادار لتزويد إشارات التوجيه guidance signal . بمعنى أن القذيفة تحتوي على رادار وكذلك الإلكترونيات الضرورية لإيجاد وتعقب الهدف ذاتياً . وفي هذا النوع من أنظمة التوجيه يتولى الباحث إرسال شكل من أشكال الطاقة من أجل "إنارة" illuminate الهدف ، ثم يتولى بعد ذلك استلام الطاقة المنعكسة لإنجاز وإتمام عملية التوجيه . معظم الباحثين في نمط التوجيه هذا يستخدمون رادار بأداة للإرسال والاستقبال transceiver يشتغل في الحزمة الموجية المليمتريه أو حزم الموجات الأخرى (بالطبع الأمثلة الأخرى للباحث النشيط تتضمن أنواع الرادار الليزري) . وكما في حالة الباحث السلبي passive seeker ، استقلال منصة الانطلاق تمثل فائدة وقيمة رئيسة لا يمكن إغفالها . لكن في هذه الحالة إمكانية الكشف ستكون أعظم ، وبالنتيجة مواجهة الإجراءات المضادة CCM ستعتبر من المتطلبات ذات الأهمية الخاصة . المدى في نمط التوجيه هذا محدد ومقيد بقوةالمرسلة emitter ، إلا أن وظيفة الحجم والوزن مرتبطة بما هو مسموح ومقبول ضمن الحيز الداخلي لجسم الصاروخ . على الرغم من هذا ، التقدم المنجز في حقل الإلكترونيات الدقيقة microelectronics أدي إلى تحسينات هامة في المدى والحجم ، أتاحت توفير أنظمة رئيسة للتوجيه الطرفي على مستوى عالي من الدقة لصالح الأنظمة الجوية . 


· التوجيه نصف النشيط semi-active homing : المنظومات والذخيرة في هذا النوع من أنماط التوجيه لا يمكن تحميلها كآلية عمل صفة "أطلق وأنسى" بالمعنى الدقيق للكلمة ، لأنها تحتاج لقيام المشغل أو وحدة الإطلاق باستمرار إنارة illuminate الهدف واستخدام مصدر إشعاعي . هذا الترتيب يستعمل عموما عندما يكون حجم المرسلة أو الباعثة emitter (هوائي رادار أو معين ليزري) كبير نوعاً ما ، أو عند الرغبة في تقليل عامل كلفة الانتاج . مع ذلك فإن القذيفة في نمط التوجيه هذا يمكن أن توضع بعيداً عن مصدر الإضاءة ، وبعد إطلاقها يضمن باحثها الذاتي عملية الإطباق والإقفال lock on على الهدف (يستلم المستقبل الإشارات المرتدة عن الهدف ويجري عملياته الحسابية ، ويرسل بالتالي أوامر الكترونية لقسم السيطرة control section الذي يعطي بدوره إيعازات لزعانف التوجيه للانقياد تجاه الهدف) حينها يستطيع المشغل مغادرة مكان الرمي ، في حين يستمر المشغل الآخر القائم على وحدة الارسال في عمله بإضاءة الهدف حتى إصابته . التوجيه اليزري يمثل أحد أنماط هذه التقنية ، إذ يلجأ المشغل لاستخدام شعاع ليزر لتوجيه قذيفة ما إلى هدف معين ، ليطلق على النظام بعد ذلك مسمى "التوجيه الليزري نصف النشيط" SALH . في هذه التقنية , الليزر يستمر في إشارة الهدف وإشعاع الليزر يثب وينعكس عن الهدف ليتفرق في جميع الاتجاهات (هذه معروفة بطلاء الهدف painting the target) . الصاروخ أو القذيفة أو القنبلة ، تطلق أو تسقط في مكان ما قرب الهدف ، وعندما هي قريبه بما فيه الكفاية لبعض من طاقة الليزر المنعكسة من الهدف , يكتشف باحث ليزر من أي اتجاه هذه الطاقة تجيء ، ويعدل مسير المقذوف نحو المصدر . 


· التوجيه السلبي passive homing : نمط التوجيه السلبي يتميز بكونه مستقل ولا يحتاج لمصدر توجيه خارجي external guidance ، إذ يتشابه نمط التوجيه هذا مع نمط التوجيه نصف النشيط في كونه يستقبل فقط الإشارات ولا يمكنه إرسالها transmit . الذخيرة التي تستخدم هذا النمط في التوجيه ، تنقسم إلى نوعين مميزين ، فهي إما تعتمد على نوع من أنواع الطاقة الصادرة والمنبعثة عن ذات الهدف (يطلق عليهم مصطلح مقتفو البقع الساخنة hot spots أو الباحثين عن الحرارة heat seekers) ، أو تعتمد على صورة حرارية للهدف يقوم باحث القذيفة باكتسابها وتخزينها في ذاكرته ، ثم الإطباق عليها وتعقبها قبل عملية الإطلاق LOBL ، وكما هو الحال في بعض المنظومات الصاروخية الحديثة . وبشكل عام تعمل الكثير من منظومات التوجيه السلبي الحديثة في توجيهها على التقاط الإشارة الحرارية heat signature التي يقوم باحث الأشعة تحت الحمراء بتعقبها ورصدها ، حيث يستقبل هذا الإشارات الصادرة عن الهدف ويمررها لقسم السيطرة control section في منظومة السلاح ، والذي بدوره يقوم بحساب زاوية الهجوم الصحيحة correct angle واعتراض الهدف عن طريق التحكم ميكانيكياً بزعانف أو أجنحة التوجيه . البواحث السلبية عالية الأداء في الحزم المرئية وتحت الحمراء تميل إلى أن تكون متأثرة وحساسة sensitive إلى الإشعاع الناتج عن الهدف والخلفية المحيطة ، وتحتاج في الحقيقة لمعالجة الإشارات المستلمة لتمييز الهدف . تشتغل الأنواع الأخرى للباحث السلبي ببساطة كجهاز قياس لكثافة طاقة الإشعاعالكهرومغناطيسي radiometers ، فهي حساسة فقط إلى إشعاعات الهدف نفسه (سواء كانت تحت الحمراء أو مليمتريه أوحرارية أو رادارية)


أمثلة أنماط التوجيه تتفاوت وتختلف في مفاهيمها وآلية عملها كما ذكر ، ويمكن للمتابع أن يلحظ اختلاف كبير في التفاصيل . وتعرض أسواق السلاح حالياً تشكيلة متنوعة من أنظمة التوجيه المعدة لتجهيز الصواريخ المضادة للدروع المطلقة من منصات أرضية أو جوية ، فهناك التوجيه الليزري Laser guidance ، التوجيه التلفزيوني Television homing ، التوجيه بالأشعة تحت الحمراء Infrared homing ، التوجيه بالموجات المليمتريه Millimeter wave homing وهناك منظومات مختلطة تضم أكثر من نمط توجيه ، يطلق عليها Multi-Spectral homing أو التوجيه متعدد الأطياف .

هناك 8 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اولا اريد ان ابدى اعجابى بحضرتك يا استاذ انور ، كثر الله من امثالك ممن تاهم الله العلم والفهم فى بلاد المسلمين، ثانيا انا هاوى اموضوع الدروع والأسلحة المضادة لها ومعرفتى ضئيلة جدا فى هذا الشأن ، وبالمناسبة لى سؤال هلى يعتبر الصاروخ الروسى Kornet-Em من النوع "اضرب وانسى" ؟ مثل الجافلين و الأسبايك الإسرائيلى ، وهل تقنية "إضرب وانسى" محصورة فى تلك النوع من الصواريخ الذى بعد اطلاقه يضىء الهدف و يتتبعه تلقائيا دون تدخل المشغل او منصة الإطلاق؟

    ردحذف
  2. تابع مواضيع المدونة أخي الكريم فهناك أكثر من 140 موضوع منوع .. الصاروخ كورنيت بكافة أنواعه يستخدم تقنية التوجيه نصف النشيط ، بمعنى هو يحتاج أداة توجيه ومتابعة مستمرة حتى إصطدام الصاروخ بالهدف ، فهو ليس من نوع أضرب وأنسى كما تفضلت ، لكن النسخة Kornet-Em جرى تزويد نظام الإطلاق (وليس الصاروخ نفسه) بتقنية التتبع الآلي للهدف ومن ثم تسليط شعاع التوجيه وإبقاءه مركز على الهدف .. تقنية أطلق وأنسى موجود في أكثر من منظومة مع إختلاف وسائل التوجيه .. راجع الروابط التالية :

    http://anwaralsharrad-mbt.blogspot.com/2012/08/at-14-kornet.html

    http://anwaralsharrad-mbt.blogspot.com/2013/02/agm-114l-hellfire.html

    http://anwaralsharrad-mbt.blogspot.com/2012/09/blog-post_8.html

    ردحذف
  3. السلام عليكم
    انا اتابع المدونه بأستمرار بفضل الله، فقط هناك كثير من المصطلحات المتخصصة لاافهمها بحكم عدم تخصصى فى هذا المجال، ولكننى قضيت خدمتى العسكرية بسلاح الحرب الإلكترونية.
    لقد قرأت المواضيع الثلاثة التى اشرت اليها فى الرد، وحسب ما فهمت ان هناك عدة انماط او انواع للنظام " fire and forget او أطلق وانسى "،كما ان الصاروخ Kornet-EM ليس مقذوف ذاتى التوجيه ، انما فقط منصة الإطلاق تتبع الهدف آليا. ولى هنا سؤال: كون الصاروخ السابق ليس مقذوف ذاتى التوجيه الم يخل هذا بأحد اهم اسباب وجود منظومة " اطلق وانسى" الا وهو تقليل زمن التعرض والمواجهه، إذ ان منصة المركية المحملة عليها منصة الإطلاق لن تستطيع الهروب او الإختباء بعد اطلاق الصاروخ ووإن كان الإطلاق من الحركة، لأن الصاروخ سيحتاج توجيه المنصه؟
    سؤال آخر: انتقد المنظرون الروس الصواريخ الموجهه ذتياً بأن أداء باحثها من ناحية قابلية اكتساب الهدف لا تتجاوز حتى الآن مسافة 2.5 كيلومتر، كيف ذلك ومدى الصاروخ 8 كم؟؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. حياك الله أخي الكريم بداية ، والقصد من هذه المدونة تعليمي بحت فلا تتردد في السؤال عن أي جزئية غير مفهومة .. ما كتبته عن الصاروخ Kornet-EM صحيح ، فالسلاح في حد ذاته ليس تلقائي التوجيه أو fire and forget بل هو يستعين بمنصة إطلاقه ذات تعقب آلي للهدف automatic tracker حتى الإرتطام به . ميزة التصويب هذه تكمن في أنها تحمل هامش أكبر من الدقة بالمقارنة بالمستخدم البشري ، خصوصاً مع تخفيض الإجهاد الطبيعي والنفسي الذي يمكن للمشغل البشري مواجهته في ساحة المعركة (الإرتباك أو تأثير الإنفجارات القريبة) ، ناهيك عن القدرة على الرمي من وضع الحركة (وإن كان على حساب عامل الدقة في هذه الحالة) . أما بالنسبة للسؤال الآخر فما نتحدث عنه أخي الكريم هو التوجيه السلبي أو تقنية التصوير الحراري كما هو الحال مع الجافلن الأمريكي العامل بتقنية fire and forget بمعنى هو ذاتي التوجيه ولا يحتاج لمنصة إطلاقه بعد الرمي ، في حين أن الكورنيت لا يعمل بهذه التقنية بل بالتوجيه بركوب شعاع الليزر ، لذا فإن مداه أبعد .

      حذف
  4. بارك الله فيك اخى الكريم ، فهمت تماما ولم اكن اعلم ان ال spike missle وال javelin missle مداهم قصير، من حيث المدى يتفوقق الكورنيت تماما ويوفر الحماية ضد نيران الدبابات، ولكن لما لا يعمل ال spike missle وال javelin missle مثل الهيل فاير بنظام lock-on after كما هو متاح للهيل فاير عند اطلاقه من الطائرات حينها سيتفوق على الكورنيت. وعذرا على الإطاله

    ردحذف
  5. خذ راحتك في الإستفسار .. الصواريخ التي ذكرتها تعمل وفق تقنية القفل قبل الإطلاق وليس بعده ، بمعنى أن الصاروخ يرصد صورة الهدف الحرارية أولاً ثم يخزنها في ذاكرته وبعد الإطلاق ينقاد إلى صورة الهدف المخزنة مع تحديث تلقائي مستمر ومتتابع أثناء الطيران لمتابعة الهدف سواء كان ثابت أو متحرك .. بمعني قدرة الصاروخ على الإقفال lock-on على الهدف قبل الإطلاق ثم يكون التوجيه تلقائياً . ويأخذ الصاروخ مسار الهجوم السقفي top-attack على الأهداف المدرعة ، حيث يضرب المنطقة الأقل سمكاً وتدريعاً .. ميزة هذه التقنية أن الرامي يستطيع مباشرة بعد إطلاق مقذوفه ، مواجهة هدف آخر والإشتباك معه ، فهو ليس بحاجة لإنتظار نتائج الإشتباك الأول .

    ردحذف
  6. ملاحظة صغيرة .. السبايك الإسرائيلي يتوفر بأنواع ، ومنها ما هو بمدى بعيد نسبياً ، لكنه في بعض نماذجه يستخدم وسيلتي توجيه لتغطية زيادة المدى وليس واحدة ، أحدها هو التوجيه بكيبل الألياف البصرية .

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا جزيلا على سعة صدرك استاذ، اتمنى ان ارى مواضيع عن ناقلات الجنود المدرعة و وعربات القتال المدرعة

      حذف