تجربــــة المروحيــــات
الهجوميـــــة الأولـــــى
الساحـــة
الفيتناميـــة
على الرغم من هذه المحاولات الأولية لاستخدام المروحية في أجواء مسارح القتال ، فإن المروحية القتالية المتخصصة لم تبرز سوى لتلبية حاجات الحرب الفيتنامية (1965-1972) . فبعد تدخل القوات الأمريكية المتزايد في فيتنام ، أصبح من الواضح للقادة العسكريين الأمريكيين ، بأن طائرات نقل الجنود المروحية المتواجدة لديهم ، هي أحوج ما تكون إلى أسلحة دفاعية ، تؤمن التغطية النارية الفعالة والمطلوبة ضمن محيط منطقة الإنزال ، ووصول القوات المحمولة جواً إلى الأرض ، بمعنى الحاجة لمدفعية جوية لتوفير نيران إخماد fire suppression ودعم أرضي قريب للقوات الصديقة في ساحة المعركة . تطور الجهد الأمريكي بعد ذلك لاستخدام المروحية UH-1B Huey المعدة أصلاً لنقل فصيل مؤلف من ثمانية جنود ، في عملية التغطية النارية ، حيث استبدلت حمولتها من الجنود ، بالأسلحة اللازمة لتحييد الدفاعات الأرضية المعادية ، لقد ارتكزت هذه التعديلات على المدفع الرشاش نوع M-60 عيار 7.62 ملم ، والصواريخ غير الموجهة مطوية الزعانف عيار 70 ملم ، المثبتة على دعامات متوازية مع هيكل الطائرة . وعندما أخذت تظهر في مرحلة لاحقة من صفحات هذه الحرب بعض التشكيلات المدرعة المعادية إلى الوجود ، تم تطوير المروحية UH-1B للقيام بدور مقاتلة الدروع ، حيث شحنت القوات الأمريكية ستة مروحيات من هذا الطراز وهي مسلحة بصواريخ فرنسية من طراز SS-11 (التسمية الأمريكية للصاروخ AGM/MGM-22) لمواجهة دبابات جيش فيتنام الشمالي والأهداف الصعبة الأخرى كالدشم والتحصينات .
سجلت صواريخ SS-11 أول عملية قتل لها تجاه دبابة معادية من نوع T-54 بتاريخ 21 مايو 1972 ، ثم دمرت بعدها بيوم ناقلة مدرعة من طراز PT-76. لقد فرضت عيوب التوجيه لصواريخ SS-11 (من مجموع 115 صاروخ أطلق في العام 1972 ، تم تسجيل حالتي قتل فقط لأهداف مدرعة !!) والحاجة لتطوير منظومة تصويب جيروسكوبية مستقرة gyro-stabilized غالية الثمن لصالح هذه المقذوفات ، فرضت على الجانب الأمريكي البدء في تطوير منظومات الجيل الثاني الصاروخية المضادة للدروع ، والتي كانت باكورتها الصاروخ الموجه سلكياً XM26 TOW . وبالتزامن مع عمليات تطوير الصاروخ TOW ، حرصت شركة Hughes على تطوير منظومة تصويب للسلاح تكون مرتبطة بالمروحية ، واشتملت هذه على منظار رؤية مدمج معها نظام تصوير حراري thermal-imaging . نظام الرؤية النهارية كان كامل الاستقرار fully stabilized للتعويض عن رجرجة واهتزازات المروحية أثناء الاشتباك بالصواريخ الموجهة . أما منظار التصوير الليلي فقد سمح بمهاجمة الأهداف المدرعة في ساعات الظلام الحالك ، بالتحسس السلبي للإشعاعات تحت الحمراء الصادرة على محركات العربات المدرعة أو المصادر الأخرى . هذه المنظومة ثبتت أولاً على المروحية UH-1B في العام 1966 بغرض الاختبار ، ثم ما لبثت أن عرضت في ألمانيا العام 1971 بشكل تجهيز متكامل لصالح قوات حلفاء الولايات المتحدة في منظمة حلف شمال الأطلسي NATO .
دخلت أولى المروحيات UH-1B المجهزة بصواريخ TOW المعركة بتاريخ 2 مايو من العام 1972 ، عندما أخذت القوات الأمريكية وحليفتها الفيتنامية الجنوبية في صباح ذلك اليوم بالتقهقر باتجاه Kontum تحت ضغط قوات فيتنام الشمالية والقوات الشيوعية Vietcong في هجوم عيد الفصح ، عندما تم أسر أحد قيادي هذه القوات ، وعثر بحوزته على وثيقة سرية تحذر رفاقه من سلاح أمريكي جديد يسبب "لكمة شديدة" التحذير قصد إنذار القوات الفيتنامية الشمالية من خطر سلاح "همس الموت" Whispering Death وهو الاسم الافتراضي لصاروخ TOW الموجه سلكياً ، الذي جهزت به المروحيات الهجومية UH-1 . الصاروخ كان يمتلك في نسخته الأولى مدى أدني يبلغ نحو 500 م ، ومدي أقصى فعال يبلغ 3000 م ، بحيث يمكن أن يصل مداه الأقصى خلال 15 ثانية . كان دور الرامي منحصر في إبقاء الشعيرات المتقاطعة لنظام التصويب على الهدف المنشود لضمان وتأكيد إصابته . النظام كان يمتلك قدرات نهارية فقط وفي ظروف الرؤية الجيدة .
ويتحدث الطيار الأمريكي Chapman عن تجربته الأولى مع الصاروخ TOW فيقول : بعد أن شاهدنا الدبابة المعادية أمامنا ، قمنا بعمل مناورة سريعة وعدنا أدراجنا لتوفير أقصي مدى إطلاق النار ممكن من أجل الأمان ، ثم قمنا بعد ذلك بإطلاق الصاروخ TOW ، ولا أزال أتذكر صوت صفير زعانف الصاروخ بعد الإطلاق ، وما هي إلا لحظات حتى اصطدم مقذوفنا بالهدف واشتعلت به النيران .لقد استطاعت مروحيات UH-1B في هذه المعركة تدمير أربعة دبابات خفيفة من نوع M41A3 تابعة لجيش فيتنام الشمالي ، وشاحنة حمولة طنان ونصف بالإضافة لمدفع هاوتزر من عيار 155 ملم . لقد أطلقت الصواريخ من مسافة 2700 م وضربت أهدافها بدقة . مدفعي الطائرة التي قادت الهجوم Carroll W. Lain يتذكر أيضاً ما حدث فيقول : يبدو أن طاقم الدبابة الشمالية الأولى فوجئ بظهور المروحية UH-1B عند خط الأفق ، فحرصت على وضع الدبابة في منظار التصويب من طراز XM26 وأطلقت الصاروخ TOW ، ليصيب هذا هدفه ويحدث انفجار كبير بعد ذلك في الدبابة المعادية ، ويسجل معها أول عملية تدمير لدبابة معركة بواسطة صاروخ موجه مضاد للدروع مطلق من قبل مروحية . بعدها بأيام ضربت المروحيات الأمريكية ثلاثة عربات مدرعة شمالية نوع PT-76 من مسافة 2000-3000 م ودمرتها . لقد بلغ إجمالي ما تم إطلاقه في شهرين لاحقين لعملية Kontum من المروحيات عدد 81 صاروخ TOW ، محققة 26 عملية قتل مؤكدة ضد الدبابات ، وعدد 33 ضد أهداف أخرى (ناقلات جنود مدرعة ، شاحنات عسكرية ، مراكب ، جسور ، مخابئ) . وعند استخدامها ضد الدبابات تحديداً ، كان متوسط دقة الإصابة بالنسبة للمروحيات هو معدل صاروخين لكل هدف (في دراسة لاحقة للدروس المستفادة من الحرب ، قدرت هذه أن دقة وفاعلية الصاروخ TOW كانت تتجاوز تلك الخاصة بالصاروخ SS-11 بنحو خمسة أضعاف) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق