الصفحات

21‏/6‏/2016

المختبر الحقيقي الأول للذخيرة الموجهة بدقة .

البدايــــــــة مــــــــن فيتنــــــام

المختبــــــــــر الحقيقــــــــــــي الأول للذخيــــــــــرة الموجهــــــــــة بدقـــــــــــــة
تعتبر حرب فيتنام المختبر الأول الحقيقي للذخيرة الموجهة بدقة guided munitions ، فالبداية الصعبة كانت مع القنابل غير الموجهة حرة السقوط ، والتي ساهمت في العديد من الانتصارات خلال الحرب . فهذه الأسلحة التي يطلق عليها اسم "القنابل الحديدية" iron bombs كانت مرعبة عند ارتطامها بالأرض ، كانت قادرة على تمزيق طبلة الأذن وإثارة الخوف والوهن في نفوس أكثر الجنود شجاعة ، واستطاعت شظاياها سحق وتدمير الكثير من المطارات الفيتنامية الشمالية وخطوط السكك الحديدية ، ومستودعات التجهيز ، وشبكة الأنفاق الأرضية ، ومجموعات مقاتلي "الفيتكونغ" Vietcong المختبئين في ظلال وأغطية الغابات . كان تأثير القنابل الصماء Dumb bombs مدمر ، كما شهدت معركة Tet العام 1968 وهجوم عيد الفصح العام 1972 ، ومع ذلك تسببت هذه الأسلحة بحوادث كارثية خلال مراحل عدة من الحرب ، فقد ضلت هذه القنابل طريقها لتضرب مستشفى Hanoi وتقتل 30 فرداً في ديسمبر العام 1972 . وتسببت قنبلة أخرى في مقتل العشرات من الجنود الأمريكان في وسط مرتفعات منطقة تقع في جنوب فيتنام ، الحادث نتج عن سوء الاتصالات الراديوية بين القوات الأرضية والجوية ، حين توجه الطيار بطائرته من الشمال للجنوب بدلاً من المنطقة الشمالية الغربية للمنطقة الجنوبية الغربية .
الإخفاق الآخر الذي واجهته القنابل الصماء يتمثل في العديد من حالات الفشل في إصابة الأهداف المعادية ، إذ بلغت مستويات الخطأ الدائري CEP للطيارين الأمريكان أكثر من 200 م عن نقطة التصويب aim point (انخفضت هذه في السنوات الأخيرة من الحرب لتصل لنحو 100 م فقط) واضطرت الطائرات المهاجمة للعودة من جديد للتصويب على ذات الأهداف المنشود (بلغت نحو 300 غارة خطرة على هدف واحد لتدميره) مع ما حمله هذا الوضع من خطورة ومجازفة . فقد تم رصد الكثير من الطائرات المغيرة بواسطة الرادارات الفيتنامية الشمالية ومن مسافات بعيدة ، فتم استدعاء الطائرات المقاتلة الاعتراضية ، كما أطلقت منظومات الدفاع الجوي الفيتنامية أسلحتها ، وبشكل أجبر الطائرات المهاجمة على إسقاط قنابلها في أماكن قريبة من أهدافها وبشكل غير مؤذي . اضطر الطيارون الأمريكان للهبوط والغطس مرة أخرى بشكل مباشر نحو أهدافهم ، لتتلقفهم النيران الأرضية . لقد تسببت المدافع المضادة للطائرات Anti-aircraft guns التي عادة ما تكون نيرانها دقيقة عند الارتفاعات ما دون 3000 م في معظم الخسائر الجوية الأمريكية . قتل أكثر من 3.200 طيار أمريكي في جنوب شرق آسيا خلال الفترة من 1961 وحتى العام 1972 . كم تم أسر بضعة مئات من الطيارين من قبل قوات فيتنام الشمالية ، وأثبتت العمليات الجوية التقليدية أن القصف الهائل لا يمكن أن يجلب نصراً مؤكداً ، و لم تستطع ثمانية ملايين طن من القنابل سوى إضافة المزيد من الدمار والخراب العشوائي ومقتل الآلاف من القرويين الأبرياء .
في ربيع العام 1972 استخدمت القوات الأمريكية لأول مره خلال عمليات الهجوم الجوية / الأرضية قنابل موجهة ليزرياً ، عندما قامت طائرات F-4D وF-4E مجهزة بأنظمة Martin AVQ-9 وFord AVQ-10 Pave Knife للتعيين الليزري ، بتدمير مجموعة من الأهداف الإستراتيجية بقنابل موجهة ليزرياً LGB من نوع Paveway . لقد كانت الأهداف الرئيسة لتلك الأسلحة هي الجسور الإستراتيجية في فيتنام الشمالية North Vietnam التي قامت بغزو الجنوب الفيتنامي . كان لهذه الجسور أهمية بالغة في إمداد المتمردين الشماليين بالسلاح والذخيرة بالإضافة لدعم هجومهم الآلي . وبعد عدة محاولات فاشلة لتدمير جسر Hoa Thanh الرئيس على النهر الأحمر باستخدام قنابل تقليدية صماء ، فإن ذلك الجهد لم يسفر سوى عن إصابته في أجزاء غير حساسة من هيكله ، ومقابل ذلك خسائر فادحة منيت بها الطائرات المهاجمة (الموقع كان بمثابة مقبرة سيئة السمعة لعشرات الطائرات المقاتلة الأمريكية للسنوات السبع التي سبقت العام 1972) ، لكن هذا الوضع تغير بعد استخدام القنابل الموجهة ليزرياً laser guided bombs للمرة الأولى في 13 مايو من العام 1972 ، فقد استطاعت طائرتان فقط مزودتان بهذا النوع من الأسلحة ، تدمير الجسر وبغارة واحدة فقط . لقد برهنت هذه الأسلحة على الأفضلية التعبوية وهي الدقة العالية في إصابة الهدف ، حيث أن مقدار الخطأ الدائري CEP لهذا القنابل لا يتجاوز 4-5 أمتار . وهكذا أطلقت القنبلة الموجهة ليزرياً Paveway من طائرة F-4 ، في حين كانت إضاءة الهدف تتم من قبل مشغل الأسلحة في المقعد الخلفي لطائرة F-4 أخرى مجهزة بحاويات نظام Pave Knife للتعيين الليزري .
بعد تدمير جسري Paul Doumer وThanhHoa في شهر مايو من العام 1972 ، أعاد سلاح الطيران الأمريكي ترتيب أولويات الهجمات النهارية ضد المناطق المُدافع عنها بعناية وشدة في فيتنام الشمالية ، مع استغلال واستثمار كامل القابليات للقنابل الموجه ليزرياً ، فتم مهاجمة طرق السكك الحديدية وشبكات الطاقة الكهربائية ومستودعات الوقود ومحطات الرادار والبث الإذاعي ومنظومات الدفاع الجوي الصاروخية وغيرها من الأهداف المشكوك بأمرها . لقد وفرت هذه الأسلحة إمكانية العمل في مستويات جيدة من السلامة ، وفي بيئة ومناطق شديدة الخطورة .
مع أن هذه الأسلحة شكلت جزء قليل من ذخيرة وأسلحة جو-أرض التي قامت الطائرات الهجومية strike aircraft لكل من سلاح الطيران والبحرية الأمريكية بإلقائها خلال حرب فيتنام ، إلا أن دقتها الشديدة التي لم يسبقها لها مثيل جعل استخدامها حلم جميع طياري تلك الحقبة ، فمن أصل أكثر من 10.500 قنبلة موجهة ليزرياً ، جرى إطلاقها في كافة أنحاء جنوب شرق آسيا Southeast Asia من تاريخ شهر فبراير العام 1972 وحتى فبراير العام 1973 ، كان هناك 5.107 قنبلة (ما نسبته48.1%) حققت إصابات مباشرة ، وعدد 4.000 قنبلة مع أخطاء دائرية محتملة CEP لنحو 7-8 أمتار . وللمقارنة ، تم تحصيل خطأ دائري خلال الأعوام 1965-1968 ، لأكثر من 150 م ، مع طائرة F-105 تقوم بالقصف وإطلاق قنبلتها غير الموجهة وهي بوضع الغطس dive-bombing ، تجاه أهداف تحت الحماية والدفاع الشديد في فيتنام الشمالية . ومع أن هذه الأسلحة تطلبت أجواء صافية حدد عملياتها حقيقتاً في ساعات النهار ، فإن دقتها في المقابل كانت تعادل 33-50 ضعف القنابل غير الموجهة .
ومع نهاية الحرب ، استطاعت الطائرات الأمريكية المجهزة بهذه القنابل تدمير نحو 104 جسر فيتنامي إستراتيجي ، بالإضافة لتدمير وقطع الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية ، وسمحت دقتها بمهاجمة مواضع المدفعية المضادة للطائرات والدبابات والأهداف النقطوية الأخرى ، فقط مع قنبلة أو قنبلتين من هذا النوع لكل هدف (لم تحقق قنابل Paveway نسبة نجاح 100% خلال الحرب الفيتنامية ، إلا أنه ما من شك أن هذا النوع من القنابل خفض لدرجة كبيرة عدد الطائرات المطلوبة لتدمير أهداف نقطوية شديدة الحماية والتحصين) . وأشارت دراسة مستقلة أجريت بعد الحرب ، للعمليات التي أجريت خلال السنوات 72-1973 ، بأن أكثر من ثلثي القنابل الموجه ليزرياً LGB التي أسقطت من الطائرات الأمريكية ، استطاعت ضرب أهدافها ضمن مسافة 8 أمتار من نقطة التصويب ، وإن هذا التحسين الدراماتيكي المثير في دقة التصويب ، حقق تغييرات في الحرب الجوية أشبه بالتغييرات التي أحدثتها Blitzkrieg (أو الحرب الخاطفة lightning war) في ساحة المعركة خلال الحرب العالمية الثانية .

هناك 3 تعليقات:

  1. ومع ذلك انهزموا شر هزيمة

    ردحذف
  2. سؤال كيف يتم تشفير اشعة الليزر الخاصة ببودات التهديف ؟

    ردحذف
    الردود
    1. أنت تسأل عن أنظمة التعيين الليزري laser designators أخي الكريم والتي تستخدم لإنارة أو تأشير هدف محدد بطاقة شعاع الليزر ، ليتعقب باحث القذيفة بعد ذلك آلياً طاقة الليزر المنعكسة reflected وصولاً إلى مركز ذلك الانعكاس . عملية التشفير تتم من خلال الضبط المسبق ومزامنة التردد التكراري النبضي pulse repetition frequency من المصدر الليزري (وحدة إطلاقه أو المعينة الليزرية laser designator) مع التردد النبضي للكاشف الضوئي المنصب في مقدمة رأس الصاروخ . هذه القدرة على الضبط المسبق للتردد تزود القابلية بشكل آني ومتزامن لشغل هدف ما من زوايا مختلفة بأنظمة أسلحة الليزر المختلفة . ويمكن أداء هذه العملية بدون تداخل أو تعارض أنظمة السلاح المختلفة مع بعضها البعض . إن أنظمة التعيين الليزرية تعمل عادة ضمن تردد تكراري نبضي لنحو 7-20 هيرتز ، والبعض تعمل بحدود 30 هيرتز (سلسلة نبضات مشفرة coded pulses غير مرئية) . ويتراوح المدى الفعال النموذجي إلى ما بين 10-15 كلم ، وبعض المجهزين يدعون توفير أنظمة حتى مدى 20 كلم اعتماداً على الشروط البيئية environmental conditions . بالطبع أخي الكريم عمل منظومات التعيين الليزرية أفضل ما يكون في الأحوال الجوية الصافية ، أما في حال توافر غطاء من الغيوم أو المطر أو الدخان ، فإن عملية التعيين سوف تواجه صعوبة في إنجاز مهامها ، تصل ربما لحد الاستحالة .. تحياتي .

      حذف