تاريــــــــــــخ تطـــــــــور مقذوفـــــــــــــات الطاقــــــــــــة الحركيــــــــــة
مع أواخر العام 1850 ، شهدت السفن الحربية في أوربا مرحلة تطور وتحسن كثير في خصائصها القتالية . من ضمن ذلك صناعة هياكلها من دروع الحديد المطاوع wrought iron بالسماكة الأكبر . هذه الدروع كانت عمليا محصنة ضد كلتا قذائف المدافع الحديدية المستديرة قيد الاستعمال وكذلك تجاه القذائف المتفجرة المطورة مؤخراً . الحل الأول إلى هذه المشكلة أنجز من قبل الرائد البريطاني وليم بلايسر (18 يونيو 1830 - 4 فبراير 1882) الذي أبتكر في 21 أكتوبر العام 1867 طريقة لتصنيع قذيفة حديدية مدببة خارقة للدروع حملت أسمه Palliser shot (القصد منها آنذاك كان ثقب دروع السفن الحربية) . القذيفة صنعت بتقنية الصب cast iron مع تشكيل مقدمة القذيفة بالحديد المسبوك ، حيث يتم تبريد الأنف المدبب سريعاً في الماء من أجل زيادة تصلبه (زيادة مقاومة السبيكة إلى التشويه من خلال التحويل إلى مرحلة مارتنسيت Martensite أو الشكل المقسى جداً من التركيب البلوري الفولاذي) ، بينما بقية قالب القذيفة يكون مبرد بشكل أبطأ لجعله أكثر صرامة وثبات وبالتالي تحسين مقاومته على الكسر والتحطم shattering . لقد أثبتت هذه القذائف الحديدية فعاليتها الشديدة تجاه دروع الحديد المطاوع wrought iron ، لكنها لم تكن نافعة أو مفيدة ضد صفائح الدروع المركبة والفولاذية التي قدمت أولاً في العام 1880 . لذا ، ذخيرة أحدث من الفولاذ الكربوني المطروق جرى تقديمها واستبدلت قذائف بلايسر . وخلال العام 1890 وما بعدها ، الدرع الفولاذي المدعم cemented steel أصبح شائع الاستخدام للدروع السميكة الخاصة بالسفن الحربية . ولمواجهة هذه التحدي ، بات من المفيد تصنيع قذائف المدافع البحرية من الفولاذ المشكل المشتمل في سباكته على عنصري النيكل والكروم nickel/chromium . التغيير الآخر الأبرز كان مع تقديم الغطاء المعدني الناعم أو الطري عند طرف رأس القذيفة والذي ينسب إلى الأدميرال البحري الروسي "ستيبان ماكاروف" Stepan Makarov . حيث زاد هذا الغطاء من عمق الاختراق بتخفيف وإخماد بعض قوى الصدمة ومنع مقدمة رأس القذيفة المخترقة للدروع من التضرر والتلف قبل أن تضرب هي سطح الدرع ، أو أن يتعرض جسم القذيفة للتحطم .. بداية تطوير هذا النوع من الذخائر يعود إلى العام 1895 عندما استطاع ماكاروف ابتكار تصميم لقذيفة أطلق عليها اختصاراً APC أو خارق الدروع ذو الغطاء ، أعطت البحرية الروسية كما وصفها بنفسه حينها "أفضلية حاسمة على الآخرين" .
قذيفة الطاقة الحركية APC التي طورها ماكاروف كانت عبارة عن مقذوف خارق للدروع من الفولاذ المقسى ، مثبت على أنفه غطاء خاص من الفولاذ الطري soft-steel cap . لقد قصد الأدميرال السوفييتي من ذلك التصميم ، منع هزة أو رجة الاصطدام من كسر الحافة الهشة لمقدمة المقذوف ، حيث أن الغطاء المجوف من الداخل يتكئ على أكتاف المقذوف ، وذلك كي لا يقع الحمل والضغط على الحافة الهشة نتيجة إجهاد الارتطام impact stress بالهدف المقسى . ويمكن القول بأن القذيفة ذات الغطاء APC كانت فعالة ضد الدروع ذات الوجه المقسى ، كما أن وجود الغطاء الذي يسحق عند الارتطام بالهدف قلص من فائدة صفائح الدروع المائلة sloped armour بالإضافة لتخفيض وتقليل فرص الارتداد ، لكن كان يعاب عليها التصميم الخارجي كونه غير مناسب لظروف الطيران المثلى . نتيجة لذلك ، أصبح من الشائع وضع غطاء آخر على رأس أو قمة غطاء الاختراق ، حيث عرف هذا التصميم الجديد بعد ذلك اختصاراً باسم APCBC أو خارق الدروع ذو الغطاء والغطاء البالستي . الغطاء الإضافي هذا عبارة عن غطاء معدني خفيف على شكل مدبب لتحسين الديناميكا الهوائية aerodynamics ، مما يعطي المقذوف فرصة أفضل لطيران مثالي وجيد . هذا الغطاء كان خفيف ورقيق نسبياً ، بحيث عند الاصطدام ينهار فوراً ولا يشكل أي فارق بعد ذلك لخطوات عملية الاختراق التي ذكرت سابقاً . كما أن استعماله سمح للمقذوف أن يصل إلى هدفه بسرعة أكبر (معدل التباطؤ كان أكثر انخفاضاً مما سبق) بالإضافة إلى زيادة دقته في الإصابة .
في أواخر الثلاثينات عكف العلماء الألمان في البحث عن وسيلة متقدمة لزيادة كفاءة مقذوفات الطاقة الحركية لمدافع دباباتهم ، وكان عليهم بداية تجاوز بعض العقبات . فبينما الطاقة الحركية للقذيفة تكون متزايدة مع زيادة مربع السرعة فإن الأمر كذلك بالنسبة لكمية الطاقة المتطلبة لدفع هذه القذيفة . إن استخدام مقادير متزايدة وبشكل متصاعد من شحنات الدافع ستجعل عملية التحميل والتخزين بطيئة ومرهقة . أيضاً الزيادة في حجم الخراطيش والحاويات ستتطلب بالضرورة أعادة تصميم مكلفة وباهظة لعقب/مؤخرة المدفع gun breech ، مما يجعل ذخيرة المدافع المتوافرة حالياً غير متوافقة مع السلاح . لذا ، بديل مجزي عن زيادة حجم شحنة الدافع كان مع استخدام صميم خارق صغير الحجم small-caliber penetrator يصنع من مادة عالية الكثافة ، يسكن في حاوية قذيفة مصنوعة من معدن خفيف الوزن light-weight material لها نفس قطر سبطانة المدفع .. هكذا ومع بداية الحرب العالمية الثانية طور الألمان نوعاً جديداً من القذائف الخارقة للدروع لمدافعهم من عيار 37 و50 ملم ، حمل التعيين APCR ، والأحرف الإنكليزية اختصار لفقرة خارق الدروع المركب المقسى . القذائف APCR تستخدم نواة أو صميم ثانوي من مادة كثيفة وقوية sub-calibre core ، محاط بغلاف من سبيكة معدنية خفيفة مثل سبيكة الألمنيوم ، تمتلك نفس قطر سبطانة المدفع . وبالنظر لكونها أخف وزناً من الذخائر الخارقة التقليدية (بلغ وزن المقذوف تقريباً نصف وزن المقذوف الخارق كامل القطر) فقد كان بإمكانها الاحتفاظ بسرعة ابتدائية أعلى ، حيث بلغت سرعة فوهتها نحو 1,260 م/ث ، كما أن قدرتها على الاختراق كانت أكبر بكثير في المديات الأقصر مقارنة بالمقذوفات الخارقة كاملة القطر full calibre projectile (الاختراق المتزايد للقذائف APCR يجيء من حقيقة كون المنطقة المستهدفة بالاختراق أصغر ، بحيث تزداد كمية الطاقة الحركية لكل سنتيمتر مربع) . في المقابل ، كان لهذا النوع من الذخيرة عيب رئيس يتمثل في سرعة فقدانه للسرعة الابتدائية كلما زاد المدى ، وذلك نتيجة ارتباط الغلاف الخارجي الخفيف بالصميم الخارق الداخلي طوال فترة الطيران نحو الهدف (كان لديها نفس المقطع العرضي cross sectional للمقذوفات الخارقة كامل القطر) . بالنتيجة قابلية الاختراق كانت تتناقص بشدة مع زيادة المدى . الصميم الخارق الذي كان ينتج عادة من كربيد التنغستن Tungsten Carbide ، أتصف بالهشاشة وسرعة التحطم متى ما ضرب صفيحة الدرع بشكل مباشر أو إذا كان الهدف محمي بالدرع المباعد spaced armour .
بديل آخر إلى مقذوفات الطاقة الحركية التقليدية عرف اختصاراً باسم APCNR ، أو خارق الدروع المركب غير المقسى . لقد مثل هذا النوع من الذخائر تصميم محسن على تصميم مقذوفات APCR سابقة الذكر ، لكنه استعمل نادراً أثناء الحرب العالمية الثانية واختفى بعد ذلك بقليل . يرجع ابتكار الذخيرة APCNR إلى العام 1920 عندما قام مصمم الأسلحة والمهندس الألماني "هيرمان غيرليش" Hermann Gerlich بأعمال التطوير والتصميم . هي في حقيقتها عبارة عن قذيفة خارقة للدروع ، ذات نواة من مركب كربيد التنغستن tungsten carbide ، محاطة بغلاف مكون من سبيكة معدنية خفيفة مع قطر داخلي متكامل ، والتي صممت للاستعمال مع مدفع ذو سبطانة قطرها الداخلي متضائل أو متناقص tapered barrel كلما تقدمنا نحو الفوهة . سبيكة المعدن المحيطة يجب أن تكون قادرة ذاتياً على الانتقاص والتقليل من قطرها أثناء مرورها خلال السبطانة المتدرجة ، مما أعطى للمقذوف خصائص طيران أفضل مع كثافة مقطعية أعلى ، وبالتالي سرعة أكثر ومدى أطول (تعبير الكثافة المقطعية Sectional density يشير لنسبة كتلة المقذوف إلى منطقته العرضية أو قطره . وكقاعدة عامة ، المقذوف الأعلى في كثافته المقطعية ، الأعظم في احتفاظه بسرعته عند افتراض تماثل عوامل الشكل . وكذلك الأمر في الاختراق ، فمقذوف بكثافة مقطعية أعظم ، هو الأقدر على تحقيق اختراقات أعمق) . وللتوضيح ، القذيفة كانت توضع ابتداء في مغلاق المدفع وهي كاملة القطر ، لكنها كانت تتشوه وحافاتها البارزة تتقلص كلما تحركت خلال التدرج المتضائل باتجاه الفوهة ، بحيث تظهر في النهاية مع مقطع عرضي صغير . لقد استخدم هذا التصميم في الغالب من الألمان ، خصوصاً مع المدفع الخفيف المضاد للدبابات sPzB 41 الذي كان يستخدم ذخيرة من عيار 28 ملم ، يحولها عند الإطلاق للعيار 20 ملم . وكذلك الأمر مع المدفع الألماني الثقيل المضاد للدبابات Pak 41 الذي كان يستخدم ذخيرة من عيار 75 ملم ، يحولها عند الإطلاق للعيار 55 ملم . الفائدة الرئيسة لمقذوفات APCNR تكمن في تحقيقها اختراقات أعظم جداً في الدرع ، شأنها شأن جميع المقذوفات ذات النواة أو الصميم الفرعي sub-calibre projectiles . كان ذلك نتيجة منطقية بسبب تخفيض واختزال مساحة المقطع العرضي أثناء الإطلاق ، مما جعل مقذوفات APCNR لا تواجه نفس التخفيض المتعجل rapid reduction في السرعة وبالتالي في عمق الاختراق مع زيادة المدى كما كانت مقذوفات APCR تعاني (الجزء أو المقطع الخارجي خفيف الوزن للمقذوف كان بشكل محكم يتلاءم ويتوافق مع قطر سبطانة المدفع أثناء الانطلاق ، بحيث كان عملياً يمنع أي هروب لغازات الدافع من السبطانة) . مع ذلك ، عانى هذا النوع من المقذوفات من بعض معوقات الاستخدام ، مثل النسب العالية لإهتراء سبطانة المدفع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق