ســــلاح المدفعيـــــة .. مستويـــــات الإعطـــــاب والإضـــرار بالهــــدف
مع تطور المفاهيم والأفكار في زمننا الحالي ، أصبح تعبير الدعم الناري المتكامل والمدمج Integrated fire support لسلاح المدفعية ، عنصر حاسم ومهم في ساحة المعركة الحديثة . ففي الهجوم offense ، يمكن اعتباره من الوسائل الرئيسة لإنجاز وتحقيق ارتباط مفيد بقوات العدو . إذ يستطيع الدعم الناري سحق الفجوات والثغرات المنجزة في خطوط دفاعات القوات الصديقة ، وكذلك عرقلة وتعطيل ، أو حتى تحطيم تجمعات العدو في عمقه التكتيكي ، بالإضافة إلى صد الهجمات المضادة . وفي الدفاع defense ، الدعم الناري يمكن أن يعرقل تحضيرات العدو للهجوم ، ويستنزف قواته بينما هي تقترب من المواضع الأمامية ، ويصد أو يعزل القوات التي تصل أو تخترق هذه المواضع . وفي هذا الخضم من المهام ، يجب أن لا ننسى المعركة والمواجهة مع مدفعية العدو والتي هي إحدى المهام الرئيسة والأكثر أهمية لسلاح المدفعية . لذا تعتبر نيران البطاريات المضادة Counter-battery Fire مطلب هام ورئيس لتحقيق حالة الإخماد والتدمير ، أو على أقل تقدير التحييد والتعطيل لبطاريات مدفعية العدو . فهي قادرة على تمكين القوات الأرضية من تحقيق وإنجاز تفوق ناري على قوات الخصم في ساحة المعركة . مواجهة مدفعية العدو تتطلب عادة أكثر من نيران بطارية واحدة مضادة ، كما أن تحقيق دمار عظيم إلى مراكز القيادة والسيطرة Command & Control بالإضافة إلى بطاريات المدفعية ، يتطلب أيضاً دعم وتعاون الأسلحة المقاتلة الأرضية الأخرى وكذلك سلاح الطيران .
بالنسبة لمستويات الإعطاب والإضرار بالهدف damage criteria والتي يستطيع سلاح المدفعية تسجيلها ، فهذه تقيد ضمن معايير وحسابات خاصة مدروسة . إذ تحدد مقاييس الأضرار الملحقة بالهدف العسكري عادة بمفاهيم الخسارة المؤقتة أو الجزئية أو الكلية . وبشكل عام ، الفاعلية والتأثير القتالي للهدف يمكن أن يحيد ويخفض وفق أصناف من الأضرار ، تتمحور مفاهيمها حول السحق والإفناء annihilation ، التدمير والتحطيم demolition ، التحييد والتعطيل neutralization ، الإزعاج والمضايقة harassment . النوع الأول أو نيران السحق والإفناء يقصد منها ولأقصى حد جعل الأهداف غير المنظورة أو غير المرئية عديمة الفاعلية والتأثير القتالي ، بحيث تحتاج هذه لجهود كبيرة لإعادة البناء والإصلاح لكي تكون صالحة للاستعمال . على سبيل المثال ، للأهداف النقطوية point targets مثل مواضع إطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات ، القوة المقابلة يجب أن تنفق وتستهلك قذائف كافية لضمان تحقيق نسبة 70 إلى 90% من احتمالية قتل . أما بالنسبة لأهداف المنطقة area targets مثل مواضع الكتائب والفصائل المحصنة ، فإنهم يجب أن يطلقوا قذائف كافية لتدمير ما نسبته 50 إلى 60% من الأهداف المقصودة . هذه النيران بطبيعة الحال ستؤدي إلى خروج الوحدات من ساحة المعركة كقوة قتالية فاعلة . المفهوم الآخر أو التدمير والتحطيم ، يشير إلى تحصيل مستويات من حالات الإعطاب والإتلاف destruction للتجهيزات والمباني والأعمال الهندسية (جسور ، تحصينات ، طرق) والأهداف الأخرى المقصودة . تحقيق هذا النوع من الأضرار يتطلب إطلاق وتوجيه قذائف كافية لجعل مثل هذه الأهداف غير صالحة للاستخدام . المفهوم الثالث يتحدث عن نيران التحييد ، والتي تهدف إلى ايقاع خسائر كافية في الأهداف المقصودة ، للحد الذي يتسبب في فقدانها تأثيرها المقاتل combat effectiveness بشكل مؤقت ، أو يحيد ويقيد قدراتها على المناوره ، أو يعرقل قابليتها على القيادة والسيطرة . ولإنجاز هذه المعادلة ، المدفعية يجب أن تسدد قذائف كافية لتحطيم 30% من مجموع الأهداف غير المنظورة . المفهوم الأخير للأضرار يستعين بعدد أقل من قطع وذخيرة المدفعية ، وعادة ضمن وقت موصوف ومعين لتسديد نيران المضايقة . إن هدف هذه النيران يتركز حول تسليط ضغط عصبي ونفسي psychological pressure على أفراد العدو في المواضع الدفاعية المحصورة ، ومواقع القيادة والإمدادات في الخطوط الخلفية . نيران المضايقة الناجحة تمنع وتعرقل قابليات العدو على المناورة ، وتخفض روحه المعنوية ، كما أنها تضعف استعداده القتالي بشكل تدريجي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق