الصفحات

28‏/3‏/2014

البداية التاريخية لأدوار الدعم الجوي القريب .

البدايـــــــــة التاريخيــــــــة لأدوار الدعـــــــم الجــــــوي القريــــــب


ظهرت أول الأفكار عن كيفية استخدام القوة الجوية في أدوار الدعم الجوي القريب ، ومساندة القوات البرية (أو القصف التكتيكي Tactical bombing) خلال الحرب العالمية الأولى ، ومع أن سلاح الطيران كان ما يزال آنذاك في مرحلة طفولته ، والتأثير المباشر لنيران المدافع الرشاشة والقنابل الخفيفة محدود جداً ، مقارنة بنيران المقاتلات القاذفة fighter bomber خلال الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال ، إلا أن هذه الطائرات البطيئة كانت لها تأثير نفسي كبير على خصومها في ساحة المعركة ، فالطائرة كانت عدو مرئي (على عكس سلاح المدفعية) يوفر تهديدات جدية لقوات العدو ، في ذات الوقت الذي يوفر نوع من الطمأنينة للقوات الصديقة . وتحققت معظم العمليات الناجحة في تلك الحقبة ، خلال الفترة 1917-1918 ، عندها أسقط الطيارين قنابل صغيرة كانت مثبتة على جانبي كابينة القيادة المفتوحة . لقد تطلبت هذه العمليات نوع من أنواع التنسيق المسبق بين القوات الجوية والأرضية ، أمكن توفير معظمه من خلال وسائل اتصال راديوية بدائية . أحدى أولى ممارسات القصف التكتيكي جرت في العام 1915 في معركة Neuve Chapelle عندما قصفت الطائرات البريطانية بالقنابل اتصالات السكك الحديدية الألمانية . 


أبرزت الحرب العالمية الثانية أهمية تكامل ودمج القوة الجوية مع مفهوم الأسلحة المشتركة combined arms ، وعبرت القوى المتصارعة عن هذا الأمر بمصطلح الدعم الجوي القريب close air support ، ومع أن أسس هذا التعاون قد جرى وضعها ابتداء في الاتحاد السوفيتي عام 1936 ، من قبل المارشال "غريغوروفيش" Grigorovich الذي عمل على جمع القوة النارية ، لكل من سلاح الجو والمدفعية والدروع ، والتنسيق بينهما للحصول على أكبر قدرة نارية مؤثرة في المعركة ، فإن من سخرية القدر أن سلاح الجو الألماني النازي Luftwaffe ، هو الذي استغل هذه الأفكار واستخدمها إلى الحد الأقصى ، حيث قامت طائراته من طراز Stuka خلال الحرب العالمية الثانية بتقديم الدعم الجوي لقواته البرية . وطبق سلاح الجو الألماني أول اختباراته خلال الحرب الأهلية الأسبانية ، عندما شكل خمسة مجموعات هجوم أرضي ، أربعة منها مكونة من المقاتلات القاذفة "ستوكا" Stuka ، وجرى خلال هذه الحرب تعلم الكثير من مرتكزات التنسيق الجوي/الأرضي لتعزيز دور الوحدات الأرضية .



القيمة الحقيقة لطائرات الدعم الجوي القريب CAS ، ظهرت خلال عمليات عبور نهر Meuse أثناء احتلال فرنسا عام 1940 ، حين طور الجنرال الألماني "هينز غودريان" Heinz Guderian مفهوم الأسلحة المشتركة ، والذي أرتبط بإستراتيجية الحرب الخاطفة Blitzkrieg (مفهوم عسكري يستند على دمج عناصر السرعة والمفاجأة لوحدات الدبابات المدعومة من قبل الطائرات القاذفة والمشاة لمنع العدو من الصمود دفاعيًا) وأكد غودريان على أن أفضل وسيلة لتوفير غطاء لعملية العبور ، هو بتوفير دعم وهجوم جوي متواصل خلال مراحل العبور على القوات الفرنسية المدافعة ، وأثناء العملية أثبتت هذه التكتيك دقته ، حيث أبقت الهجمات الجوية ، القوات الفرنسية في مواضعها الدفاعية ومنعتها من إدارة وتشغيل أسلحتها . واستخدام الألمان أسلوب "القصف مع وضع الغوص" Dive Bombing ، الذي سمح بدقة تصويب أفضل من أسلوب القصف المستوي ، بينما أدى التغيير السريع للارتفاع إلى إرباك مطلقي النار من المدافعين ، وحرمانهم من التصويب الفعال والدقيق . إن أسلوب القصف مع الغوص يقضي بانقضاض الطائرة مباشرة نحو هدفها ، وبشكل عمودي تقريباً ، وبذلك ستأخذ القنابل المسقطة نفس اتجاه الطائرة ، مما يسمح بإصابة أهداف صغيرة بدقة كبيرة . كما ساعدت صفارات الإنذار التي ثبتت في طائرات ستوكا Stuka على زيادة التأثير النفسي بالنسبة الجنود المدافعين . ونتيجة لضعف التنسيق في ذلك الوقت بين القوات الأرضية والجوية ، لجأ الألمان إلى الإشارات الأرضية البصرية ، لتعيين الوحدات الصديقة وللإشارة إلى المواقع المعادية . تسليح الطائرات في تلك الحقبة ، وما قبلها ، اعتمد على المدافع الرشاشة ، التي كانت من أوائل الأسلحة المستخدمة ، خصوصاً في دور الهجوم الجوي الأرضي Air-to-ground وتدمير الأهداف الأرضية . 



في الجهة المقابلة أدرك السوفييت أهمية طائرات الدعم الجوي القريب ، خصوصاً بعد الغزو الألماني لأراضيهم ، وأبرزت الحرب أحد أهم طائراتهم الهجومية القاذفة آنذاك ، وهي Ilyushin Il-2 shturmovik ، التي كلفت القيام بعلميات الدعم الجوي القريب ، وعرقلة وتعطيل تقدم القوات الألمانية الأرضية ، خصوصاً الدبابات . هذه الطائرة دخلت الخدمة عام 1941 ، وأشتمل تسليحها في البداية على مجموعة من مدافع sh VAX عيار 20 ملم وقنابل حرة ، يتراوح وزنها بين 1,5 و5 كلغم ، مع قدرة اختراق بين 30-130 ملم . ولكنها لم تستطيع تحقيق نتائج طيبة ، بسبب مداها القصير الذي لم يتعدى 350 كلم ، وبسبب الافتقار إلى الاتصالات بين الوحدات الجوية والأرضية . ثم زودت الطائرة بعد ذلك بقذائف حرة RS-82 من عيار 82 ملم ، وفي مرحلة لاحقة من مراحل الحرب العالمية الثانية 1939ـ1945 ، جرى تزويدها بمدفع أقوى من عيار 23 ملم ، الذي وفر إمكانيات كبيرة في اختراق دروع الدبابات الألمانية ، للحد الذي أرسل معه الرئيس السوفييتي آنذاك "جوزيف ستالين" Joseph Stalin ببرقية مستعجلة إلى مدير مصنع هذه الطائرة يخبره فيها "هي ضرورية للجيش الأحمر كما هو الهواء والخبز air and bread" 


الألمان وبسبب إعجابهم الشديد بأداء الروسية Ilyushin 2 ، فقد حرصوا في سلاحهم الجوي Luftwaffe على تزويد طائراتهم الهجومية بسلاح فعال مضاد للدروع ، وكان هذا السلاح هو المدفع المضاد للطائرات Flak-18 عيار 37 ملم . ثبت السلاح في البداية على القاذفات من نوع Junkers بهدف مهاجمة تشكيلات الدبابات النهارية ، وأطلق عليه بعد التعديل وموائمة هيكل الطائرات اسم BK-37 . ولتحقيق أقصى تأثير للسلاح ، تم توفير قذائف خارقة للدروع لمواجهة الأهداف الأرضية المدرعة ، حيث تم تثبيت مدفع BK-37 تحت كل جناح ، مع مخزن دائري من ستة قذائف . وزن النظام كان 272 كلغم ، وطوله 3.36 م ، وتم تحميل هذا السلاح على العديد من الطائرات الألمانية مثل Hs 129 B-2 والمقاتلة Bf 110 G-2 وغيرهما . ومع أن النظام كان ثقيل جداً ، للحد الذي تسبب معه في إبطاء سرعة الطائرات وتعريضها للمقاتلات الروسية ، فإنه حقق نتائج باهرة ، واستحق اسم "محطم الدبابات" tank buster واستطاع بعض الطيارين الألمان مثل العميد Ulrich Rudel ، تدمير نحو 519 دبابة سوفييتية بهذا السلاح على الجبهة الشرقية .. وفي مرحلة لاحقة من مراحل الحرب ، طور الألمان المدفع BK-5 عيار 50 ملم ، ولكن وبسبب ثقل وزنه تم تخصيصه للعمل على الطائرات مزدوجة المحركات ، مع خزان من 21 طلقة . وحددت للطائرات التي تحمل هذا المدفع مهمة مرافقة القاذفات ومواجهة المدافع الرشاشة المعادية من مسافات أبعد من قدرة تأثيرها . أما أبرز طائرات الدعم الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية ، فكانت القاذفة المقاتلة Stuka Ju-87 والتي برز اسمها في عمليات الدعم الجوي للقوات الأرضية ، فبعد أن كان الألمان يميلون للتركيز على عمليات القصف الاستراتيجي في مخططاتهم ، فإن تمارين مشتركة مع الجيش السويدي عام 1934 أظهرت أن قواتهم كانت مكشوفة للقصف الجوي الدقيق ، في الوقت الذي واجهت فيه المدافع المضادة للطائرات ، صعوبة في تعقب الطائرات المهاجمة .

هناك تعليقان (2):

  1. شكراً لهذه المعلومات
    يبدو أن جناح الطائرة الأيسر في الصورة الأولى تعرض لإطلاق النار أو حادث ما

    ردحذف
    الردود
    1. طائرات الدعم الجوي القريب ، خصوصاً الأنواع المستخدمة حالياً ، تصمم وفق هذه الشروط .. فهي يمكن أن تطير بجناح مقتطع الأجزاء أو الهبوط بدون عجلات طريق ، أو الإستمرار مع محرك واحد فقط في حال إخفاق المحرك الآخر أو تضرره في المعركة !! تحياتي أخي الكريم .

      حذف