سلسلــــــة مدافــــــع الدبابــــــات
السوفيتيــــــة 2A46
تاريــــخ مـــن الفشـــل
والنجــــاح
ظهور الدبابات الأمريكية الجديدة M60 والبريطانية Chieftain كانت مثار إعجاب ودهشة من قبل القيادة السوفيتية . إذ تشير العديد من المصادر السوفييتية عن السبب الرئيس لتطوير مدفع دبابات متقدميعود إلى تقارير إستخباراتية حصل على السوفييت ، تفيد بتطوير الغرب لدبابات حديثة ، على الأخص واحدة بريطانية جديدة أطلق عليها اسم Chieftain التي لا يمكن دحر مقدمة برجها بقذائف المدفع U-5TS عيار 115 ملم (بدون الحاجة لذكر المدفع D-10T2S عيار 100 ملم الخاص بالدبابة T-55) . لذا ، في بداية الستينات وتحديداً في 15 يونيو من العام 1961 ،شرع السوفيت وبناء على توصية من اللجنة الرسمية العلمية لتقنيات الدفاع GKOT في البحث عن تطوير وبناء مدفع دبابة جديد ، يخلف المدفع أملس الجوف smoothbore طراز 2A20 (أو U-5TS) عيار 115 ملم المثبت على الدبابة T-62 ، وخليفته 2A21 (أو D-68) المقترح لصالح الدبابة الأحدث T-64 .
العمل الشامل على المدفع الجديد الذي أطلق عليه D-81 (أو 2A26) بدأ بقرار من وزارة الدفاع السوفييتية واللجنة الرسمية العلمية لتقنيات الدفاع GKOT في 11 أغسطس 1962 ، حيث بلغ قطر فوهة السلاح 125 ملم ، وجرى تطويره من قبل شعبة هندسة التصميم في مكتب التصميم (OKB-9) ، في حين تولى إنتاجه مصنع المدفعية Ekaterinburg No.9 في مدينة "برم" Perm ، بقصد تجهيز الدبابات T-62 وكذلك مشروع الدبابة Project 432 (لاحقاً T-64) بسلاح معتبر قادر على مواجهة الدبابات الغربية حديثة الظهور .
في شهر أبريل من العام 1964 أستكمل مصنع المدفعية No 9 إنتاج خمسة نماذج من السلاح D-81 ، ثبتت على نماذج دبابات اختباريه مختلفة . إذ أرسل مدفعين إلى مصنع الدبابات في منطقة كاركوف Kharkov لتثبيتهم على النموذج التجريبي Obiekt 432 ، ومدفعين آخرين تم إرسالهما إلى مدينة نايزني تاغيل Nizhny Tagil في منطقة "الأورال" Urals للاختبار على النموذج Obiekt 167 . أما المدفع الخامس فقد احتفظ به للاختبار في المصنع رقم 9 ، حيث أخضعت سبطانة المدفع لاختبارات معيارية لقياس الإجهاد الناتج عن ضغوط غازات الدافع ، ليرسل المدفع بعد ذلك إلى منطقة كاركوف . الاختبارات الأولى أجريت من قبل معهد البحث NII-24 في أواخر شهر أبريل العام 1964 ، وشملت قذيفة شديدة الانفجار مضادة للدبابات HEAT ، حققت مدى أقصى بلغ 1020 م ، مع قدرة اختراق بلغت 200 ملم ، بزاوية ارتطام 60 درجة . في حين حققت القذيفة شديدة الانفجار المتشظية مدى أقصى بلغ 10600 م مع زاوية اطلاق من 14 درجة . أما بالنسبة للإطلاق بقذائف الطاقة الحركية المثبتة بزعانف ، فقد كانت النتائج غير مرضية ، خصوصاً لعامل الدقة accuracy . وعلى مسافة 2,000 م استطاعت قذيفة من هذا النوع ثقب صفيحة معدنية بسماكة 270 ملم ، مع سرعة فوهة بلغت 1800 م/ث (مقذوفات الطاقة الحركية للسلاح والتي بلغ وزنها 5.7 كلغم ، كانت قادرة على مسافة 4 كلم تحقيق نفس عمق الاختراق تقريباً الذي يحققه المدفع U-5TS عيار 115 ملم لكن على مسافة 2 كلم) .
في 20 مايو من العام 1968 تم الانتهاء من تطوير المدفع D-81 وتزويده بمنظومة كبح هيدروليكية ، وتقرر تثبيته أولاً على الدبابة المشروع Project 434 أوالدبابة T-64A ، التي كانت مسلحة في نسختها الأولى بمدفع أملس الجوف عيار 115 ملم (الدبابة الجديدة صممت في العام 1962 في مكتب التصميم UZTM ، والأحرف اختصار مصنع بناء الآلات الثقيلة في الأورال) ، وحمل المدفع التعيين 2A26 . لكن بسبب عيوب ونواقص تصميمية وأخرى خاصة بالسبائك المستخدمة (لم يتجاوز عمر السبطانة الافتراضي حسب مصادر سوفييتية عدد 350 إطلاقه وفق معيار EFC ، في حين تحدثت مصادر أخرى عن عدد 200 قذيفة فقط) ، عمل السوفييت في العام 1969 على تطوير نسخة أحدث من السلاح، أطلق عليها 2A26M-1 ونسخة لاحقة أطلق عليها 2A26M-2 خاصة بالدبابة T-72 . ولكون جدران سبطانات المدافع الملساء أكثر طولاً ونحافة من تلك المحلزنة ، فقد كانت هذه أكثر حساسية لاختلاف درجات الحرارة الخارجية التي يمكن أن تؤثر على سبطانة المدفع وتعرضها لظاهرة التدلي والانحناء . لقد بلغت أخطاء التصويب تحت تأثير الشروط الخارجية مع سبطانة المدفع 2A26M-2 نحو 1.5-2.0 مرة . وأظهر التشوه الطفيف للسبطانة barrel distortion إمكانية تأثيره على دقة النيران بشكل ملحوظ خصوصاً على المدى البعيد ، مما اضطر المصممين السوفييت لاستخدام الأغطية الحرارية الواقية بعد تلقي معلومات عن استخدامها في مدافع الدبابات الغربية الأحدث . مشاكل عمل أخرى ارتبطت بمنظومة كبح الارتداد ، والتوسع الحراري لسائلها المتضمن نحو 400 ملم من الهواء أدى لحدوث تمازج بين الاثنين ، مما تسبب بآلية إرجاع غير مستوية uneven rollback وأخطاء في دقة النيران تجاوزت أخطاء تعيين وتصويب السلاح .
في العام 1970 جرى تطوير المدفع القياسي 2A46-1 (أو التعيين الداخلي D-81TM) عيار 125 ملم ، والذي كان معد للعمل مع منظومة التلقيم الآلي auto-loader الخاصة آنذاك بالدبابة T-64B . أصبح هذا المدفع بنماذجه المتعددة ملساء الجوف ، سلاح دبابات المعركة الرئيسة السوفيتية اللاحقة ، حيث بلغ وزنه 2500 كلغم ، في حين بلغ طوله 6383 ملم ، منها 6000 ملم هو طول السبطانة فقط . اشتمل البناء العام للسلاح على نازع دخان evacuator في منتصف السبطانة (يميل أكثر نحو الأمام) يعمل على اكتساب الدخان الناتج عن احتراق الدافع ، ومن ثم إطلاقه مع الغازات الساخنة المضغوطة بسرعة 500 م/ث من فوهة السبطانة . أما الكم أو الرداء الواقي الحراري thermal sleeve ، فهو يتكون من أربعة صفائح معدنية ، مع مسافات وفواصل مطاطية ، مثبتة حول السبطانة ، ومشدودة بمشابك السبطانة pipe clamps . كما جهز المدفع بآلية إيقاد ميكانيكية في العقب ، تعمل على تحفيز شحنة الدفع خلال 0.16 ثانية ، وأخرى كهربائية تعمل على تحفيز الدافع خلال 0.08 ثانية . آلية كبح ارتداد rollback brake مطورة وبتصميم جديد أضيفت لمنظومة السلاح ، التي قدمت بالسائل التعويضي لحسين تجانس وانتظام ميكانيكية الإرجاع . السوفييت طوروا العام 1976 نسخة أخرى من السلاح لصالح الدبابات T-64B وT-80B ، أطلق عليه 2A46-2 ، تميز بقدرات إضافية على إطلاق قذائف صاروخية موجهة مضادة للدبابات من طراز 9K112 Kobra ، كما وضبوا نسخة أخرى لتجهيز الدبابة T-72 .
خلال النصف الأول من العام 1980 عمل المهندسين السوفييت لتجاوز بعض نقاط الإخفاق في السلاح 2A46 ، وبدءوا في عرض نسخة محدثه من المدفع ، أطلق عليها 2A46M ، حيث اختلفت هذه عن سابقتها النسخة الأصلية في بعض التفاصيل ، أولها إضافة بطانة داخلية من عنصر الكروم chromium وذلك لحماية جوف المدفع من التعرية والتآكل وإطالة عمر المدفع ، وهذه امتزجت مع تقنيات تصنيع محسنة لسبطانة السلاح ، يطلق عليها autofrettage هي عبارة عن تقنية تصنيع تستخدم لتقوية سبطانات المدافع وزيادة تحملها ومتانتها ، عن طريق إخضاع جوف السبطانة لإجهاد وضغوط هيدروليكية هائلة، مع التأكيد على عنصر المتانة وتحمل الضغوط القصوى حتى 6500 بار ، مقابل 5100 بار للنسخ الأقدم من السلاح (Bar هو وحدة قياس للضغط ، وتساوي تقريبا مقدار الضغط الناتج عن 14.5 رطل على البوصة المربعة) وتهيئة كتلة عقب السلاح لملائمة الملقم الآلي على الدبابات T-72A وT-72B ولاحقاً للنسخ الأولى من الدبابة T-90 . جهز السلاح بمنظومة هيدروليكية محسنة لكبح الارتداد recoil brake لتخفيض وإنقاص طاقة الارتداد بشكل تدريجي ، تتكون من أسطوانتين عاملة بضغط الهواء والزيت ، مثبتتين على المحور الطولي للسبطانة من ناحية العقب ، تزامنت هي الأخرى مع تحسين توجيه السبطانة في قاعدة حضنها على البرج ، وتطوير منظومة آلية الاستقرار stabilization system بواحدة جديدة من طراز 2E28M ، التي وفرت المزيد من الدقة للسلاح ، خصوصاً أثناء حركة الدبابة ، مع سرعة توجيه عمودية لنحو 0.05-3.5 درجة/ثانية ، وتوجيه أفقي لنحو 0.07-6 درجة/ثانية (تحدثت مصادر غربية عن متوسط خطأ للمدفع لنحو متر واحد عند مدى 1800 م ، التي تعتبر غير مقبولة ودون المستوى وفق مقاييس اليوم) . كما تحصل المدفع على بعض التعديلات التي تسمح بتبديل سبطانته في ساحة المعركة خلال نحو 60 دقيقة فقط دون الحاجة لرفع البرج .
في العام 2005 تم تطوير أحدث نسختين من المدفع ، هما 2A46M4 الذي ثبت على الدبابة T-80 ، وجرى تطوير سبطانة جديدة للسلاح باستخدام سبائك محسنة ، خفضت الاهتزازات لحد كبير ، مع إضافة بطانة من طلاء الكروم chromium-plated أكثر تماسكاً ، بالإضافة لإمكانية لاستبدال سبطانة المدفع وحلقة العقب بسهولة نسبية ودون الحاجة لنزع برج الدبابة كاملاً . أما النسخة 2A46M5 فهي مشابهه في خصائصها للنسخة 2A46M4 ولكنها معدة للتثبيت على الدبابة T-90A . لقد زادت هذه المدافع من خصائص الدقة ، لنحو 50% مقارنة بالنسخ الأقدم A462 ، ونحو 20% بالنسبة للنسخ 2A46M-1 الأحدث . كما تم هندسة وإعادة تصميم آلية الارتداد وتحسين أداءها ، مما ترتب علية تحسين وتنسيق قوة الاهتزاز أثناء الرمي ، وتخفيض خاصية البعثرة والتشتت لنحو 1.7 مرة . وأضاف المصممين الروس بعض التجهيزات الغربية لتعزيز دقةأسلحتهم ، مثل منظومة مراجعة السبطانة MRS المثبتة في مؤخرة طرف السبطانة عند فوهة السلاح (كما شوهد على الدبابة T80UM1) ، وتعمل هذه على توفير معلومات دقيقة ومستمرة عن الانحراف الزاوي لسبطانة المدفع بالنسبة لمرتكز دوران السلاح ، وعند أي زاوية ارتفاع كانت وأثناء الحركة أو التوقف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق