الصفحات

10‏/11‏/2012

تطور ذخيرة الدعم الجوي .


تطــور ذخيـرة الدعـم الجـوي .. حـرب الخليـج


في حرب الخليج الأولى 1991 وفرت الطائرات المتقدمة قابليات لإسقاط قنابل صماء غير موجهة ضمن دائرة نصف قطرها 5 أمتار عن الهدف ، إلا أن الدفاعات الجوية العراقية التي تميزت بالاعتماد على الأعداد الكبيرة من قذائف أرض-جو والمدافع سريعة الطلقات المضادة للطائرات ، لم تسمح ببساطة بالاستخدام التقليدي للهجوم من الارتفاعات المنخفضة ، في حين أن عمليات القصف من الارتفاعات المتوسطة ولأكثر من 5000 م بواسطة الأسلحة غير الموجهة كانت أيضاً مرفوضة ، خصوصاً عند الرغبة بمهاجمة أهداف نقطوية ، أو توجيه ضربات مباشرة ضد المخابئ والدبابات والمدفعية . لقد تمثل الحل في استخدام الذخيرة دقيقة التوجيه precision munitions ، التي وفرت الكثير من الجهد والمخاطر على أطقم الطائرات المتحالفة . وتشير العديد من الدراسات لتأثير الحملة الجوية الأولى air campaign التي عملت على تحييد مراكز القيادة والسيطرة العراقية ، بالإضافة لمنظومات الدفاع الجوي . لقد استطاعت الهجمات الدقيقة ضد طائرات القوة الجوية العراقية تدميرها وهي في حظائرها ، وعجلت هذه الضربات في النزوح الجماعي للطائرات إلى إيران . الهجمات الدقيقة أيضاً ضد الجسور ، قيدت حركة القوات العراقية البرية ، وفرضت عليها وضع التكدس ، أو ما يطلق عليه "عنق الزجاجة" bottleneck ، مما حدا بالكثير من الجنود العراقيين للهرب مع بدأ عمليات القصف المركز . وتشير دراسة وضعت بعد الحرب ، أن قدرة القيادة العراقية على تحريك قواتها للمسرح الكويتي ، انخفضت من 216.000 طن متري في اليوم (على ما مجموعه ستة طرق رئيسه ، وخط سكة حديد) إلى فقط 20.000 طن متري في اليوم على طريقين اثنين فقط . أي نسبة التخفيض وصلت تقريباً إلى 91% من قابليات النقل والدعم العملياتي . واستطاعت حملات التحريم interdiction campaigns تحقيق هذه المستويات باستخدام الأسلحة دقيقة التوجيه . واحتاجت الطائرات الأمريكية المحلقة على ارتفاعات متوسطة أو عالية ، إلى بضعة دقائق لاكتساب أهدافها بنجاح ، ثم بعد ذلك لتعيينها بالشعاع الليزري المشفر . وينبغي على مشغل نظام التعيين في الطائرة أن يحافظ على استمرارية إضاءة illuminated الهدف بشعاع الليزر ، وهذا يتطلب تركيزاً عالياً من طاقم الطائرة ، ويعرضهم إلى مخاطر الإصابة بالصواريخ المعادية المضادة للطائرات أو بالأسلحة المضادة الأخرى .


وأكدت القوات الجوية الأمريكية أن معظم قنابلها الموجهة ليزريا سقطت على أهدافها مباشرة في حرب الخليج ، لكن هذه القنابل لم تكن أسلحة عجيبة إنما كانت تحتاج إلى مهارة عالية وظروف مناخية مثالية لضمان نجاح الضربة . وكان الطيارون بحاجة إلى معلومات إستخباراتية عالية الدقة لضمان تحديد الأهداف على نحو صحيح في الليل باستخدام المجسات sensors . فإذا حجبت الغيوم الهدف ، فإنه تصعب رؤية وتحديده من قبل المعين الليزري laser designator ، وإذا عبرت غيمة خلال خط مسير حزمة الأشعة الليزرية ، فإنها عندئذ قد تمنع وصول الحزمة الليزرية التي يعكسها الهدف ، وخاصية الإطباق والقفل على الهدف ستتعثر ، فتصبح القنبلة عندئذ حرة السقوط وخاضعة لتأثيرات عوامل القذف البالستية . ويعتقد بعض الخبراء أن فشل أنظمة التوجيه لهذه الأسلحة من الممكن أن يسبب خسائر أعظم من تلك التي تسببها القنابل الصماء غير الموجهة ، إذ أن أخطاء القنبلة الصماء يمكن أن تتوزع حول نقطة الهدف aim point ، في حين أن خلل نظام التوجيه في القنابل الذكية (ينتج عادة عن إخفاق نظام توجيه الزعانف أو فشل الحاسوب أو فقدان إشارة التوجيه المنعكسة) يمكن أن يوصلها إلى أماكن بعيدة ، قد تكون مدنية أو صديقة . ولهذا السبب يعمل المنتجون باستمرار على تزويد الطائرات الهجومية بمعدات استشعار رفيعة تكنولوجياً ، لتمكينها من إصابة أهدافها بدقة عالية في جميع الظروف الجوية خلال ساعات الليل المظلمة ، وتستخدم لهذا الغرض تقنية التصوير الحراري أو الرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء FLIR ، حيث تعمل هذه التقنية على تحويل الإشعاع تحت الأحمر إلى صور شبيه بصور التلفزيون وعرضها في كبينة الطيار . وتوفر الأنظمة الحالية مثل نظام LANTIRN تصويراً يمتاز بجودة تكفي للسماح للطائرة الهجومية بأن تحلق بشكل آمن على علو منخفض في الظروف الجوية المتباينة . هذه المنظومات وعند إقرانها بأجهزة التعيين والتحديد الليزرية أمثال AVQ-23 PAVE SPIKE أو AVQ-26 PAVE TACK ، فإنها تسمح بتوجيه القنابل الذكية ليلاً بدقة شديدة . وكانت الصور التلفزيونية النقية والواضحة التي زودتنا بها القنابل الموجهة ليزريا خلال حرب الخليج ، قد سُجلت بواسطة منظومات الرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء FLIR .


رادارات الاستهداف targeting radars الحديثة هي الأخرى وفرت معلومات حيوية للطائرات غير المزودة بأجهزة تصوير حراري ، التي تعمل في الليل أو في ظروف الطقس القاسي ، إذ توفر رادارات التعقب وتتبع التضاريس الأرضية terrain-following الحديثة لطواقم الطائرات ، خرائط واقعية للأراضي التي يحلقون باتجاهها ، فتعرض لهم التلال والأنهار والأبنية والتضاريس الأخرى البارزة بدقة تسمح بتنفيذ عمليات القصف الفوري . الكثير من طائرات سلاح الجو الأمريكي أصبح الآن مزوداً بأنظمة تحديد المواقع العالمية بواسطة الأقمار الصناعية GPS ، الذي يطلق عليه NAVSTAR ، وهكذا صار بإمكان الطيارين التقاط المعلومات الملاحية من الأقمار الصناعية وهي في مداراتها ، واستخدم نظام تحديد المواقع العالمية GPS بفعالية كبيرة في حرب الخليج .


بلغت نسبة الذخيرة الذكية التي أطلقتها الطائرات الأمريكية بكافة أنواعها في حرب الخليج الأولى نحو 8% ، منها 4.3% عبارة عن قنابل موجهة ليزرياً laser guided bombs ، والتي ارتبط أسمها فعلياً بنحو 75% من الخسائر الأرضية العراقية . أما النسبة المتبقية من الذخيرة الذكية ، فقد شملت صواريخ Maverick وHellfire بالإضافة لصواريخ Cruise والصواريخ المضادة للإشعاع الراداري anti-radiation . لقد استخدمت القنابل الموجهة ليزرياً في ضرب مراكز القيادة والمطارات والجسور وأهداف مدرعة عراقية متنوعة ، حيث تمت عمليات الإطلاق من قبل طائرات عدة ، أبرزها F-111F وطائرة الدعم الجوي القريب A-10A وطائرات F-15E (هذه الخيرة قامت بالتنسيق مع طائرة القوة البحرية A-6E واستطاعت تحقيق 30 إصابة ضد قطع مدفعية وأهداف مدرعة أخرى عراقية في إحدى ليالي الحرب الحالكة) . وتم إطلاق صواريخ Maverick المجهزة بمجسات حرارية تعمل بالأشعة تحت الحمراء وأخرى بمجسات كهروبصرية ، من الطائرات F-16 وA-10A .


الذخيرة الموجهة ليزرياً في عمليات حرية العراق Iraqi Freedom ، كانت أيضاً عماد ومرتكز أسلحة القوة الجوية الأمريكية ، خصوصاً في جهد تحريم ساحة المعركة ، والدعم الجوي القريب close air support المنجز في التضاريس الريفية والحضرية . هذه الذخيرة شملت القنابل الموجهة ليزرياً لكامل عائلة السلسلة Paveway (بما في ذلك قنبلتي GBU-10 وزن كل منها 950 كلغم ، أسقطت على هدفين في بداية الحملة الجوية على أهداف في منطقة تكريت) بالإضافة لأعداد كبيرة من الصواريخ الموجهة ليزرياً AGM-65E Maverick لطائرات البحرية الأمريكية من طراز F/A-18 وAV-8B .

استخدمت الأسلحة والذخيرة الذكية مرة أخرى خلال الحملة الجوية لقوات حلف شمال الأطلسي NATO ضد القوات الصربية في يوغسلافيا من 30 أغسطس وحتى 14 سبتمبر العام 1995 ، وقامت 293 طائرة مقاتلة للحلف بعمل نحو 3.515 غارة مختارة في العملية المسماة Deliberate Force على أهداف صربية مختارة ، وأعادت هذه العمليات القتالية تأكيد نتائج وخبرة حرب الخليج . من هذه العمليات كان هناك نحو 700 غارة ضد مراكز القيادة والسيطرة command and control بالإضافة لخطوط الاتصال وأهداف أخرى مهمة ، مثل أنظمة الدفاع الجوي air defenses . ما مجموعه 67% من الأهداف التي تمت مشاغلتها تم تدميرها بالكامل ، 14% من الأهداف أصيبت بأضرار حادة ، 16% أصيبت بأضرار خفيفة ، ونسبة 3% لم يمسسها أي ضرر . لقد استخدمت طائرات حلف الأطلسي الكثير من الأسلحة الذكية في هذه المهمات ، وفي الحقيقة فإن ما نسبته 98% من الذخيرة دقيقة التوجيه المستخدمة كانت من قبل سلاح الطيران الأمريكي . فمن مجموع 622 ذخيرة ذكية ، كان هناك 567 قنبلة موجهة بالليزر من الأنواع GBU-10 وGBU-12 وGBU-16 وGBU-24 ، بالإضافة إلى 42 قذيفة كهروبصرية electro-optical موجهة بالأشعة تحت الحمراء ، من طراز SLAM وGBU-15 وصواريخ Maverick . بالإضافة لعدد 13 صاروخ جوال للهجوم الأرضي من طراز Tomahawk . وتم إسقاط فقط 12 قنبلة صماء من نوع MK-83 و CBU-87 . وفي الوقت الذي أثبتت فيه هذه الأسلحة مكانتها المرموقة ، فإن الكثير يشتكي من غلاء أسعارها ، ويبرر الصناع هذا الغلاء بالنتائج العملياتية المضمونة ، فقنبلة GBU-27 على سبيل المثال التي دمرت مبنى الاتصالات في بغداد خلال حرب الخليج الأولى يبلغ سعرها 69.000 دولار ، في حين بلغت تكلفة المبنى المستهدف عشرات الملايين من الدولارات .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق