الاستخـــدام الموســـع للمروحيـــات الهجوميـــة
في الحرب العراقية الإيرانية
من المحتمل أن الاستخدام الواسع والشامل الأول للمروحيات الهجومية المضادة للدبابات في منطقة الشرق الأوسط ، كان خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات ، عندما كانت القوة الجوية العراقية مجهزة بطائرات سوفييتية نوع Mi-24A وMi-25 ، وأخرى فرنسية من نوع SA-342M Gazelle ، وسجلت الحرب نحو 118 اشتباك بين الطائرات المقاتلة والمروحيات ، ونحو 56 اشتباك بين المروحيات والمروحيات ذاتها . أستخدم العراقيين مروحياتهم في بداية الحرب لأهداف ومهام تكتيكية ضيقة ، أهمها العمل كمدفعية جوية أمامية forward artillery لإسناد المشاة والدروع وإطلاق النار على القوات الإيرانية المتقدمة . ثم ما لبثت أن تغيرت المفاهيم وأخذ العراقيين في استخدام طائراتهم في تشكيلة أوسع من المهام ، بما في ذلك مهاجمة الدروع الإيرانية ومقرات المشاة وبطاريات المدفعية ، وحتى الجسور . كما شاركت المروحيات في دعم مجموعات القوات المدرعة والدبابات العراقية ، وتوزيع الألغام والاستطلاع وحتى في الحرب الكيميائية chemical warfare . ومع ذلك فقد بدا الاستخدام العراقي للمروحيات في بعض نواحيه ، متردداًً في توجيه ضربات للعمق الإيراني ، أو إيصال قوات الإنزال الخاصة للخطوط الخلفية لمواضع العدو .
إذ أشارت العديد من التقارير خلال الحرب أن العراقيين كانوا يواجهون مشكلة جدية في اكتساب الأهداف والقتال خلال الأجواء السيئة أو في العمليات الليلية ، ربما نتيجة افتقادهم لمنظومات الرؤية الليلية night vision ، أو حتى عند عملهم في مواجهة قوات المشاة الإيرانيين المسلحين بمدافع آلية ومقذوفات كتفيه أرض-جو . فالخوف من المجازفة والمخاطرة بسقوط المروحية قيد كثيراً من العمليات الجوية تجاه المواضع الإيرانية ، خصوصاً الخطوط الخلفية منها . أما قدرة القتال والاشتباك مع الأهداف في المناطق المبنية أو في مناطق الأهوار marsh areas فقد كانت محدودة أصلاً لعدم تعود طياري المروحيات العراقية على هذا النوع من المهام القتالية . ولهذه الأسباب مجتمعة اتصف دور المروحيات العراقية تجاه الدروع الإيرانية بالمحدودية نوعاً ما ، فقد كان على هذه الطائرات أن تستخدم أسلحتها ، بما في ذلك الصواريخ الموجهة المضادة للدروع ، تجاه أهداف متنوعة ، بما في ذلك المشاة والتحصينات ، وكان عليها أيضاً ، بسبب ضعف أداء بعض منظومات الصواريخ وأجهزة تصويبها من جهة والظروف التعبوية من جهة أخرى ، أن تطلق بضعة صواريخ (3-4 أضعاف العدد الفعلي المطلوب) لتصيب عربة أو هدف مدرع واحد ، فهذه الطائرات حقيقتاً لم تحقق إحتماليات قتل عالية kill probabilities تجاه الأهداف المدرعة الإيرانية . وربما فرضت تكتيكات المعركة والرغبة في توفير نيران داعمة وثقيلة لقوات المشاة الأمامية هذا النمط في أسلوب القتال على المروحيات العراقية ، وفرضت توجيه الكثير من الصواريخ المضادة للدروع للمضايقة و"الإزعاج" harassment أكثر منها لتسجيل حالة قتل مؤكدة . القضية الأخرى الأكثر أهمية التي شهدتها الحرب العراقية الإيرانية تمثلت في استخدام الطرفين لتكتيكات الإخفاء أو hull-down position بالنسبة لدباباتهم وعرباتهم المدرعة ، هذه ضاعفت في الحقيقة من صعوبة اكتساب والتسديد نحو الأهداف المستترة بالنسبة لطياري المروحيات .
أما على الجانب الآخر فقد كان سلاح الطيران الإيراني مجهز بالمروحيات الأمريكية الهجومية AH-1J Sea cobra أكتسبها في عهد الشاه ، لكن الكثير من هذه الطائرات كانت تفتقد لقابلياتها العملياتية operational capability ، خصوصاً في السنوات الأولى للحرب ، لذلك اتصفت أعمال هذه الطائرات في بداية الحرب بالصغر والمحدودية ، ولم تكن في واقعها قوة داعمة رئيسة . ومع ذلك فقد استخدمت القوات الإيرانية طائراتها من طراز Sea cobra تقريباً بنفس التكتيكات التي استخدم معها العراقيين مروحياتهم طوال مراحل الحرب ، وكانت الأولوية في الهجمات لتجمعات المشاة والخنادق والاستحكامات العراقية ومواضع حضرية مختلفة ، وأهداف دفاعية جبلية على الحدود الشمالية بين البلدين المتصارعين . شراهة الاستخدام الإيراني للصواريخ كانت للحد الذي استهلكوا معه الكثير من مخزونهم من قذائف TOW في السنة الأولى للحرب ، التي أطلقت من منصات أرضية وجوية . وعندما بدأت إيران في الحصول بسرية على الأسلحة من الولايات المتحدة (قضية إيران كونترا Iran-contra) في منتصف الثمانينات ، أعطى الإيرانيين الأولوية في الصفقة لصواريخ TOW ، والتي بالفعل استخدمت تجاه الدبابات والدروع العراقية كما شوهد بعد ذلك في معركة الهجوم على "الفاو" Faw في العام 1986 والهجوم على "مهران" Meheran في ذات السنة ، وكذلك الهجوم على مدينة البصرة Basra في العام 1987 . وأحتاج الإيرانيون لإطلاق أكثر من صاروخ من مروحياتهم لإصابة هدف معادي ، هذا الإسراف في الاستخدام عزاه الخبراء لسوء التدريب ومشاكل أخرى تخص مصاعب التشغيل ، فكان على مشغلي هذه المنظومات إطلاق مقذوفاتهم تجاه أهداف "غير مستحقة" أو قبل تأكيد عملية التصويب والتهديف عليها .
اشتباك المروحيات الأول حدث بتاريخ 7 سبتمبر من العام 1980 ، عندما عبرت الحدود الإيرانية الجنوبية خمسة مروحيات عراقية من نوع Mi-24 لمهاجمة موقع حدودي إيراني ، قامت على أثر ذلك طائرات سلاح الجو الإيراني IRIAF بالاشتباك مع التشكيل العراقي ، ونجحت في إسقاط طائرة مروحية واحدة ، لتسجل هذه الحادثة أول اشتباك جوي engagements بين طائرات مقاتلة إيرانية ومروحيات هجومية عراقية ، وتبدأ بعدها الحرب بأيام . هذه الحرب التي امتدت على طول ثمانية سنوات (1980-1988) سجلت أيضاً ما يمكن اعتباره أول اشتباك جوي أو مبارزة بين المروحيات المضادة للدبابات في التاريخ العسكري ، كان ذلك في شهر نوفمبر 1980 قرب مدينة ديزفول Dezful . فبعد تسلل زوج من مروحيات Mi-24 العراقية ، تصدت لها مروحيات AH-1J Sea Cobras الإيرانية ، وحدث اشتباك جوي مذهل ، جرى بواسطة صواريخ TOW المضادة للدروع ، وأسفر عن تدمير مروحية عراقية ، وتضرر الأخرى نتيجة الإصابة ، ثم ما لبثت هذه أن سقطت هي الأخرى على مسافة 10 كلم من موقع الاشتباك ، وهبطت الطائرات الإيرانية في موقع التحطم لأسر الطيارين الذين نجوا من الموت . سجل المواجهة بين المروحيتين Mi-24 وSea Cobras تكرر بتاريخ 21 أبريل ليتكرر نفس المشهد قرب مدينة "بنجوين" Panjewin وتسقط مروحيتين عراقيتين بدون أي خسائر إيرانية .
في تاريخ 14 سبتمبر 1983 انتزع العراقيون المبادرة وأسقطوا بطائراتهم Mi-24 مروحية Sea Cobra قرب مدينة البصرة ، بعدها بتاريخ 5 فبراير من نفس السنة تم إسقاط ثلاثة مروحيات إيرانية أخرى من نفس النوع وبالمروحيات Mi-24 أيضاً . وفي 25 فبراير هاجمت مجموعة من المروحيات العراقية من جديد لتسقط ثلاثة مروحيات إيرانية .. الاشتباك الأخير حدث في 22 مايو بين مروحيتي Mi-24 ومروحيتي Sea Cobra ، واستطاعت المروحيات العراقية خلال هجومها ، إسقاط طائرة إيرانية واحدة وهروب الأخرى . وادعى العراقيون بعد نهاية الحرب أن مروحياتهم من طراز Mi-24 وGazelles أسقطت خلال مجمل سنوات الحرب عدد 53 مروحية إيرانية مختلفة ، بما في ذلك أنواع مثل Bell AB 204 وBell AB 212 بالإضافة لأعداد من Sea Cobra . الاشتباك الأبرز ، وربما الأغرب ، في تاريخ الحرب ، ما تحدث عنه العراقيون بتاريخ 27 أكتوبر من العام 1982 عن إسقاط طائرة مقاتلة إيرانية من نوع F-4D Phantom قرب منطقة "عين هوشة" Ain Hoshah ، بواسطة صاروخ مضادة للدروع من نوع Swatter At-2 أطلق من مروحية Mi-25 (مؤلف كتاب بولندي متخصص يؤكد أن عملية الإسقاط تمت بواسطة نيران المدفع الرشاش للمروحية) .
الخبراء الروس درسوا نتائج هذه الاشتباكات ، وتحدثوا عن أن النتائج ارتبطت بالدرجة الأولى بالموقف والظروف المحيطة بالاشتباك ، وكذلك بمهارة وخبرة الطاقم . فإذا كان طيارو Sea Cobra محظوظون بما فيه الكفاية لاكتشاف مروحيات Mi-24 أولاً ، فإنهم سيبادرون لاستخدام صواريخهم الموجهة TOW وإصابتها . أما إذا حدث العكس وكانت المبادرة للمروحية Mi-24 في الرصد وحدث الاشتباك مباشرة وجهاً لوجه ، فإن المروحية Sea Cobra ستواجه مشكلة في الهروب والتملص ، وعليها أن تناور بحدة maneuvering sharply لمنع طاقم Mi-24 من التصويب والتهديف عليها بدقة ، ولذلك حرص الخبراء الروس على نصيحة الطيارين العراقيين عند الاشتباك مع المروحيات الإيرانية الأكثر رشاقة ، ضرورة الارتقاء لارتفاع 1000 م ثم الغوص مرة أخرى نحو المروحية الإيرانية ومحاولة النيل منها من المؤخرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق