الصــاروخ الموجــه أم القذيفــة الصمــاء !!
كبديل عن أسلحة الدبابة الرئيسة ، تعرض الصواريخ الموجهة المضادة للدروع Anti-tank guided missile فائدة الوزن الخفيف والدقة العالية . كما هم يتضمنون في الواقع ، رؤوس حربية قوية وشديدة الفاعلية ، عملياً مع مستوى ارتداد منخفض ، لذلك هم يمكن أن يثبتوا على العربات الخفيفة نسبياً . ولكونهم موجهون guided ، فإنهم يعرضون أيضاً احتمالات مرتفعة لضرب وإصابة أهدافهم ، حتى عند مدى توجيههم الأقصى . وفي معظم الأوجه ، مثلت هذه الأسلحة أبسط فئات الصواريخ ، فالمدرعات المعادية كانت ولا تزال تهاجم دوماً على مدى قريب وبعد تصويب بصري مباشر ، فهي تشكل أهدافاً من كتل معدنية كبيرة وبطيئة نسبياً ، وغير قادرة على الهرب أو التراجع بالسرعة المطلوبة (وإن كان مشهدها في ساحة المعركة يعكس منظراً مفزعاً fearsome sight) . وبالمقارنة مع السفن والطائرات ، فإن قدرتها على التشويش الإلكتروني والحراري منخفضة جداً في أحسن الأحوال وغير موجودة في معظمها ، وليس من الصعب على رأس حربي أن يخترق تصفيحها ويسبب الدمار بداخلها . ويؤكد أنصار الصواريخ الموجهة المضادة للدروع أن مدى مقذوفاتهم يتزايد ، وإنه يزيد كثيراً عن مدى مدافع الدبابات ، وهذا العامل بالإضافة إلى المراقبة المحسنة للهدف ، سوف تزيد كثيراً من مساحة المنطقة المهددة للقوى المدرعة . وميادين المعارك تؤكد وتثبت أن الصواريخ المضادة للدروع ، خصوصاً تلك المنطلقة من منصات أرضية متحركة ، لا تترك أي فرصة للدبابة للإفلات ، فهي تتميز بدقة عند مداها الأقصى الذي يتراوح في معظمها عند 4-5 كلم ، يعجز مدفع الدبابة عن مجاراتها .
مع ذلك ، جزئية زيادة "مدى النيران" firing range تحتاج للمزيد من الإيضاح والتفسير وهي أحد الأسئلة القابلة للنقاش اليوم ، فبعض الأنظمة الصاروخية الموجهة المضادة للدروع الأحدث ضوعف مداها القتالي إلى 8-10 كلم ، مثل الروسي Kornet-EM . مع ذلك ، يرى العديد من الاختصاصيين العسكريين أن معالم وسمات التضاريس وكذلك الأهداف المحجوبة والمخفية بالمناظر الطبيعية في أكثر المناطق المناسبة للعمليات القتالية ، تضمن رؤية مباشرة direct visibility في مديات قصوى لا تتجاوز عادة 3-4 كلم . لذا ، زيادة مدى الإطلاق فوق هذه الحدود تبدو لكي تكون غير منطقية للأنظمة التي تطلق نيرانها مباشرة ضد الأهداف المنظورة (ناهيك عن صعوبة تعيين الأهداف وتحديد هويتها وماهيتها عند هذا المدى) . على أية حال ، تحليل النزاعات المسلحة في العقود الأخيرة كشف بأن عمليات الاستهداف يمكن أن تتم في الصحاري المنبسطة الممتدة ، وبشكل استثنائي في الوديان الواسعة wide valleys وفي التلال بين الجبال ، في المديات التي تزيد عن 10-15 كلم . إن الحرص على الاستفادة من مزايا ومظاهر التضاريس يكون بالاستيلاء واستغلال المواقع الممزوجة بقطاعات المراقبة في المديات القصوى والبعيدة ، وهذه إحدى الشروط الرئيسة لنجاح العمليات المقاتلة combat operation . ففي مثل تلك المناطق ، يمكن أن تظهر مواقف عملياتية معينة تسهل كشف ورصد الأهداف المعادية وإطلاق النار عليها في المديات الأطول (أكثر من 5-6 كلم) . لذلك ، يعتقد الكثير من المنظرين بأنه يجب على كافة وحدات الأسلحة النارية ، بما في ذلك الأنظمة الصاروخية الموجهة المضادة للدبابات ، أن تضمن إطلاق النار على حدود المدى الأعلى لإحداث الضرر الهام والرئيس significant damage في قوات العدو قبل أن تشترك هذه الأخيرة في معركة مباشرة أو تنظم كمائن بدون اشتباك لاحق في معركة .
فائدة الصواريخ الموجهة الرئيسة في الحقيقة أدركت أيضاً مع تزايد احتمالات إصاباتهم hit probability ، خصوصاً في المديات الأطول عندما تنخفض احتمالية إصابة أسلحة الدبابة إلى القيم المنخفضة . على سبيل المثال ، اختبارات إطلاق الصاروخ HOT وهو من مقذوفات الجيل الثاني ضد أهداف قياسية standard targets ، أظهرت مستويات دقة عند حدود 80% في المديات التي تتجاوز 500 م ، وقريبة من 100% لبقية المدى . المعلومات التي نشرت بعد ذلك حول عمليات إطلاق هذا الصاروخ في أكثر من صراع وحلقة اختبار أظهرت تحقيق الصاروخ لنسبة 86.7% من دقة إصابة الأهداف ، والتي ارتفعت إلى 90.9% عندما القذائف التي لم تعمل بشكل صحيح استثنيت (هذه النسب قد تبدوا مبالغ فيها إلى حد ما ، ولكن يمكن توخيها في ظروف مثالية تجاه أهداف ثابتة) . نتائج مماثلة أمكن الحصول عليها مع الصاروخ الأمريكي TOW ، فطبقاً لمعلومات أصدرتها شركة Hughes ، فإن أكثر من 1000 صاروخ TOW جرى إطلاقها في اختبارات للجيش الأمريكي ووجهت من مدى 3000 م ، حققت نسبة نجاح لنحو 96% تجاه أهداف قياسية بحجم 2.3 ×2.3 م . وإن إجمالي من 10500 صاروخ TOW تم أطلاقها في مختلف أنحاء العالم ، حققت ما نسبته 83% من دقة الإصابة . وعندما يتم إطلاقهم من المروحيات الهجومية Attack helicopters (تعتبر الأهداف الأكثر خطورة بالنسبة للقوات الأرضية) ، هم يستطيعون إيقاع الضرر الأقصى في الزمن الأدنى نسبياً . على سبيل المثال , مروحية هجومية واحدة قادرة على تدمير سرية عربات مدرعة armoured vehicles (10-14 مركبة مدرعة) بحمولة واحدة كاملة من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات .
لقد جرى تناول جزئية احتمالية الإصابة لمنظومات الصواريخ المضادة للدروع ضمن إطار ومفهوم مصطلح "reliability" أو الاعتمادية والموثوقية ، بمعنى احتمالات الضربة القابلة للإنجاز مع منظومات الصواريخ الموجهة بالمقارنة مع تلك التي يمكن تحقيقها مع مدفع الدبابة . في الواقع الدراسات أثبتت يقيناً بأن مقذوفات الجيل الثاني شائعة الاستخدام ، تمتلك احتمالية إصابة أعلى إلى حد كبير من المدافع في المديات الطويلة . لكن في المديات القصيرة ، الموقف يتبدل وتصبح المدافع أكثر فاعلية effective . فعند هذه المديات القصيرة نسبياً ، ولأسباب تخص قابلية الاكتساب والتعيين ، يتوقع أن تحدث أكثر الاشتباكات engagements كما يرى الخبراء . سبب آخر مرتبط بطبيعة التضاريس التي تؤدي إلى نتائج كشف ومشاهدة متباينة للأهداف ، ففي ساحات أوربا الوسطى على سبيل المثال ، حيث المزيج المختلط من الامتدادات المنظورة وغير المنظورة ، فإن 50% من الأهداف من المحتمل أن تظهر عند مدى 1000 م أو أقل ، وضمن هذا المدى ، مدافع الدبابات لها احتمالات وأرجحية إصابة من الطلقة الأولى ، أعلى مما تمتلكه قذائف الجيل الثاني المضادة للدروع . مع ذلك ، فإن احتمالية الإصابة من قذيفة مفردة ، ليست هي المقياس النهائي للحكم النسبي على أداء منظومة الصاروخ أو المدفع ، بل هناك أيضاً الزمن المستغرق لإصابة الهدف ، ونسبة الأهداف الممكن مشاغلتها .. وفي الحقيقة تعاني منظومات الصواريخ نسبياً من قلة كثافتها النارية ، ومن ثم قابليتها البطيئة على ردة الفعل ، إذ تستطيع مدافع الدبابات التسديد على أهداف مصوب عليها بمعدل 8 طلقات في الدقيقة ، في حين تستطيع المنظومات الصاروخية مشاغلة أهدافها ضمن نصف هذا المعدل في أفضل الأحوال . هذا إلى جانب عدم ملائمة المنظومات الصاروخية للعمل في كافة الأجواء والظروف المناخية ، ووهنا اتجاه النيران المعادية . هناك أيضاً عامل الكلفة cost ، والذي يبلغ في المعدل لصاروخ متقدم من صواريخ الجيل الثاني المضادة للدروع ، نحو 20 ضعف سعر قذيفة مدفع دبابة خارقة للدروع armour piercing .
إحدى السلبيات الرئيسة المرتبطة بعمل الصواريخ الموجهة المضادة للدروع ، والتي كانت أحد مسوغات أنصار المدفع ، هي تلك المتعلقة بسرعة طيرانها المنخفضة ، خصوصاً مع إمكانية اكتشاف وصول القذيفة من قبل الهدف ، مما يجعل المقذوف عرضة للإجراءات المضادة counter-measures . هذه المعضلة أمكن حقيقتاً تجاوزها لحد كبير ، وذلك بإزالة القيود المفروضة من قبل أسلاك التوجيه التقليدية ، التي تنحل خلف مؤخرة الصاروخ المتسارع ، واستبدالها بتقنية توجيه قائمة في أحد أشكالها على الموجات الراديوية أو وصلة قيادة بشعاع الليزر laser beam command . الصاروخ الروسي AT-14 Kornet على سبيل المثل الذي يوجه بتقنية ركوب شعاع الليزر ، يمتلك سرعة عالية دون سرعة الصوت بقليل ، وهو بذلك لا يمنح هدفه فرصة كافية للتملص أو المناورة . مع ذلك لا تزال هذه المنظومات بحاجة للمشغل والمتابع الأرضي operator ، الذي يجب أن يتعقب الهدف أثناء كامل فترة طيران الصاروخ ، لذا مع الأهداف بعيدة المدى فإنه يمكن أن يتطلب ويستغرق الأمر فترة مهمة وربما حاسمة من الزمن . كل هذا أمكن التغلب مع التوجه إلى الأنظمة ذاتية التوجيه homing guidance ، التي تتضمن قذائف تنقاد إلى أهدافها بشكل تلقائي من خلال مجسات أو بواحث seekers تعمل على الإطباق على الهدف من مسافات بعيدة نسبياً . الإمكانيات التكنولوجية الحديثة وفرت بواحث يمكن أن تكتشف الإشعاع الصادر أو المنعكس عن الأهداف ، مع قابلية مواجهة الأحوال الجوية المختلفة والإجراءات المضادة . تتولى هذه البواحث التمييز بين الهدف والخلفية المحيطة ، ومن ثم توليد إشارات توجيه لإرشاد القذيفة بالموقع المطلوب مهاجمته . في الحالة الأولى هي إشعاع حراري thermal radiation ، الذي يتم اكتشافه عموماً بواسطة باحث سلبي تحت الأحمر . في الحالة الثانية ، الإشعاع يمكن أن يجيء من الموجات المنعكسة عن جسم الهدف ، وتكون هذه مكتشفة من قبل باحث نشيط للموجه المليمترية millimeter wave seeker . لكن يعاب على هذه المنظومات غلاء ثمنها الذي يحد فعلياً من انتشارها مقارنة بمنظومات الصواريخ الموجهة من الجيل الثاني .. يختم الخبراء والمنظرين رؤيتهم بالقول أن الصاروخ المضاد للدروع سيبقى أداة فعالة جداً لمقاومة الدبابات في المستقبل المنظور ، إلا أنه ليس ملائماً ، كما هو الحال مع الدبابة ، للسيطرة على الأرض دون إسناد ودعم من القوات الأخرى . وهكذا يمكن القول أن المفاضلة بين الصاروخ والمدفع ، هي مسألة نسبية تحددها ساحة المعركة وظروفها ، حيث أن لكل سلاح منهم دور يؤديه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق