البناء العام وآلية التحفيز ..
الألغـــام الأرضـــية المضـــادة للـــدروع
يتكون اللغم الأرضي في بناءه الكلاسيكي من المكونات التالية : آلية إشعال firing mechanism (بما في ذلك وسائل منع المعالجة anti-handling devices) ، المفجر أو المشعل igniter لتحفيز الشحنة الابتدائية ، شحنة أولية booster charge مرتبطة بالصمام أو تكون جزء من الشحنة الرئيسة ، شحنة رئيسة main charge من المتفجرات توضع في حاوية تشكل جسم اللغم عادة ، حاوية casing تشمل جميع العناصر التي تم ذكرها سابقاً ، وهذه تأخذ أشكال وأحجام مختلفة حسب التصميم الابتدائي .هذه العناصر بمجملها تشكل وتحفظ للغم قدرته التدميرية . أما الهدف من إعداد الألغام وأنواعها المضادة للدروع ، فيمكن القول أنها تنقسم لنوعين ، الأول يهدف لتعطيل وشل حركية الدبابة عن طريق تدمير الجنازير Anti-track ونظام التعليق الهيدروليكي ، ويطلق عليه وفق أسلوب عمله وضمن مصطلحات الحرب المدرعة "قتل الحركة" M-kill ، حيث يتطلب عمل هذه الألغام بالضرورة الاتصال contact بالجنازير أو العجلات wheels. وبسبب الطبيعة المتحركة للحرب المدرعة فإن العربة أو الدبابة عاجزة الحركة تعتبر عملياً غير مفيدة في ساحة المعركة (تكمن الميزة هنا حسب مستويات الضرر في إمكانية استعادة العربة المصابة وتصليحها salvaged or repaired ثم عودتها للعمليات) . النوع الثاني على خلاف سابقه ، يعتمد أسلوب التدمير الهائل والكارثي للهدف ، وقتل الطاقم وشاغلي العربة عن طريق مهاجمة كامل هيكل الهدف المدرع full-width ، ويطلق عليه اختصاراً K-kill أو "القتل الكامل" . مع نمط التدمير هذا يكون الهدف غير صالح للاستخدام ، وغير قابل للإصلاح بسبب شدة الأضرار . حيث يمكن أن يشعل الوقود الداخلي للدبابة أو يتسبب في انفجار مخزون ذخيرتها ، مما ينتج معه نفخ برج الدبابة إلى السماء إذا كانت الإصابة في الموضع الصحيح . يستخدم هذا النوع من الألغام عدة أشكال من المجسات ، مثل الصوتية acoustics ، المغناطيسية magnetic ، اهتزازية vibration ، قضيب الإمالة tilt-rod ، مجس الأشعة تحت الحمراء infrared-sensor ، ترددات راديوية radio-frequency .
النوع الأول Anti-track يستهدف لتعطيل وقطع جنزير العربة ، وهو بذلك يستخدم أقدم آلية وأكثرها استعمالاً لحد الآن ، وهي آلية صاعق الضغط pressure fuse ، التي تتطلب ضغطاً يتراوح بين 150-350 كلغم لتحفيز وتفجير اللغم (يعتمد ذلك على التصميم) . وتتباين ابتكارات صاعق الضغط تبايناً كبيراً ، ويمكن إيجاد خيارات عديدة من صواعق الضغط ، منها الألغام البسيطة التي تستجيب لأول ضغط يسلط عليها ، وتعرف بألغام الحافز الأحادي single stimulate ، منها على سبيل المثال اللغم السوفيتي TM-46 ، ويمكن تطهير هذه الألغام بسهولة بواسطة الفالقات الدحراجية Mine Rollers . هناك أيضاً صواعق الحافز المزدوج double stimulate التي صممت لتقبل ضغط الدحراجة الأول ، ثم التحفز والانفجار لدى تلقيها الضغط الثاني الذي يكون عادة عند قعر العربة الدافعة للدحراجة (توصف هذه من خلال آلية عملها بألغام مقاومة عصف الانفجار Blast resistant mines) .لقد مثل نمط الهجوم هذا في حقيقته التحسين الأبرز الذي أضيف لتقنيات الألغام المضادة للدروع ، وهي قدراتها المضادة على مواجهة ومقاومة عصف الانفجار ، حيث جرى تزويد هذه الألغام بصواعق ضغط قادرة على مقاومة الصدمة والضغوط العالية overpressure ، بحيث لا يمكن تحفيزها والتخلص منها عن طريق الصدمات العنيفة . لقد أضاف استخدام هذا النوع من الصواعق قيمة فاعلة للتغلب على موجة العصف blast shock (أو الموجات الصدمية ( shock waves الناجمة عن استخدام معدات تطهير حقول الألغام بالمتفجرات ، وبالنتيجة ، عملية تطهير حقول الألغام تكون أبطأ وأكثر تعقيداً . يمكن تجهيز عدة ألغام مضادة للدبابات بهذه الآلية ، كما هو الحال مع اللغم البلاستيكي الإيطالي SB-81 الذي يستخدم صمام بنظام هوائي للحماية من الضغوط الزائدة للعصف . وتكمن الفكرة في استخدام صمام بضاغط هوائي air pressure موصول بآلية صفيحة الضغط على قمة اللغم ، الهواء يمرر ويُجبر على الدخول من خلال فتحة صغيرة إلى حجاب حاجز أو كيس هوائي ، الذي يمارس ضغط معادل لعملية الصدمة السقفية . الصدمات الناتجة عن الضغوط العالية للانفجار تكون قصيرة جداً لنفخ وتوسيع الحاجب الحاجز ، إضافة لذلك فإن الضربة السقفية يجب أن تنجح أولاً في إدارة طوق مغلق قبل أن تنجح في تنشيط activate اللغم ، وهذا يتطلب ضغط ثابت ومستمر لتحقيق هذا الغرض ، وهذا ما لا يتوفر إلا من خلال ضغوط عجلات العربات المدرعة أو جنازير الدبابات . هذا اللغم يمكن أن يزرع باليد أو ينشر ويبعثر بالأنظمة الخاصة بطرح الألغام mine laying systems . كما يوجد نسخه منه تعرض أداة ضد المعالجة مع قابلية التدمير الذاتي . وزن اللغم 3.3 كلغم ، قطره 230 ملم ، ارتفاعه 90 ملم ، شحنته الناسفة تبلغ 2.2 كلغم ، مع ضغط 150-310 كلغم لتحفيز اللغم على الانفجار . لغم آخر يعمل وفق نفس الآلية هو الإيطالي VS-1.6 . فهذا اللغم البلاستيكي الدائري الذي تنتجه شركة Valsella له نسبه قليله جداً من المكونات المعدنية ومقاوم إلى زيادة الضغط والصدمة . ويمكن أَن ينشر بشكل تقليدي ومن المروحيات ، كما يمكن وضعه في الماء حتى عمق 1 م . شحنته الرئيسة البالغ وزنها 1.85 كلغم صغيرة نسبياً للغم مضاد للدبابات ، لذا هو يميل أكثر إلى تعطيل الدبابات بدلاً من تدميرها . تقنية ثانية تتضمن استخدام صفيحة ضغط pressure plate مع منطقة سطحية صغيرة ، تغطي رغم ذلك أرضية عريضة . هذه أقل فاعلية من التقنية السابقة ، لكنها أسهل كثيراً للتطبيق . لغم العصف الأمريكي المضاد للدروع M1 يستخدم هذه التقنية ، مع صفيحة ضغط صليبية الشكل . اللغم استخدم أثناء الحرب العالمية الثانية ونسخته أنتجت في الأرجنتين واستعملت أثناء حرب فوكلاند Falklands ، كما نسخة أخرى من اللغم تنتج في الصين تحت التعيين No.4 . فمع هذا اللغم يعمل الهدف على ممارسة ضغط سفلي على رأس الصمام مما يؤدي لتحطيم مسمار الجز/القص shear pin ، وبالتالي انقلاب نابض "بيلي فايل" الحلقي المخروطي Belleville spring (نسبة إلى مخترعه المهندس المدني الفرنسي ، الذي سجل براءة اختراعه العام 1867) والتسبب في نقر الطارق باتجاه الأسفل ، نحو فتيل التفجير الحساس الابتدائي ، ومن ثم تحفيز وتفجير triggering الشحنة الرئيسة للغم . يبلغ وزن اللغم 4.9 كلغم ، المحتوى المتفجر 2.75 كلغم من مادة TNT ، الارتفاع 75 ملم ، القطر 204 ملم ، ضغوط التشغيل تتراوح بين 120 إلى 250 كلغم .
بعض الألغام المضادة للدروع تستخدم صمامات الكترونية electronic fuzes تسمح لها بإهمال وتجاهل الموجات الصدمية للانفجار بشكل ذكي . إما لأنها مصممة لإهمال الخصائص المميزة لموجات الانفجار ، أو لأنها تستخدم خاصية وميزة الحقل المغناطيسي magnetic field للهدف لتفجير اللغم . البعض يضيف صمامات زلزالية seismic fuzes لتفعيل وتحفيز اللغم فقط مع أصوات العجلات وجنازير العربات المارة بالقرب منه .
في الحقيقة تشكل ألغام الضغط pressure mines المادة الأساسية لحقول الألغام التقليدية ، والإطار الرئيس للموانع الدفاعية في وقتنا الحالي ، لذلك ينبغي أن تكون كثافة انتشار هذه الألغام عالية لحد ما ، لأن صاعق الضغط لا يعمل إلا إذا وقع علية ضغط مباشر من جنزير track أو مركبة عابرة . ويشار هنا إلى أهمية احتواء هذا النوع من الألغام على كمية كبيرة من المتفجرات ، ليقطع الجنزير بنجاح ويوقع أضراراً أخرى . وهكذا تجتمع السيئتان المتمثلتان بكثرة العدد وجسامة الوزن ، لتجعلان من ألغام الضغط سلاحاُ أقل جاذبية من الناحية الإدارية ، في حين أن أسلوب مهاجمتها للهدف يقتصر على إيقاف حركته ليس إلا (فعلى الرغم من تعطل حركة الدبابة نتيجة الانفجار وتدمير الجنزير ، فإنها لا تزال تستطيع السيطرة على ميدان المعركة حولها ، طالما ظل مدفعها يعمل بواسطة طاقمها ، الذي لازال على قيد الحياة) . ولهذه الأسباب مجتمعة ، طورت صواعق مهاجمة كامل عرض الهدف full width attack.
النوع الثاني هو المضاد للبدن أو هيكل الهدف المدرع Anti-hull ، وهنا تستخدم آلية أخرى لعمل الألغام المضادة للدروع ، تتمثل في محفز عمودي أو قضيب إمالة tilt-rod-stimulate منتصب للإعلى ، الذي مثل حلاً أولياً لمطلب مهاجمة كامل عرض الهدف full-width-attack . أسبقية تطوير هذا النوع من الألغام تحسب للسوفييت خلال الحرب العالمية الثانية مع لغمهم المضاد للدروع AKS ، كما طور الألمان هذا الأسلوب مع نهاية الحرب ، حين أنتجوا اللغم المضاد للدروع Hohl 4672 والذي صنع منه 59.000 ألف لغم (لم يبلغ عن استخدامه عملياتياً) . صواعق الإمالة توجد حالياً مع اللغم الأمريكي M-21 واللغم البريطانيMark 7 . ويكون قضيب اللغم عادة منتصب عمودياً vertical rod ومتصلاً مع قمة اللغم ، بطول يتراوح بين 60-90 سم ، تمكنه من التشبث بالحافة الأمامية للدبابة ، حيث يؤدى الميلان الحاصل ، إلى تصدع القضيب وتحرير نابض كتلة الطارق spring striker ، أو أن القضيب الصلب يميل صفيحة الضغط الكائنة في أسفله مسبباً تحفيز وانفجار اللغم . عادة ما يتأخر تفجير الشحنة الرئيسة لنصف ثانية تقريباً ، حيث يسمح هذا الوقت القصير للعربة بالمرور أكثر continue over فوق اللغم ، والانفجار عند المنطقة الوسطى للهدف . توصف الألغام العاملة وفق مبدأ قضيب الإمالة بتعدد منافعها مقارنة بتلك العاملة بالضغط pressure ، ومنها على سبيل المثال قدرتها على مواجهة أعمال التطهير بالموجات عالية الضغط للعصف والإنفجارات ، على عكس الألغام العاملة بصمامات الضغط pressure fuzes ، والتي سرعان ما تتحفز عند تعرضها لضغط كبير .
بيد أن فكرة مهاجمة باطن belly المركبة تتجه اليوم نحو صاعق التأثير influence fuzing ، وهو عبارة عن وسيلة الكترونية متطورة ، لها القدرة على إدراك البعد المغناطيسي magnetic أو الزلزالي seismic للدبابة ، وهي قادرة كذلك على التعامل مع الأهداف المدرعة حتى وإن لم تمس عجلاتها وجنازيرها جسم اللغم (بعضها يشتمل على صمام للتدمير الذاتي self-destruct قابل للبرمجة) . أستخدم هذا النوع من الألغام ابتداء خلال الحرب العالمية الثانية ، عندما طور الروس اللغم VZ-1 الذي أستخدم محفز ثنائي الكشف ، زلزالي ومغناطيسي لمهاجمة كامل عرض الهدف ، وأثبت هذا السلاح قدرة كبيرة ليس فقط على تدمير الأهداف المدرعة ، بل وقتل أفراد أطقمها نتيجة تزويده بشحنة مشكلة shaped charge عالية التأثير . من الألغام التي تعمل وفق هذه التقنية السويدي FFV-028 ، حيث يمتاز هذا اللغم باحتمالية أعلى للإحاطة بالأهداف نتيجة استخدامه صمام تأثير مغناطيسي ، ويحدث التحفيز بسبب تغير واضطراب الحقل المغناطيسي magnetic field الحاصل نتيجة مرور كتلة كبيرة من معدن الحديد . إن نصف أو ثلث الألغام التي تستخدم تقنية المجسات هذه ، يكفي لتوفير قدرات الردع أو الإيقاف لحقل ألغام ، قياساً بالعدد المطلوب من تلك الألغام العاملة بصمامات الضغط pressure fuse لتحقيق نفس الغرض . وغني عن البيان أن ألغام الحث المغناطيسي هذه أكثر ارتفاعا من أسلافها ، لكنها تبقي مع ذلك مجدية من حيث الكلفة ، لقلة عدد ما يستعمل منها ، ولقلة عدد الأشخاص المكلفين بزرعها ، فضلاُ عن تقليص الوقت المطلوب للزرع . أما بالنسبة للألغام التي تعتمد صمام زلزالي لكشف أهدافها ، فهي في حقيقتها ألغام تستخدم أداة سمعية أو صوتية acoustic fuze ، تعمل على استقبال إشارات signals السلاح الناتجة عن اهتزازات vibration حركة جنازيره ودواليبه . وبعضها يمتلك القدرة على تبين وتحسس الاختلافات بين العربات الصديقة وتلك المعادية من خلال دليل الإشارة signature catalog الداخلي (بيانات مخزنة في ذاكرة اللغم) هذه الميزة ستمكن القوات الصديقة نظرياً من استخدام المناطق الملغمة مع تحريمها في نفس الوقت على مرور القوات المعادية . العائق الوحيد أمام انتشار هذا النوع من الألغام مرتبط ببطارية التحفيز battery لصماماته الالكترونية ، التي لها متوسط عمر طويل نسبياً يتجاوز الخمسة سنوات ، ولكنها بعد ذلك قد تصبح خامدة وغير فعالة ، خصوصاً عندما تتعرض للتبريد والتسخين المفرط نتيجة الظروف المناخية . نفاذ الرطوبة إلى الصمام قَد تسبب أيضاً قصر الدائرة الكهربائية ، وهكذا يمكن حدوث انفجار عرضي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق