الصفحات

12‏/8‏/2012

قدرة المروحيات على البقاء والصمود .

قــدرة المروحيــات علــى البقــاء والصمــود


إن قابلية الطائرة المروحية على العمل في مناطق العمليات operation areas تعتمد في الحقيقة ولحد كبير على قدرتها على الصمود withstand ، ولا تعني هذه القدرة بحال من الأحوال إمكانية بقاء الطائرة في منطقة أو نقطة معينة لفترة طويلة من الزمن ، بل تعني فقط البقاء لأقل فترة زمنية كافية ، تستطيع فيها المروحية تعيين أهدافها وإطلاق أسلحتها دون التعرض لخطر الإصابة . وفي هذا المجال يمكن القول أن التطور التقني الحاصل في منظومات الاستشعار والرصد الأرضية ، قد عزز وضاعف من فاعلية منظومات الدفاع الجوي عموماً ، والصواريخ المطلقة من الكتف التي يحملها المشاة ضد الطائرات على وجه التحديد ، وبالتالي أثرت هذه بشكل مباشر على قابلية الطائرة المروحية وقدرتها على الصمود وجعلها أكثر قابلية للكشف detectable . لقد أشغلت أذهان الخبراء في السنوات الماضية ، قضايا تقليل عطب ووهن المروحية في ساحة القتال ، فرجل المشاة معرض للإصابة من كل سلاح ، ابتداء من العصا والحجارة فما فوقها ، ولكن بقاءه في ساحة المعركة يؤمن بواسطة استخدامه النار والحركة ، مع الاستفادة من الأستار والتمويه camouflaged، ومن الحكمة أن نقول أن على المروحيات أن تتمكن (بل يجب عليها ذلك) فن تطبيق نفس الأساليب التي يتخذها الإنسان لحماية نفسه . فالمروحية الهجومية غالية الكلفة وصعبة الإدامة ، ولذلك ليس من السهل فقدانها ، ولكي تحقق السبب الذي صنعت من أجله ، يتعين عليها تدمير أكبر عدد من دروع العدو ، والصمود لأطول فترة زمنية قبل إصابتها . ولذلك كان مبدأ قابلية الصمود withstand ability يمثل موقع الصدارة بين المبادئ الأخرى ، التي أخذت بنظر الاعتبار في فلسفة تصميم الطائرة ، ويمكن تلخيص شروط هذا المبدأ بما يلي :

* أن تبقي الطائرة المروحية مخفية عن نظر العدو .
* وإذا تم اكتشافها فيجب أن يكون من الصعب مهاجمتها .
* وإذا تم مهاجمتها فيجب أن يكون بإمكانها تفادي ذلك الهجوم .
* وإذا تمت إصابتها فيجب أن لا ينجم عن ذلك فقدان المروحية والطاقم كلياً .


فعلى سبيل المثال ، إن تزويد الطائرة بمحركين ، وفر لها عامل سلامة أكبر مما كان يوفره لها المحرك الواحد ، والأمر الذي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار عند تزويد الطائرة بمحركين ، أن يكون بإمكانها عند إصابتها أو عطل أحد محركتها ، الحوم hovering على محرك واحد وبالوزن المطلوب ، وإلا فلا جدوى من تواجد محركين بطائرة مروحية على أية حال . فإن كان للطائرة محرك واحد قوي فهو خير من محركين ضعيفين ، حيث يوفر لنا المحرك الواحد ، بمثل هذه الحالة الكثير من الوزن والمكان . كما يتم التركيز في المروحيات الحديثة على تخفيض الإشارات أو البصمة الحرارية والرادارية وكذلك الحال بالنسبة للبصمة الصوتية ، وتتم معالجة الأولى جزئياً بتركيب حارفات وموزعات للغازات الحارة على عوادم المحركات ، وتعالج الثانية بطلاء المروحية بمواد غير عاكسة للموجات الرادارية non-radar-reflective ، بالإضافة لتطوير شفرات أو أنصال المروحة الرئيسة rotor blades ، وتخفيض ما يسمى اصطلاحاً "وميض الريش" blade flash . أما معالجة الجزئية الأخيرة الخاصة ببصمة الصوت ، فتكون تكون بتطوير تقنيات جديدة لدوار الذيل tail rotor ، الذي هو المصدر الأول للبصمة الصوتية (يدور بسرعة تعادل أربعة أضعاف سرعة المروحة الرئيسة) . وتراعى في التصميم البنيوي اعتبارات السلامة للمروحية والطاقم على السواء ، فعلى سبيل المثال تغلف الأقسام الهامة في المروحية بدروع مؤلفة من مواد مركبة لحماية الطاقم والمكونات الرئيسة ، كما تتألف كابينة القيادة من نوافذ غير قابلة على عكس أشعة الشمس ، ومن دروع مركبة تحمي الطاقم من ذخائر الرشاشات الثقيلة ولحد معين . وتصنع شفرات الدوار الرئيس من مواد مركبة باستطاعة بعضها تحمل طلقات مدفعية مضادة للطائرات حتى العيار 30 ملم . خزانات الوقود fuel tanks تصمم هي الأخرى بطريقة تسمح لها بإقفال ذاتي للثقوب الناتجة عن الاختراقات ، كما تصمم أنظمة نقل الحركة في بعض المروحيات على نحو تمكين الطائرة التحليق لمدة 30 دقيقة في حال نفاد الزيت فيها لسبب من الأسباب . ويراعي في تصاميم الهيكل والمقاعد المدرعة تزويدها بنظام امتصاص absorption system للقوى الصدمية عند سقوط المروحية وارتطامها بالأرض . كما وتجهز بعض المروحيات الهجومية ، كالأمريكية Apache بتجهيزات وقاية قياسية ، مثل تزويدها من الأسفل بألواح وصفائح دروع armor plates لحماية الطاقم من طلقات العيار 23 ملم ، وحماية جانبية لهيكل المروحية ضد طلقات 12.7 ملم ، كما يستطيع دوارها الرئيس تحمل طلقات حتى عيار 23 ملم . وهنا من المفيد التوضيح أن التدريع النسبي للطائرة المروحية ، من شأنه أن يزيد من قدراتها وقابليتها على تحمل نيران بعض الأسلحة الخفيفة والشظايا fragments في الميدان ، إلا أن التدريع الثقيل لبعض أجزاء الطائرة ، لحمايتها من نيران أسلحة المدافع الثقيلة ، كالعيار 14.5 ملم أو 23 ملم مثلاً ، بالإضافة إلى أنه عالي الكلفة ويزيد الطائرة تعقيداً ، فإنه غير مجد في نظر بعض المعنيين بشؤون الاستخدام التكتيكي للمروحيات الهجومية ، ذلك لأن إطلاقات هذه المدافع لا تأتي منفردة ، بل يأتي كل منها ومعه نحو 60 أطلاقة أخرى أو أكثر في الثانية الواحدة ، وهذا العدد من الإطلاقات المتتابعة في الثانية الواحدة ، كاف لإسقاط أي نوع كان من أنواع الطائرات ، خصوصاً إذا ضرب أحد التجهيزات الحيوية .


ومن شروط السلامة الاختيارية الأخرى ، توفر منظومة التعريف identification وتمييز الطائرات الصديقة عن تلك المعادية IFF ، وهذه الجزئية على درجة عالية من الأهمية ، إذ تكمن المشكلة في أن الوقت الفاصل بين اكتساب الهدف acquiring a target وزمن التأكد من هويته قبل لحظات من إطلاق النار ، زمن قصير جداً (التجربة العملياتية أثبتت أن القوات الأرضية تميل لضرب الهدف الجوي أولاً ثم التأكد من هويته بعد ذلك) ، ناهيك على أن السرعة العالية والتحليق بمستوى منخفض من الهدف والطيران نحوه بشكل مباشر كلها أسباب تجعل التحقق البصري visual identification صعب في أغلب الأحيان ، لذلك كان هناك حاجة ماسة لنظام تحقق الكتروني يعمل بشكل آلي للتعريف بالهدف الجوي .


إن سرعة المروحيات الهجومية متواضعة في أحسن لأحوال (قياساً بالطائرات المقاتلة ثابتة الجناح) فحتى الأنواع الأقوى منها ، لا تزيد سرعتها عن 300 كلم/س كأقصى سرعة متاحة . إن هذا الأداء عموماً ، وطريقة الهجوم ، والعلو المنخفض الذي يستدعيه عمل المروحية كل ذلك يجعلها هدفاً سهلاً أيضا لأسلحة غير متطورة ، مثل المدافع المضادة للطائرات بصرية التسديد وقذائف الصواريخ المضادة للدروع anti-tank missiles والرشاشات وحتى البنادق . ومما يزيد الأمر تعقيداً أن هذه الأسلحة التقليدية متوافرة بكميات كبيرة ويستحيل التشويش عليها . علاوة على ذلك ، تتمتع الصواريخ المضادة للطائرات التي تطلق من على الكتف shoulder fired missiles بنطاق اشتباك يشمل معظم حدود طيران المروحيات المعروفة تقريباً ، نقول تقريباً لأن الجيل الأحدث من المروحيات الهجومية حقق خطوات متقدمة باتجاه تحسين القدرة على البقاء وتقليص احتمالات التعرض لأذى فوق ميدان المعركة ، واللافت للنظر في الواقع تزايد عدد المروحيات التي تفلح في العودة إلى قواعدها بعد تعرضها لإصابات نافذة ، وهذا دليل واضح على نجاح معايير التصميم الجديدة . ومن حيث المعطوبية والأضرار damaging ، أفادت الحماية التي توفرها صفائح التدريع الخاملة للعناصر الميكانيكية في تأمين حماية واقية للمروحية ، خاصة من نيران الأسلحة الصغيرة التي تطلق من الخفاء . وفي موازاة مثل هذه التحسينات بشأن الحماية الخاملة ، أدخلت أنظمة نشطة لجعل إصابة المروحية بصواريخ أرض-جو أقل سهولة ، لاسيما الصواريخ قصيرة المدى التي تنشد الأشعة تحت الحمراء IR-seeking ، ومعظم المروحيات الهجومية الحديثة التي تعمل في مناطق خطرة مزودة الآن بأجهزة إنذار لتنبيه وتحذير الطاقم إلى وجود عدو يتعقب مروحيته برادار أو يطلق عليه صواريخ مضادة ، الأمر الذي يسمح بتشغيل أنظمة الرقائق المعدنية أو المشاعل الحرارية أو أنظمة التشويش بالإجراءات الالكترونية المضادة counter measures ، وهذه كلها وسائط أثبتت أنه لا غني عنها اليوم في ساحة المعركة .

ومع ذلك يمكن القول أن الحماية أو الدفاع الإيجابي عند المروحيات لا يحتل الأهمية التي يحتلها نفس الموضوع لدى الدبابات ، وستبقي المروحية في المستقبل القريب على الأقل من الأهداف الهشة غير المنيعة ، وان ما سيعزز قدرة المروحية على الاختفاء وعدم الانكشاف للعدو في مرحلة التقرب إلى الهدف ، هو خفتها ورشاقتها وقدرتها على الطيران بارتفاع منخفض جداً بين الطيات والتضاريس الأرضية Nap Of the Earth Flight . ولتأمين استثمار قابلية الحركة للطائرة المروحية إلى حدها الأقصى ، يجب أن يكون بإمكانها بلوغ منطقة العمليات بأقل ارتفاع ليلاً أو نهاراً وفي الأجواء الرديئة ، وأن يكون بالإمكان إبلاغ طاقم الطائرة بأي شيء يمكن أن يؤثر على خط طيرانها . ويتم جمع المعلومات اللازمة للطيار من قبل منظومات وأجهزة الاستشعار المختلفة ، والتي تتم معالجتها وعرضها على شاشات رقمية معينة عند الطلب في كابينة القيادة ، ويتم عرض المعلومات إما بشكل منفصل أو مجتمعة ، أو على شكل مخطط كالمعلومات الطبوغرافية ، أو بيانات التحذير من العوارض الخطرة التي تعترض خط الطيران (تعتبر خطوط الكهرباء Power wires أحد أبرز المخاطر التي يمكن تعترض طريق طائرة تتجول على ارتفاع منخفض جداً لذلك من المفيد جداً توفر خرائط خاصة للتضاريس التي ستتحرك بها المروحية) بالإضافة للمعلومات المتعلقة بموقع الطائرة المروحية ، أو تلك المتعلقة بالخطة الملاحية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق