الصفحات

26‏/7‏/2012

مذهب الحرب المدرعة وقانون لانشستر التربيعي ..


الحرب المدرعة Armoured warfare أو معارك الدبابات ، هي مصطلح يرتبط بالتكتيكات وفن استخدام عربات القتال المدرعة بكافة أصنافها في الحرب البرية الحديثة . هي مكون رئيس لإحدى طرق إدارة الحرب الحديثة ، حيث يستند المفهوم على فرضية قدرة القوات المدرعة على تحقيق اختراقات في خطوط العدو الدفاعية defensive lines عبر استخدام المناورة بالوحدات المدرعة لتجاوز استحكاماته الحصينة . يعتمد معظم تطبيقِ الحرب المدرعة على استخدام الدبابات والعربات الأخرى ذات العلاقة بالتزامن مع أسلحة الدعم والإسناد الأخرى ، مثل عربات المشاة القتالية والمدفعية ذاتية الحركية self-propelled artillery وسلاح المهندسين ، بالإضافة إلى وحدات الدعم الأخرى . لقد طور مذهب الحرب المدرعة لكسر الطبيعة الساكنة والجامدة لحرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى على الجبهة الغربية ، حيث دعت الأفكار الجديدة آنذاك للمناورة وتحقيق "المعركة الحاسمة" decisive battle . لقد أنجز الفرسان الذين امتطوا صهوات الأحصنة الدور الذي تنجزه الآن الدبابات ، فحققوا في هذه الحرب مفهوم المناورة maneuvering واخترقوا مواضع المشاة المعادية وهاجموا خطوط اتصاله في المؤخرة . لكن دخول الرشاشات لساحة المعركة ، أضعف كثيراً من هذا الدور ، وبدأت الخسائر البشرية تقلق المخططين والقادة الميدانيين على حد سواء .


بدأت الحرب المدرعة الحديثة بالحاجة لتجاوز حالة الجمود للعمليات التكتيكية والإستراتيجية المفروضة على القادة الميدانيين في الجبهة الغربية ، وتخطي مواضع المشاة الدفاعية المحصنة والمجهزة بأسلحة آلية خاصة بحرب الخنادق trench warfare . تحت هذه الظروف ، أي نوع من التقدم كان بطيء الخطوات ، مع معدل إصابات مرتفع جداً . تطوير الدبابة كان مدفوعاً بالحاجة لإرجاع المناورة إلى الحرب ، والطريق الوحيد لعمل ذلك كان يتمثل في حماية الجنود من نيران الأسلحة الخفيفة بينما هم يتقدمون . مع ذلك الاستخدام الإستراتيجي للدبابات كان بطيء التطوير والظهور أثناء الحرب العالمية الأولى ومباشرة بعد أعقابها ، ربما إلى حد ما بسبب التقييدات التقنية technical limitations وكذلك بسبب الدور التقليدي لسلاح الفرسان . الدبابات كانت طورت أولاً في بريطانيا ، للتنقل وتجاوز الأسلاك الشائكة والعقبات الأخرى في الأرض المحايدة ، بينما تكون محمية من نيران الرشاشات . وقد ساهمت قابليتها على المناورة في استعادة قدرات الجيوش على الإحاطة بخطوط العدو . مع ذلك الدبابات خلال أغلب مراحل الحرب العالمية الأولى أعيقت وقيد استخدامها بالأعطال الميكانيكية ، الأعداد محدودة ، وسوء الاستخدام العام .

الدبابات البريطانية Mark I دخلت المعركة لتنفيذ أولى عملياتها خلال معركة Somme في 15 سبتمبر العام 1916 ، لكنها لم تستطع كسر جمود حرب الخنادق . لكن في معركة Cambrai العام 1917 ، استطاعت الدبابات البريطانية أن تكون أكثر نجاحاً ، بحيث استطاعت تحطيم منظومة الخنادق الألمانية الدفاعية المدعوة "خط هايدنبرغ" Hindenburg Line . وبعد الهجوم الألمانيِ النهائي الكارثي ، استخدمت الدبابات مرة أخرى في معركة Soissons ومعركة Amiens ، التي أنهت حالة الجمود المفروضة من قبل تكتيكات حرب الخنادق على الجبهة الغربية ، وهكذا عملياً انتهت الحرب . بعد الحرب العالمية الأولى ، أصبحت السمات التقنية والمذهبية للحرب المدرعة أكثر تطوراً وتباعداً بالنسبة للمدارس المتعددة التي ظهرت في الساحة الأوربية آنذاك .


في الحقيقة مذهب الحرب المدرعة الحديثة طور أثناء السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية مباشرة ، ففي حالات كثيرة نظر للدبابة على أنها سلاح دعم للمشاة ذو دور فعال في اختراق خطوط الدفاع المعادية . المنظرين رأوا أن المفتاح الأساس للاستثمار في الحرب التقليدية يكون بتركيز القوة وحشدها في نقطة معينة على خط دفاع العدو (التطوير المركزي للجهد) هذه رأت إما كضعيفة أو عرضت فوائد إستراتيجية أو عملياتية أو تكتيكية أخرى .. تركيز القوة force Concentration يزيد من فرص واحتمالات النصر في اشتباك معين خلال تطبيق أحد مبادئ التحشيد في الحرب . هذه النقطة ، إذا تم اختيارها واستغلالها بشكل صحيح ، فإنها تضمن فرصة أعظم للنجاح في اشتباك تكتيكي ممنوح أو عدد صغير من الاشتباكات العملياتية operational engagements التي تكون كافية في أغلب الأحيان للفوز وكسب معركة إستراتيجية حاسمة .. هذه يمكن أن تصور عند النظر إلى خطي مقاومة دفاعيين ، كل منهما متكون من كتيبتي مشاة وفرقتين مدرعتين ، وزعت بتناسق على طول الخط الدفاعي . أي مهاجم مكافئ ومساو بشكل عددي يمكن أن يكسب بتركيز فرقتيه المدرعة armoured divisions في نقطة محددة من الخط مع كتيبتي مشاته التي تتحفظ على بقية الخط ، هكذا تزيد وتتضاعف فرصة اختراق دفاعات العدو ثم العبور خلالها ، بحيث تنعطف القوات الصديقة حول جناح النصفان المقطوعان للخط الدفاعي ، وتستغلان التفوق العددي لأبعد حد ضد العدد الأقل للمدافعين على الجناح لإجبارهم على التراجع في الجزء السليم للخط الدفاعي ، ومن ثم توسيع فجوة الاختراق .. الخط الدفاعي يمكن أن يحاول القيام بهجوم مضاد counterattack لكنه ليس قوي بأي نقطة . فعلى الرغم من أن قوات المشاة المشاركة وهجمات القوات المدرعة للمدافعين ستكون بالتأكيد أقوى وأكثر فاعلية من هجمات المشاة بمفردهم ، إلا أنها في الحقيقة ليس قوية بما فيه الكفاية (نتيجة انتشار القوات المقاتلة على كامل طول الخط) ، وهي بشكل عام أسهل كثيراً للدفاع منها للهجوم بسبب عامل الاستحكامات الميدانية والهندسة الميدانية التي يتطلبها التحضير والاستعداد للهجمات المضادة .


يستخدم منظرو ومحللو الحرب المدرعة الحديثة صيغة سهلة لدراسة نتائج الاشتباكات بالأسلحة النارية المباشرة ، يطلق عليها قانون لانشستر التربيعي Lanchester's Square Law . وقانون‏ لانشستر هذا بشكله العام عبارة عن مجموعة صيغ رياضية تستخدم في ميدان التكتيك العسكري لحساب زمن المعركة والخسائر النسبية في حالات قتالية معينة ضمن معادلات تفاضلية differential equations (توفير صورة أكثر عمقاً لنتائج أنشطة قتالية مختلفة) . لقد تم وضع هذه المعادلات عن طريق المهندس البريطاني Frederick Lanchester الذي قام خلال الحرب العالمية الأولى وتحديداً العام 1916 بتحليل صور القتال المختلفة التي تمت خلال المعارك والعمليات ، في محاولة منه لفهم العلاقة التي تربط بين حجم القوات المقاتلة من حيث تنظيمها وتسليحها وكفاءتها القتالية وبين احتمالات النصر الممكنة .. فمع أسلحة نارية تشاغل بعضها البعض مباشرة بالنار المصوبة من مسافة ممتدة ، فإنها تستطيع مهاجمة أهداف متعددة في ذات الوقت الذي تتلقى فيه نيران مضادة من اتجاهات مختلفة . وتعتمد نسبة الاستنزاف attrition rate على عدد الأسلحة التي تطلق نيرانها . قرر لانشستر بأن قابلية وقدرة مثل هذه القوة نسبي ليس لعدد الوحدات التي تمتلكها ، لكن إلى مربع عدد الوحدات ، وهذا الذي عرف بقانون لانشستر التربيعي .. ولمزيد من التوضيح نقول أن القانون يحدد ويميز الخسائر الناتجة عن قوة نيران مسددة خلال فترة زمنية معينة ، نسبة إلى تلك الموجهة من قبل قوة الخصم المقابلة . وفي شكله الأساسي فإن القانون مفيد فقط لتوقع نتائج الإصابات والخسائر خلال عمليات الاستنزاف . ويتعامل القانون مع فرضية أن الخسائر casualties تعزز وتتصاعد بمرور الوقت ، لكنه لا يتعامل مع الحالات التي تقتل فيها القوات المتقابلة بعضها البعض فوراً ، إما بإطلاق النار بشكل آني وفي وقت واحد ، أو من قبل طرف واحد يحصل على الرمية الأولى ويوقع خسائر متعددة .

ينطلق قانون لانشستر العام في تحليله من قاعدتين رئيستين ، الأولى هي قانون لانشستر التربيعي والثانية قانون لانشستر الخطي . القانون التربيعي الأول Square Law يتناول مبدأ النيران المصوبة بشكل مباشر ، بحيث يصف الحالة والموقف لحظة تهديف مطلق النار وتصويبه نحو عدوه بشكل مباشر . فإذا دمر ذلك العدو ، فإن الرامي يحرك سبطانة سلاحه باتجاه هدف جديد .. وهكذا تتم إبادة الأهداف تباعاً ، للحد الذي تصبح معه قوته النارية أكثر تركيزاً على تلك الأهداف التي لا تزال باقية دون إخماد . القانون الثاني الخطي Linear Law وعلى النقيض من سابقه يتناول النيران غير المباشرة والتصويب نحو منطقة يتواجد بها العدو . فعند التحول لتكتيك النيران غير المباشرة unaimed fire , فإن الرامي يطلق النار على منطقة يعتقد تمركز وتواجد قوات العدو فيها . إن الاختلاف الأساس بين هذا النمط والتصويب المباشر هو أن السلاح هنا حتى إذا دمر هدفاً معادياً ، فإن نيرانه تبقى موجهة نحو منطقة كاملة ، فليس هناك تركيز مطابق ومتوافق من القوة النارية لضرب الأهداف المعادية (في العديد من الحالات ، السلاح أو المدفع لن يعرف في الحقيقة إذا كان أصاب هدفه بالفعل أم لا) .


قانون لانشستر التربيعي الذي يعتبر سمة رئيسة في الحرب الحديثة ، يرى أن قوة قتالية نسبية relative combat power لوحدة مقاتلة ، في حالة اتصال واحتكاك مع قوة قتالية نسبية أخرى معادية بحجم معطى ومعلوم ، ومع تساوي جميع العوامل الأخرى ، فإن مربع الأعداد لهذه الأطراف أو أعضاء تلك الوحدة سيكون كالتالي :

· دبابة واحدة سيكون لها بشكل واضح قوة قتالية مماثلة لدبابة مفردة (1 ² = 1)
· دبابتان يكون لهما أربعة أضعاف القوة القتالية النسبية لدبابة مفردة (2 ² = 4)

من هذه المعادلة يمكن استنتاج أن مضاعفة عدد الدبابات سيربع نسبياً القوة النارية (هذا قريب لمقدار وحجم قوة النار التي يخصصها العدو لكل عضو من الوحدة الصديقة ، ويمكن التعبير عن هذا الأمر وتصويره بالقول بأن ردة فعلهم النسبية تجاه إجراءات العدو تنخفض أربعة مرات) كما أن ليس فقط عددهم الخاص المطلق سيتضاعف doubled ، بل أن عدد دبابات العدو نسبة إلى كل ما يملكون سيكون منصف أيضاً .. هكذا ، فإن تركيز وحشد فرقتين في نقطة واحدة والمهاجمة بعد ذلك ، يولد قوة أعظم جداً من تلك المنجزة بانتشار وتوزيع الفرقتين على خط طويل والدفع بهما للأمام على جبهة واسعة . إن تركيز وتحشيد القوة force Concentration يتطلب قابلية حركة لمنع العدو من اكتشاف نقطة الهجوم في الوقت المناسب وبالتالي تعزيز وتدعيم وحداته الدفاعية ، وتمتلك دبابة المعركة الرئيسة هاتان الميزتان (الحشد والحركية) ، حيث تدمج هذه الملكيات ضمن خواصها الطبيعية ، لذا هي تشكل السلاح الرئيس في الحرب المدرعة الحديثة armoured warfare .

هناك تعليق واحد: